إعلان

حضرت جلسة "الكيماوي" بـ"المكياج".. سيدات يقهرن آثار السرطان بأدوات التجميل- (بالصور

02:37 م السبت 16 فبراير 2019

ورشة لتدريب محاربات السرطان على فنون التجميل

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتابة وتصوير- شروق غنيم:

حين انتهت الجلسة، لم تتمالك السيدة أعصابها، غرقت في دموعها، تُبصر نفسها في المرآة فيزداد نحيبها، وما إن استطاعت النطق أخبرت الحاضرين "كنت حاسة إني مسخ، دلوقتي قادرة أشوف نفسي حلوة من تاني". ضمّتها هنادي الإمام، اختبرت تلك اللحظة من قبل، في كل مرة تمنح ورشة لتدريب محاربات السرطان على تجميل وجوههن لتبدو على حالة أطيب، إذ ترى صاحبة مبادرة "كن جميلًا" أن مقاومة المرض تبدأ من ثقة المرأة في نفسها.

رافقت هنادي الإمام رحلة شقيقتها هدى في كندا، حين استبّد المرض بالأخيرة، قررت حضور ورشة لتعلُم كيفية العناية بالبشرة واستخدام أدوات التجميل الأساسية للتحايل على آثار العلاج الكيميائي. لمست هنادي أثر ذلك على نفوسهن، كذلك على روح شقيقتها هدى، التي رحلت بعد رحلة علاجها مع المرض.

1

عام 2012 دشنت هنادي مباردة "كن جميلًا" في دولة الإمارات العربية، وبعد رحيل هدى منذ ثلاث سنوات ونصف، قررت إنشاء مؤسسة تحمل اسم شقيقتها "هدى الإمام"، تستلهم روحها الإيجابية لمجابهة مرض كالسرطان، تحاول التخفيف عن سيدات المنطقة العربية "حسيت إن مفيش ورشة من النوع ده هنا". تجولت بفكرتها داخل مراكز العلاج والمستشفيات في الإمارات العربية، لبنان، ثم مصر في نوفمبر من العام الماضي.

تُدرك هنادي ما يفعله آثار العلاج الكيميائي، شبح يتجوّل داخل جسد السيدة فيجعله باهت وأكثر وهنًا، كذلك تعي ما تتركه وسائل العناية بالبشرة والتجميلية من أثر في نفس كل امرأة "لما بتقدر تشوف نفسها حلوة ده بيساعدها نفسيًا في تخطي المرحلة دي، لإنها متقدرش تواجه المرض غير وهي حاسة إنها قوية قدام نفسها".

2

الأربعاء الماضي، نظمت هنادي لمريضات إحدى المستشفيات الخاصة في المعادي يومًا لتدريبهن على فنون تزيين الوجه بأدوات بسيطة. ست سيدات جلسن على الطاولة، وجوه كل منهن تحمل حكاية مختلفة عن الإصابة بالسرطان، غير أن أثر علاجه واحد "العلاج الكيماوي بيسبب جفاف صعب للبشرة بيؤدي لتشققها، غير إنه بيوقّع الشعر والحواجب والرموش وبيغير من شكل أي واحدة" تقول هنادي.

منذ بدأت هنادي مبادرة "كن جميلًا" وتعاقدت مع شركات عالمية للتجميل، تحضر مُدربات من الشركة لإعطاء النصائح للسيدات. فيما تستقر أمام كل سيدة مرآة وعبوات تجميل تُمنح هدية من الشركة التجميلية، فيما وقفت المُدربة تشرح لهن أصول التزيين.

3

كان الصمت مُخيمًا على السيدات في بداية الورشة، غير أنهن مع الوقت اندمجن، صرن على طبيعتهن أكثر، تنفلت منهن الضحكات بينما يُجربن أداة تجميلية لأول مرة، يُحدقن للمرآة لمطالعة التغييرات "مين دي؟" تقول إحداهن بينما تتعرف على نفسها من جديد، من بينهن سميرة-اسم مستعار-، كان آخر عهد بصاحبة الـ51 عامًا بـ"المكياج" حين كانت عروس "ومن ساعة فرحي محطتش قلم كحل في عيني حتى".

تعلو ضحكة السيدة الخمسينية بينما تُمرر قلم الحواجب على جبهتها، تتذكر حالتها النفسية حين اكتشفت قبل عشرة سنوات إصابتها بسرطان الثدي، صار جسدها أضعف بفعل العلاج الكيميائي، تساقط شعرها تدريجيًا، ثم انمحت تفاصيل وجهها التي تعرفها "الحواجب والرموش كلها وقعت وده اللي بيحدد شكل الوِش، بس مكنش فارق معايا شكلي قوي، أد ما كنت خايفة حد من عيلتي يعرف، أمي ست كبيرة ومش حِمل أخضها عليا".

4

رغم ذلك لم تُفكر السيدة الخمسينية في خيار تزيين وجهها "لإن مليش خبرة في الموضوع"، لازمت منزلها، لم تبرحه حتى عادت لها عافيتها قليلًا"مزورتش أمي ولا مرة وأنا تعبانة لحد ما خفيت شوية" لكن قبل عامين ونصف عاودها المرض مجددًا، لم تسمح بتسلل الإحباط إلى نفسها، قاومته وبدأت وحين علمت عن ورشة "كن جميلًا" شعرت أنها ملاذ لها.

حرصت المُدربة على شرح الأساسيات للسيدات دون تعقيدات، رسمت لهن على سبورة كيفية تنفيذ كل خطوة، بدأت بأكثر ما يؤرّق أي محاربة للسرطان حين تذوب تفاصيل وجهها، رسم الحواجب يُعيد ذلك، ثم انتقلت إلى أهمية ذاك الكريم الذي يمنح البشرة نضارة وآخر يُخفي أي شحوب، ومع كل مرحلة تُنفذ الحاضرات، تجاوبت ماجدة متولي سريعًا مع الورشة، إذ للسيدة الستينية خِبرة بفنون الماكياج.

5

كانت أكثر سرعة من قريناتها، فلم تحتاج مساعدة كبيرة حتى مع "ليفل الوحش" كما قالت إحدى المدربات حين شرعن في شرح كيفية وضع "الآي لاينر"، رغم ذلك فإن مواد التجميل لم تمسس وجهها منذ اكتشفت إصابتها بمرض سرطان الثدي.

في ديسمبر المنصرم عرفت السيدة الستينية بالأمر رسميًا من الأطباء، غير أنها أحسّت بوجود ثِقل في جسدها قبل أعوام من اكتشافه "بس كنت مهملة في نفس ومفكرتش أكشف وقتها"، كلفها ذلك وصول الورم إلى عمودها الفقري. كادت تُكذب ماجدة ما سمعته من الطبيب لولا الآشعة، اعترتها نوبة حُزن، غرقت في حالة سودواية "وأهملت في نفسي، حتى اللبس أو المكياج مبقتش مهتمة بيهم زي الأول".

6

لكن يوجد دائمًا مُنجي، فتياتها الثلاث وزوجها صاروا حائط سد بينها والإحباط، شجعنها على خوض العلاج الكيميائي دون خوف، تختار لها ابنتها إيشارب مزركش لترتديه يوم جلسة العلاج، أو زيّ مُهندم وألوان زاهية، فتبعث في روحها الأمل، كذلك فعلت مبادرة كن جميلًا "خرجتني من الموود وفكرتني بإن لسة جوايا حاجات حلوة"، ورغم كونها ورشة ذي طابع نسائي إلا أن زوجها حرص على تواجده معها "ملازمني في رحلتي من ساعة ما اتقابلنا، على الحلوة والمُرة".


ثمة فلسفة في كل "تفصيلة" في مبادرة هنادي "ببقى مهتمة الستات هما اللي يحطوا الميكيب بإيديهم، أنا مش جاية أحطلهم يوم ويمشوا وخلاص، لا أنا عاوزاهم هما يتعلموا ده عشان يقدروا يعملوه في أي وقت"، تدرك كيف تتقهقر نفسية المرأة حين تفقد شعرها بسبب آثار العلاج الكيميائي "بتحس إن أنوثتها ضاعت، لكن ده مش صح، إحنا بنعملها إزاي تعيد اكتشافها، ده هيفرق في تغلبها على المرض".

7

طافت الإمام على مراكز علاج ومستشفيات عِدة، تعاملت مع جنسيات شتّى، من الدول الغربية والشرقية غير أنها لمست أثر واحد لا يتبدّل للآثار الجانبية للمرض وعلاجه "السرطان هو نفسه في كل حتة، حتى الست فهي نفس الشخص سواء في بلدنا أو برة، عشان كدة مبادرات من النوع ده مهمة في أي مكان".

ورغم اختلاف المجتمعات التي سافرت لها لكن هناك تعليقات متشابهة سمعتها عن المبادرة "في ناس بتقولي إحنا عاوزين نشفيها مش نمكيجها! أو إننا قاعدين نصلي لها مش فاضيين لحاجة زي دي"، تؤكد الإمام أن المبادرة ليست ترفيهية بل أساسية "اللي بيساعد على تخطي المرحلة دي بشكل أفضل وثقة أكبر، الشعر هيطلع مرة تانية وكمان وشها هيبقى أفضل، بس المهم نفسيتها عاملة إزاي لحد ما تعدي المرحلة دي".

8

ضمن أكثر ثلاثة أنواع شيوعًا لمرض السرطان، يحّل سرطان الثدي، كما تقول الوكالة الدولية لأبحاث السرطان في تقريرها عام 2018، بينما وصلت نسبة الإصابة به إلى 24.2%، فيما تشير الإحصائيات العالمية إلى أن واحدة من كل 8 سيدات تخطين سن الـــــ 50 يصبن بسرطان الثدي، وبوجود العامل الوراثي تزداد هذه النسبة قليلًا، فتتعجب أمينة محمد –اسم مستعار- من الأمر، إذ لم يحمل تاريخ عائلتها المرضي أي إصابة بالسرطان، بينما هاجمها المرض قبل شهرين.

على هاتف ابنتها مرام، بعثت المستشفى رسالة تخبرهم بفعالية "كن جميلًا"، لم تهتم الأم بالحدث، غير أن تشجيع الطبيبة الخاصة بها وابنتها العشرينية غير من رأيها "قولتلها هنتبسط ويالا نجرب رغم إني عارفة إنك قمر من غير حاجة"، وقد كان.

9

حضرت أمينة الورشة، بينما انتابها الارتباك في بادئ الأمر، لا زالت تتعرف على المرض وآثار علاجه "ومشغولة بالجرعة أكتر"، لكن الأجواء كانت سببًا قويًا في ذوبان التوتر، نست اللازقة الطبية على يديها، تقبض على أدوات التجميل وتحاول برفق اتباع الخطوات الإرشادية.

رافقتها مرام واندهشت من شجاعة والدتها "لقيتها اتأقلمت بسرعة، وبقت تسأل على تفاصيل كل حاجة، كنت مبسوطة إنها بتخرج من موود العيا، كمان حست إنها لقت ناس شبهها وأكنها قعدة ستات صحاب مع بعض، ده شجعها أكتر"، فيما كان لحضور مرام سببًا قويًا لاندماج والدتها، تتفقدها بين الحين والآخر، تطمأنها أن كل شئ على ما يرام، مرآة حقيقية لها في اليوم تخبرها "شكلك يجنن بالمكياج".

10

حين انتهت الورشة، لملمت السيدة الستينية أغراضها سريعًا استعدادًا للجلسة الكيميائية، أزالت أحمر الشفاه فقط، بينما احتفظت بباقي تفاصيل وجهها، ترتدي نظارتها مع كل إضافة جديدة على وجهها فتشعر بالسعادة لما تراه "وحضرت الجلسة بالمكياج".

خلال ساعتين لم تبرح أجواء المرح الورشة، بسلاسة تُخبر إحدى السيدات أنها وضعت "الماسكرا" بنجاح على رمشتين فقط تبقت لها، بينما تُرشدهن هنادي على أنواع باروكة الشعر، أو أهمية العناية بالبشرة وترطيبها لتفادي جفاف العلاج الكيماوي، وحين انتهت الورشة، صعدت طبيبة من المستشفى تعطي محاضرة توعوية عن المرض.

11

في كل مرة ترى هنادي ابتسامة على وجه محاربة للسرطان، تعاودها ذكرى شقيقتها، يمر طيفها في كل لحظة داخل الورشة، تمنحها الإيمان بأهمية ما تفعله "أختي اتعاملت مع المرض بإيجابية، حاولت بكل طاقتها تضحك عليه، لكن في النهاية الأعمار بيد الله".

تشعر بقوة رسالة المبادرة، كيف يصبح لأداة بسيطة أن تترك مفعولًا سحريًا في نفس سيدة، تُنقذها من لحظات انكسار، تُجدد فيها اليقين بالشفاء، لا تنسى حكاية إحدى المحاربات "بناتي مكنوش بيقدروا يبصوا في وشي أو بيداروا عنيهم عني، وأنا كمان مكنتش بقدر أبصلهم عشان متصعبش عليا نفس"، تتذكر ذلك فتتيقّن بأن "اللي بنعمله مش رفاهية".

12

فيديو قد يعجبك: