إعلان

"المساجد مغلقة والورود على أبوابها".. كيف تطورت الأحداث في نيوزيلندا؟

05:42 م الأحد 17 مارس 2019

الورود على أبواب المساجد في نيوزيلاند

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

لم تبرح ميادة محمد هاتفها لثلاثة أيام. منذ علمت بالهجوم الإرهابي على مسجدين في مدينة كريست تشريش، وتقوم الشابة الفلسطينية الأصل أو تتلقى اتصالات من أسرتها وأصدقائها في مدن نيوزيلندا المختلفة، يتبادلون الاطمئنان على بعضهم البعض.

تسكن ميادة، اسم مستعار، مدينة أوكلاند –شمال الجزيرة الشمالية لنيوزيلندا، لاستكمال دراستها الجامعية، إذ لا يتواجد في الدولة ذات التكوين الجزري سوى سبع جامعات، ليس من بينها مدينة بلمرستون نورث التي تسكنها أسرتها، لهذا انتقلت بمفردها.

يفصل ميادة، قرابة 700 كيلو مترًا عن كريست شيرش التي شهدت الواقعة، لكن القلق والحذر أصبحا سكنا بقلوب الجاليات العربية والمسلمة، فما حدث كان صدمة، بحسب قولها لمصراوي، متحفظة عن ذكر اسمها عملاً بمبدأ الاحتياط "كنا مفكرين حالنا بعيد عن هاي الشغلات اللي بتحصل في أمريكا وأماكن تانية.. مش خوف من الناس لأن المجتمع النيوزلندي كتير طيبين لكن الصدمة أن الخطر صار هون، صار علينا نفكر في هاي البلد بطريقة مختلفة".

تبدل الحال في نيوزيلندا عما عهدته ميادة منذ استقرت وأسرتها بها عام 2002؛ بعد هجوم متطرف استرالي على مسجدين وقت صلاة الجمعة الماضية ومقتل 49 مسلمًا وإصابة العشرات، انتقل عقل ميادة إلى الجزيرة الجنوبية "المسلمين بيكونوا كتير قلال في نيوزيلاند عشان هيك الكل بيعرف الكل، حتى لو مكناش من كريست تشيرش بنكون عارفين ناس اتوفوا أو انصابوا" تذكر صاحبة العشرين ربيعًا وفاة والد إحدى صديقاتها وإصابة عم أخرى في الحادث الإرهابي.

طيلة السنوات الماضية، لم يزر القلق نفس الشابة رغم غربتها المضاف لها سكنها بعيدًا عن أسرتها، إلا في ذلك اليوم "أول مرة يصير هيك في نيوزيلاند، ومش عارفين نتصرف"، تستعيد الشابة الفلسطينية الأصل الحالة التي خفت وطأتها قليلاً لكن لم تزل.

بالأمس كان يوم الأحد في أوكلاند، للمرة الأولى المساجد مغلقة "بالعادة في هاي اليوم الأطفال بيروحوا في كل أنحاء نيوزيلاند على المسجد بيتعلموا عربي ودين"، تتذكر سؤال بعض الصغار من الجيران "إيه اللي عم بيصير وليه في شرطة قدام المساجد هيك؟"، إذ بات الأمن ينتشر حول أماكن الصلاة.

أسئلة كثيرة راودت الفتاة ومَن في محيطها "هل هاي آخر شغلة ولا في شي تاني؟". تعلم بوجود شيء من العنصرية لكن أقل كثيرًا مما في بلاد أخرى "وعمرها ما وصلت أننا نحس حالنا بخطر".

تذكر ميادة مواقف مرت بها من صراخ البعض في وجهها "ارجعي على بلدك، إيش جابك هون" لكن ما كان يؤثر ذلك في الفتاة المحجبة، حتى ما مر به بعض أصدقائها من اعتداء لم يبلغ الحدث الكبير. تحكي عما تعرضت له صديقة لها، قبل أربعة أشهر؛ كانت تتحدث عبر هاتفها على باب الجامعة، قبل أن تأتي سيدة وتضربها فتوقعه منها وتواصل سبّها، وأخريات اُنتزع عنهن حجابهن، إلا أن الشرطة طالما كانت حاضرة، حسب قولها.

كانت الحياة هادئة في مدن نيوزيندا إلا من مواقف يمكن تداركها سريعًا، لكن منذ الجمعة الماضية، انقطعت ميادة عن الحياة العادية "ما قدرنا ندرس.. محدش مركز في الشغلات اليومية".

قضت الشابة الأيام الماضية مُنكفئة على هاتفها، تُطالع الأخبار وتتحدث لصديقاتها، بعضهن يعرضن عليها القدوم ومشاركتهن السكن بدلا من البقاء مفردها، لاسيما أن تشارك أجانب الإقامة، فيما تواصل أسرتها الحديث معها، تملي عليها وصايا حال جميع الأبناء البعيدين عن أهلهم، ترددها ميادة "خليكي بالبيت، قللي الطلعات على الآخر إذا مش مضطرة تطلعي. إذا طلعتي اتصلي علينا. إذا بدك تطلعي لا تكوني لحالك. متخرجيش بليل".

تلمس ميادة الحزن والقلق في تفاصيل كثيرة، حتى في تفكير الأمهات حول توصيل الأبناء للمدارس، لكن في المقابل تجد الشابة الفلسطينية دعمًا يربت على القلوب؛ تنطلق الدعوات للتجمع في مكان معروف للجميع، ينضم المسلمون وغيرهم يكتبون لافتات عن كرايست تشيرش وتقام الصلوات. شهدت العديد من مدن نيوزيلندا مثل تلك الوقفات أكبرها كانت في أوكلاند، التي باتت مساجدها محاطة بباقات الورود ورسائل تضامن كما تقول الطالبة الجامعية.

لا تشعر ساكنة أوكلاند بالوحدة كثيرًا، تمتن لوجود أصدقاء من العرب والأجانب يقفون جوارها في مثل تلك الأوقات العصيبة، تثق في المشاعر التي طالما وجدتها "طول عمرنا المسلمين هون في نيوزلاند بيديروا بالهم على بعض"، فيما لا يزال إحساس الصدمة يطاردها "صعب يكون ناس تركوا بلادهم عشان فرصة الحياة بأمان أو طالعين من حرب ويكونوا في غربة وبعاد هالقد عن أهلهم ويموتوا بهاي الطريقة"، متمنية لو توقف نشر فيديو الهجوم الإرهابي مراعاة لأسر الضحايا.


 

 

فيديو قد يعجبك: