إعلان

حكايات الدور الخامس.. أزواج يبحثون عن الإنجاب داخل قصر العيني بـ"سعر حنين" (معايشة)

07:42 م الأحد 13 يناير 2019

وحدة الحقن المجهري بقصر العيني

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

 كتبت- دعاء الفولي وأحمد جمعة:

تصوير- أحمد النجار:

بالطابق الخامس في مستشفى قصر العيني القديم، وقف أحمد مرتديا جلبابه الفلاحي واضعا عليه "ملفحة" زيتية اللون، يداعب ابنته شهد بعد ساعات من انتظار الدور. تتلهف عيناه طوال الوقت للمغادرة، بينما يستفسر من السكرتيرة عن طبيب الذكورة لعرض التحليل عليه، ذلك التحليل الذي أجراه قبل 11 عاما حين تزوج. 

"عاوز ربنا يكرمني بولد"، كان دافع الشباب الثلاثيني أحمد محمد لتحمل مشقة الرحلة التي يكررها رفقة زوجته مرة أسبوعيا إلى قصر العيني لمتابعة إجراءات عملية "الحقن المجهري". استيقظ قبل السادسة صباحا، متوجها من منطقة المناشي بإمبابة إلى المستشفى. في قصر العيني قصص مختلفة لأزواج تختلف تشخيصاتهم الطبية ويتفق دافع أغلبهم لزيارة المكان؛ فأسعار العمليات داخل المستشفى الجامعي الحكومي أقل من الخارج بأكثر من النصف.

رُزق أحمد بطفلتين بحمل طبيعي، قبل أن تُصاب الزوجة مؤخرا بالتهابات تسببت في غلق "قناة فالوب"، ما منع تكرار الحمل الطبيعي "ربنا رزقني بشهد ورحمة وماليين عليا حياتي بس نفسي قوي ربنا يكرمني بولد يخلي باله منهم"، قالها بينما دخلت زوجته لإجراء المتابعة الدورية قبل بدء الكورس العلاجي والحصول على حقن تنشيط التبويض. 

صورة   1

حين قرر الأب إنجاب الطفل الثالث، صدمه الطبيب بعدم تمكن زوجته من الإنجاب. استفسر بين دائرته الريفية عن وجهة لإجراء عملية حقن مجهري، دلوه على طبيب بأحد المراكز الخاصة لكنه لم يشعر حينها بالاطمئنان "بنت عمي عملت العملية في الوحدة هنا، وخلفت، فاتشجعنا نعملها هنا".

لم يخبر أحمد أحدا سوى والده ووالدته فقط "لأن الناس مخها صغير رغم إنه موضوع طبيعي"، فيما تكفلت زوجته بعدم الإفصاح هيّ الأخرى لحين اتمام الحمل. طالما استمر الأب الثلاثيني في الحديث عن الطفل الُمنتظر "عاوزه يكون سند في الحياة"، لكنه رغم ذلك ينظر إلى الجنين -حال نجاح العملية- بأنه "رزق ربنا حتى لو بنت"، والذي في تأكيده سيكون الأخير "مش هنعمل حقن مجهري تاني". 

لا تنقطع أقدام الراغبين في الإنجاب عن وحدة الإخصاب المجهري بقصر العيني، منهم من بات معروفا لدى الأطباء والعاملين، خاصة مع ترددهم لأسابيع لإجراء الفحوصات والتحاليل انتهاءً بعملية سحب البويضات ثم إرجاعها. تُقسِّم إدارة المستشفى هذه العملية على مرحلتين؛ العيادات الخارجية في الدور الأول لإجراء تقييم أولي للحالة، وإجراء الفحوصات ثم فتح ملف طبي بتاريخها المرضي، انتهاءً بقرار اللجنة التي تضم أعضاء الوحدة من هيئة التدريس والتي تُعقد أسبوعيا لمناظرة ملفات المترددين واتخاذ القرار الطبي بشأنها.

ضمن المنتظرين، كانت "أم سعيد" وابنتها ياسمين، جاءتا من منطقة البدرشين بالجيزة، لتخضع الشابة لعملية إرجاع البويضات للرحم، بعد تخصيبها بالحيوانات المنوية من الزوج.

4 سنوات مرّت على زواج ياسمين، صاحبة العشرين عاما، كان الخوف باديا على وجهها، ما أن دخلت الوحدة، حتى اصطحبتها الممرضات لغرفة داخلية فيما مكثت الأم بالخارج، تستقبل مكالمات الأقارب يطمئنون على الابنة "ياسمين الحمد لله ملفتش على دكاترة كتير لأن المشكلة من عند زوجها بسبب نقص الحيوانات المنوية" تحكي الوالدة. 

تزوجت الشابة من ابن عمها، لذا لم تُعانِ كثيرا مع التعليقات السلبية "على العكس، مرات أخو جوزها هي اللي قالت لها على العملية بعد ما حد تاني في العيلة عملها وخلّف". داخل الوحدة، كانت السيدة الخمسينية، تتغلب على وقت الانتظار بالحديث للجالسات بجانبها "رغم إن محدش قال لياسمين حاجة ضايقتها، لكن كل شوية تقولي يا أمي صاحبتي خلّفت، مش عارفة مين جابت ولد، بقعد أقولها عقبالك بس هي بتصعب عليا".

على بُعد خطوات من الأم، كانت فاطمة إبراهيم تُلح على زوجِها لإجراء هذه العملية بعد سنوات من فقدان الأمل في الحمل الطبيعي، إذ أجرّت جراحة استئصال مبيض بطريقة خاطئة، عندما كان المطلوب هو إزالة التكيس من عليه فقط.

"بالعافية" جاء زوج فاطمة معها "انا مش عايز ولاد تاني وراضي باللي ربنا قسمه" قالها بحسم، لكن نجحت توسلات زوجته في إقناعه بتجربة قصر العيني. 

لدى فاطمة (33 سنة) وزوجها طارق غريب طفل يبلغه من العمر الآن 7 أعوام ونصف، تتركه في المنزل بينما يذهبان من الغربية إلى قصر العيني، تتحمل الأم المعاناة بصلابة، لم تفقد يوما حماسها أو تخلف موعدا مع طبيبها بوحدة الإخصاب "مش هتعب أكتر من اللي تعبته"، تتذكر تلك المرات التي اشتد فيها ألم الولادة القيصرية لطفلها الأول، أو إزالة تكيّس المبيض، أو إجراء أشعّة الصبغة مرات عدّة "ببقى جوه بصوَّت بس بس برجع وأقول نفسي أخلف".

صورة    3

لم تستسلم فاطمة مباشرة للحقن المجهري، حاولت إجراء تنشيط للمبيض المتبقي، ولكنه إزاء بعض التعقيدات الطبية فشلت محاولاتها "مش عارفة أوصل لحل"، ليبقى أمامها الحقن المجهري كآخر وسيلة للإنجاب الذي تُصر عليه.

لعل هذا الإصرار من فاطمة كان سببه بعض الكلمات التي تسمعها من الجيران أو الأهل "كلام يتعب، حد يقول هاتي تاني، أو مفيش أخ للواد وكلام كتير"، قبل أن تحاول أن تُبدد ذلك بضحكة "كمان ابني عاوز بنوتة"، ليقول زوجها من جديد "بس بتبص لكلام الستات". تأمل فاطمة أن تنتهي تلك التحاليل سريعا لتتخلص من دوامة "المشاوير". 

منذ 6 أشهر التحق الطبيب أحمد البكري بالوحدة. يقول إن المكان تُقدم 3 أمور طبيّة؛ الأولى تتمثل في تنشيط التبويض للحالات التي لا تستدعي الحقن المجهري، والخطوة الثانية التلقيح الصناعي لمن يختاره من الحالات ويقوم على تنشيط البويضات ثم الحصول على السائل المنوي من الزوج وحقنه في تجويف الرحم، ورغم أنه يعتبرها "عملية بسيطة بدون بنج وتكلفتها مش عالية"، لكن نسب نجاحها لا تتجاوز 15%.

تنقسم وحدة الحقن المجهري لعدة غُرف، تبدأ عملها مع الثامنة صباحا، ومع الظهيرة يتم حجز الحالات التي سُتجري عمليات الحقن. في غُرفة دائرية تكسوها المقاعد، جلست عدة سيدات، تتحدثن سويا عن ذكريات "اللف على الدكاترة"، تشكو بعضهن تكاسل زوجها عن إجراء العملية، ما يضطرهن للمتابعة بمفردهن.

صورة    4

تلك هي المرة الأولى التي تزور فيها نسمة محمد المستشفى الحكومي "بعد ما كان بقالي عشر سنين بروح لدكاترة". سمعت صاحبة الخمسة وعشرين عاما عن الوحدة "وعرفت إن الفلوس أقل من برة فقلت نجرب". لم تكن معاناة نسمة بسبب عدم الإنجاب فقط، أرهقها دفع أموال طائلة للبحث عن حل، تذكر ذهابها منذ عامين لمستشفى بمنطقة المقطم "كاناو بيدفعوني فلوس على أي حاجة، كل مرة أروح أكشف يسحبوا دم وأدفع 80 جنيه لمجرد ياخدوا فلوس".

بسبب سوء الأحوال المادية، اضطرت نسمة لإيقاف الحقن المجهري عدة مرات، خلال أشهر التحضير "عشان الفلوس مكانتش تكمل"، مرّت بمستشفى الجلاء والدمرداش وغيرهم، لكنها لم ترغب في التوقف عن المحاولة "رغم إن المشكلة عند جوزي".

تُقدم الوحدة عملية الحقن المجهري بحوالي 5 آلاف جنيها، أو ما يُعادل نصف التكلفة في المراكز الخاصة، ومثلها تنفقه الحالات على الأدوية، وتبقى حينئذ مشكلة مع هؤلاء الذين لا يستطيعون تدبير هذه التكلفة "المرضى أحيانًا مبيكونوش عاملين حسابهم على الرقم دا، وبنقولهم تعالوا في وقت براحتكم يكون فيه فلوس" يقول البكري.

لكن الأموال ليست الأزمة الوحيدة التي تقابل الطبيب، إذ يتمسك المستشفى بضرورة إجراء الزوج تحليل السائل المنوي بين جنبات قصر العيني "علشان نكون مطمنين قبل ما نبدأ لأن فيه بعض الأزواج قبل كدة جابوا تحاليل لناس تانية عشان ميعترفوش إن العيب من عندهم". 

يحاول البكري ومن معه التأكيد على نسبة نجاح العملية والتي لا تتعدى 45%، لكنه يشتكي من عدم تفهم الكثير لذلك، ويكون الوضع أكثر صعوبة في إخبارهم بذلك، يسندون المهمة لأحد كبار الأساتذة لإخبارها بذلك "علشان العيانة نفسيا تقتنع".

صوؤة     5

 قبل 8 سنوات تزوجت نسمة، تجد في الجلوس لسيدات وحدة الإخصاب تسلية "بنطلع همومنا بدل ما نموت من الزعل"، تنتظر بثبات دورها في الكشف عسى أن يطمئنها الطبيب، فيما لا تنسى أيام الألم التي تتكرر كل عام "لما بييجي عيد الأم ببقى عايزة أنتحر من كُتر الزعل والعياط".

لكن هند طارق، التي تتابع في الوحدة منذ 5 أشهر، جرّبت إحساس الأمومة "انا متجوزة من 11 سنة وعندي بنتين"، حتى أنها أنجبت بشكل طبيعي في المرتين، قبل أن تبدأ المشاكل بعد الطفلة الأخيرة "حصل لي تكيسات في المبيض واضطريت اعمل عملية وأشيل واحد من المبيضين".

على مدار أربع سنوات كانت رحلة هند مُرهقة؛ خضعت لثلاث عمليات مختلفة ولسان حالها "هو انا مش هخلف تاني؟". بعد إزالة المبيض الأول أخبرها طبيبها أنها تستطيع الإنجاب "بس هيبقى بصعوبة عشان حركة التبويض ضعيفة جدا"، استمسكت الأم بالخيط، بدأت تتردد على قصر العيني لأخذ العلاج اللازم الذي يُحضرها لعملية الحقن المجهري.

صورة    6

الحمل ليس سهلا "ألم وتعب ورُعب، ولو حملت المرة دي كمان لازم أولد قيصري"، لكن الأم البالغة من العُمر 31 عاما تُصر على خوض التجربة "رغم إن جوزي مش عايز"، ليس لأنها تُريد أبناءً آخرين فقط "بس عشان مش عايزة أحس إن ناقصني حاجة، من ساعة ما شيلت مبيض وانا حاسة إني مش زي بقية الستات" تقول هند بأسى. 

لا تعرف هند الغيب، رُبما تبوء المحاولات بالفشل في النهاية، كما تُردد هي، لكنها لن تفقد الأمل بحال، حتى أنها رفضت الخضوع لتشخيص طبيبها الأخير "لما قاللي إن المبيض التاني عليه تكيسات وهيتشال"، طلبت منه الأم إعطاءها أدوية لمعالجة التكيسات ونجح الأمر "بس هو قاللي عن طول ما المبيض موجود هيفضل يحصل تكيسات والتصاقات بس انا مش هشيله دلوقتي عشان هو آخر أمل ليا في إني اخلف تاني".

 

تابع باقي موضوعات الملف:

"لا تذرني فردًا".. مصريون في رحلة البحث عن طفل (ملف خاص)

ملف-الأطفال

بالصور- مصراوي داخل أول مركز مصري لأطفال الأنابيب (معايشة)

2019_1_10_19_39_27_473

فرح من 7 ليالي.. زوجان يستقبلان مولودتهما الأولى بعد 18 عامًا

2019_1_8_15_59_36_779

"في انتظار لُطف ربنا".. مشاهد من مأساة الإجهاض المتكرر في مصر

2019_1_9_11_43_54_416

تعرف على أبرز أسباب منع الانجاب (فيديوجرافيك)

2019_1_11_19_45_55_244

ساعة ميلاد القدر.. رحلة زوجين لإنجاح عملية الحقن المجهري "في اللحظات الأخيرة"

2019_1_12_15_22_25_565

"أول طفلة أنابيب مصرية".. كيف وثّقت الصحف ولادة "هبة"؟

2019_1_11_14_56_13_671

رئيس وحدة "تأخر الإنجاب": نُجري 600 عملية سنوياً.. و70% من الرجال يعانون ضعف الخصوبة (حوار)

الدكتور عبدالمجيد رمزي مؤسس ورئيس وحدة تأخر الإنجاب

"سابوا البيت وفكروا في الزواج التاني".. حكايات من "مرارة" تأخر الإنجاب

2019_1_14_16_32_39_50

ما الفرق بين أطفال الأنابيب والحقن المجهري؟ (فيديوجرافيك)

2019_1_12_19_0_47_68

"10 جنيه" مكافأة.. حين عايش ياسر رزق ولادة أول طفل أنابيب مصري

2019_1_12_17_18_36_967

"المشاهرة والخلاص".. من عالم "خرافات" تأخر الإنجاب في مصر

2019_1_14_13_26_44_335

فيديو قد يعجبك: