إعلان

"عجزت عن انتزاع جثته من الركام".. قصة رثاء حارس جنود مصر باليمن

01:02 م الخميس 14 مارس 2019

منصة التذكار المصري بعد القصف

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد:

صعد وائل جميل على مسرح وزارة الشباب والرياضة، أخذ يتلفت الشاب، تطوف عيناه في المكان بدهشة، ثم توجه صوب منصة الحديث وقال "أنا من بلاد مفيهاش مسارح خالص. أنا من اليمن". وقبل أن تعج المقاعد بالتصفيق، فاجأ صاحب المركز الأول في كتابة القصة القصيرة الحضور برغبته في قراءة قصته الفائزة وهو فعل غير معتاد بين المشاركين. سرد جميل حكاية "حارس التذكار المصري" الخاص بالجنود المصريين الذين شاركوا في حرب اليمن خلال ستينيات القرن الماضي، ومع بلوغ نهاية كلمته اختتم قائلاَ "اليوم شيعت شخص عجزت عن انتزاع جثته من الركام".

في الثاني والعشرين من فبراير الماضي، اختتم مهرجان إبداع الشباب في دورته السابعة، والذي أقامته وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع جامعة الدول العربية، في إطار إعلان القاهرة عاصمة الشباب العربي، وتضمن المهرجان التنافس في مجالات مختلفة، بينها الكتابة الأدبية، وهي ما يجيدها جميل، لذلك تقدم بالمشاركة.

يقيم وائل في مصر منذ نحو خمسة أشهر، فر الشاب من ويلات الحرب، لم يتحمل مثل كثير ضياع المستقبل "كنت أدرس صحافة في الفرقة الثالثة بجامعة صنعاء لكن الحوثيين احتجزوا شهادتي" يقول ابن مدينة صنعاء، كاد صاحب الحادي والعشرين ربيعا أن يتخرج لكنه أصبح اليوم مطالبا بالبحث عن منحة تتيح له الدراسة من جديد، إلا أنه لم ينقطع عن الكتابة.

1

حينما علم وائل بأمر المسابقة، فكر الشاب بماذا يشارك "أردت أن أوصل رسالة من اليمن"، لكن أي قصة يرويها بين عشرات عايشها ورأى فيها الموت بمليء عينيه؟.

لم يجد ابن صنعاء أفضل من قصة ابن حي عصر، العم أحمد الصنعاني ليرويها ويعبر عن اليمن. لا يعرف جميل الكثير عن الرجل، لكن ما يتأكد منه أنه يجيد الكتابة، فبحث عن أفضل طريقة لإيصال الرسالة بشكل لا يغفل علاقة بين البلدين، مصر واليمن.

على خشبة مسرح وزارة الشباب والرياضة، حكى وائل عن رحيل الصنعاني. كان ذلك في الخامس والعشرين من ديسمبر لعام 2017، حين استقبل سكان حي عصر –غرب صنعاء- يومهم بالقنابل. في منزله دب الرعب في نفس وائل، لم تكن الساعة تجاوزت السادسة صباحًا لما رصد الشاب بمليء عينيه ما أصاب منطقته في ذلك اليوم "إنها قريبة منا جداً، تقولها أمي.. أين ستقصف؟.

صوت صفير قادماً من الأعلى..

انبطحوا.. انبطحوا..

"تتمايل الجدران.. تتشرخ الأعمدة.. وتتشرخ أجسادنا أيضاً.. لنا ذكريات دامية ستظلم المستقبل لو نجونا في هذه الحرب.. ولا بد أن نموت جميعاً".

2

مازالت الذكرى حاضرة في نفس وائل، بفعل الحدث الجلل، والسنين التي لم ينقضِ زمنٌ طويلٌ؛ نالت خمسةُ صواريخ قبل عامين من بيت الصنعاني والتِذكار المصري، صوت الطائرات يَرن في أُذني الشاب، والدخان كأنما يتنفس ذراته من النافذة المطلة على المكان. خروج الناس فزعين لأجل إنقاذ العم أحمد، الصراخ "بيت حارس التذكار المصري يحترق أنقذوه"، مقتله واستهداف "المعافرين" لنجدته، وكتابة النهاية بمصرع نحو 9 أشخاص وإصابة 5 آخرين.

أمسك جميل بخيط الواقع، لم يستسلم لكون لقاءاته بالراحل قليلة، انصبت حول حب الصنعاني لصوت كوكب الشرق أم كلثوم، وسؤاله يومًا عن السبب ليخبره الحارس "عشان الجنود ميحسوش بالغربة"، ولكون المكان مرتبطًا بمصر، ثم أعمل الشاب خياله، لينسج تفاصيل حياة حارس التذكار.

3

رأى الشاب اليمني العم صنعاني بالعاشق لمصر نتيجة سفره إليها ودراسته فيها فترة السبعينات، قبل العودة إلي بلاده، ويتعهد ألا ينفصل عن بلاد النيل، فيقرر ملازمة مقابر الجنود المصريين، الذين أرسلهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للمشاركة في ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد الحكم الملكي في اليمن وساهموا في إعلان الجمهورية اليمنية، ليصبح اسم العم أحمد مرتبطًا بالتذكار المصري، فيه تزوج وسكنت أسرته، وداخله انتهت حياته.

منذ 26 مارس 2015 ويشن التحالف العربي بقيادة السعودية ضربات جوية على أهداف ومواقع للحوثيين بطلب من حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

أحد لجان التحكيم سأل جميل "بيعنيلك إيه حارس التذكار المصري"، فأجاب الشاب "بيعني لي اليمن ومصر في آن واحد"، أحداث عدة فقد فيها الشاب أصدقاء ومعارف له، فضلاً عن انهيار أمانه، غادر جميل مدينته واليقين يملأه بأن "روح صنعاء ماتت".

نزل جميل عن المسرح بعدما أسمع الحضور 649 كلمة دونها في رسالته إلى وعن الصنعاني. غادر لجنة التحكيم فرحًا ليس بحصوله على المركز الأول لكن لإيصال قصة الحارس، التي اعتبرها خطابًا له، وحدثه فيها قائلا "مرحبًا صديقي أحمد الصنعاني.. لم أستطع أن انتشل جثتك من بين الركام لكني انتشلتها داخل النص وشيعت جنازتك داخل البلد الذي لطالما أحببته.. لقد وفيت بوعدي يا صديقي فلتنام أنت وأطفالك بسلام".

فيديو قد يعجبك: