إعلان

زمن البشير "راح".. كيف بدت ثورة السودان بعيون المصورين؟

04:41 م الإثنين 15 أبريل 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- شروق غنيم:

في أحد ميادين مدينة الخرطوم؛ دخلت سيدة خمسينية في نوبة بكاء، لم تصدق ما سمعته للتوّ، الجيش السوداني عزل الرئيس عمر البشير من منصبه، على مقربة منها وقف المصور الشاب علاء خير يحاول التقاط صورة لها، لكنه لم يتمالك نفسه هو الآخر، اهتّزت مشاعره فرحًا وتأثرًا، بينما صار لا داعي لتتخفى المصورة ضحى محمد خوفًا من الاعتقال "زمن البشير راح"، هكذا اعتقدت الفتاة الشابة وكذلك جموع المحتجين.

اندلع غضب السودانيين في ديسمبر الماضي؛ خرجوا احتجاجًا على ارتفاع الأسعار ونقص السيولة المالية، غير أن أمنية أخرى انضوت داخلهم؛ انتزاع الرئيس من سُدة الحكم، فما كان من القمع الأمني للاحتجاحات سوى تأجيج لتلك الرغبة في نفوسهم، فتحولت الهتافات في الميادين ووسائل التواصل الاجتماعي إلى "تسقط بس".

صورة 1

تصوير: علاء خير/ السودان

الخميس الماضي أعلن وزير الدفاع عوض بن عوف في بيان على التليفزيون الرسمي، اعتقال البشير وتشكيل مجلس عسكري لقيادة الدولة مُدة عامين، كما تم تعطيل الدستور وفرض حالة الطوارئ لثلاثة أشهر، لكن وجود أحد أطراف النظام البائد في الحكومة الانتقالية لم يعجب الثوار، استمرت الاحتجاجات فأدت إلى الإطاحة بوزير الدفاع، أمس السبت، وتعيين المفتّش العام للجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان محله، وذلك بعد يوم من إطاحة رئيس الجمهورية عمر البشير. كما أقال المجلس الفريق أول كمال عبدالمعروف، نائب رئيس المجلس.

شهد علاء خير، مهندس الميكانيكا، اللحظات الأولى من الثورة في منطقة السوق العربي وسط العاصمة الخرطوم، عايشها بينما لا تزال خطوات الثوار بِكرًا ومتعثرة، انزعج مما تقدمه وسائل الإعلام المحلية "تفتح التليفزيون تلاقٍ غُنى ومقابلات كإن اللي بيحصل في عالم تاني"، فما كان من المصور الهاوي إلا أن يحمل هّم التوثيق لنفسه قبل أي شيء رغم أن "وقتها كان القمع شديدًا جدًا، مستحيل تشيل تليفون مش بس كاميرا.. كان أشبه بفيلم رعب".

صورة 2

تصوير: علاء خير/ السودان

أتقن خير فن التخفي، بينما بات الركض صديقه الجديد حين تشتد القبضة الأمنية "كنت ممكن أجري نص ساعة بس عشان ميتقبضش عليا"، يتذكر كيف كان شهر ديسمبر الأدمى والأكثر عنفًا خلال أربعة أشهر من الثورة "بعد عشر دقايق من الوقفة الاحتجاجية، كان يصل حوالي 15 بوكس ويتملي معتقلين، كان بين كل 5 مواطنين أفراد أمن"، لذا ظل الأمان الشخصي مبدأ أساسيًا يخبر المصور الشاب به نفسه "أنا أب لطفل ومهما حصل لازم أرجع على بيتي، كمان أنا كنت بحاول أوري الناس اللي حاصل في السودان، ما كان هيفيد أبدًا يتقبض علي".

لكن المصورة الشابة ضحى محمد لم تفلت من قبضة الأمن؛ في منطقة السوق العربي كانت الأجواء صعبة، إذ يغلب على المكان وجود المحلات التجارية التي سرعان ما أغلقت أبوابها حين اندلعت التظاهرات "كمان الأمن عندهم مكاتب كتير هناك".

في ديسمبر الماضي، بينما تجري فعاليات أحد المواكب -التظاهرات- حاولت ضحى بهاتفها المحمول اختراق ضباب قنابل الغاز المسيلة للدموع في منطقة السوق العربي، غير أن القوات لاحظتها فاعتقلتها لمدة يوم واحد "اتعرضت للضرب والإهانة اللفظية، كانت صدمة بالنسبة لي، بعدها قعدت أسبوعين في البيت من غير ما أنزل أي مظاهرات تانية، كان في إحساس بالخوف بيأخرني، لكن بعد فترة قدرت أتجاوزه".

صورة 3

تصوير: ضحى محمد/ السودان

تتذكر المصورة الشابة اللحظات المرعبة التي مرّت عليها حين قررت توثيق ما يجري في مدينة أم درمان؛ قسوة مفرطة تعاملت بها قوات الأمن مع المحتجين، لم يخففها سوى طيبة أهل أكبر مدن السودان "فتحوا أبوابهم للثوار لحمايتهم، لكن الأمن بقى بيقتحم البيوت ويضرب ويطلق الغاز جواها، لكن كلما كانت تزيد قسوة الأمن كان بيزيد ثبات وقوة الثوار وبيلاقوا طرق جديدة للمقاومة السلمية".

في المواكب اكتسب قاموس المحتجين كلمات جديدة، تعلمتها ضحى سريعًا، مثل متاريس، المكونة من الطوب والبلوكات لإغلاق الشوارع لمنع عبور عربات الأجهزة الأمنية من اقتحام المكان، بينما صار لكل فرد في الاحتجاج مهمة ذات اسم جديد.

4

تصوير: ضحى محمد/ السودان

"بمبان مان"، الشخص الذي يحمل على عاتقه التقاط عبوة الغاز المسيل للدموع لإبعادها عن صفوف المتظاهرين "وممكن يكون بنت أو ولد، بمبان بالسوداني اسم الغاز المسيل للدموع" توضح المصورة الشابة، فيما ظهرت مهمة أخرى لشخص يُسمى "جردل مان، وده كان بياخد جردل يغطي بيها عبوة الغاز ويقف من فوق عليه عشان يحمي باقي الثوار".

في صوره؛ لم يركز خير على تفاصيل بعينها في المظاهرات، لكنه أراد أن يغطي بأكبر قدر من الصور ما يجري "من جهة حماس الشباب، والجهة الأخرى القمع القوي من الأمن"، فيما تجلّت مشاهد قوية أمام ضحى لكنها لم تستطع أن تلتقطها بعدسة هاتفها "مثل عربات الأمن اللي جواها معتقلين، أو لحظة الاعتداء على المتظاهرين، لأن لو للحظة شكوا إني صورت حاجة هيعتقلوني أنا كمان".

5

تصوير: علاء خير/ السودان

لم يكن الأمر هينًا على نفس ضحى خاصة أنها مرت بتجربة مريرة مع الاعتقال، لكنها كانت تشعر بالفخر كلما لمحت الفتيات داخل المواكب "في الشهرين الأخيرين البنات هما اللي كانوا بيبتدوا الموكب وهما اللي بيترسو "يقفلوا" الشوارع، وهما اللي بيرجعوا عبوات الغاز مع الأولاد كتف بكتف".

داخل المجتمع السوداني وصم البعض الفتيات المشاركات "وحتى في بنات بيكذبوا عـ أهلهم عشان يطلعوا مظاهرات، بس مشاركة المرأة في الثورة كانت قوية، وزي ما بنقول في هتافاتنا إن دي ثورة بنات؛ لأن عليهن الضغط الأكبر وهن يثورن ثورثين؛ الأولى عـ كل القيود والحاجات التي فرضها عليهن المجتمع والتانية ثورة الوطن كله".

6

تصوير: علاء خير/ السودان

في الأيام الأخيرة بدا أن الحلم قد يصبح حقيقة "الاعتصام كان أقرب لمشاهد الحِج، بسبب عدد الناس"، زادت الفئات المشاركة، لم يعد الأمر مقتصرًا على شباب وشابات في العشرينات من أعمارهم "كنت تلاقي الأسرة كلها، الجد والأب والأم والأطفال، كان ملتقى لكل السودانيين" يحكي علاء خير.

حين أعلن عن عزل البشير ماجت الميادين بالأفراح "لكن كانت منقوصة؛ لأن وزير الدفاع جزء كبير من فساد النظام، لذا اكتملت سعادة المحتجين حين استقال وزير الدفاع عوض بن عوف، وتولى المفتّش العام للجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان محله "المواطنين بيشوفوه من أنزه العسكر في الجيش السوداني".

7

تصوير: ضحى محمد/ السودان

لم تهدأ الأوضاع في السودان بعد؛ لا تزال الأحلام تعانق نفس المواطنين، حذر يسيطر على الأجواء "لأنهم منتظرين يشوفوا هل هيكون في تعاون بين الجيش والمواطنين لقيادة السودان لبر الأمان"، لكن المؤكد أن ما وصل إليه الشعب السوداني ليس بالقليل "كأننا حققنا المستحيل.. الشعور لا يوصف".

فيديو قد يعجبك: