إعلان

"جرنان زمان".. أيام كانت للصحافة "شنّة ورنّة"

11:48 ص الثلاثاء 14 أغسطس 2018

صحيفة المصور

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا الجميعي:

في عصر ما بعد الإنترنت قلّت هيبة الصحافة الورقية، كان للجريدة "شنّة ورنّة"، وللمانشيت باللون الأحمر إنذارًا للسُلطة، وللمقال صوت مُزلزل، تتهافت الأيدي.. تتسارع الأرجل للحاق بالجريدة قبل نفادها عند البائع، خاصة مع الأحداث الكُبرى، لكن الزمن يُبهت أي جلال، ويتبقى البعض ممن يبيعون الصحف والمجلات الورقية، يتذّكرون أيامًا حُلوة، تُعينهم على مشقّة زمن سَحَب البساط من تحت أرجلهم، بينما لازال للبعض مصدر رزق هو بيع الصحف القديمة حتى الآن.

في وسط البلد

عند فَرشته بإحدى نواصي وسط البلد جلس عم سيد يستريح عصرًا، منذ 35 عاما جاء إلى هذا المكان، يتْبع في ذلك مهنة والده وأجداده، يُشير سيد إلى فرشته "دا كان كشك كبير لحد ما وصل للفرشة دي"، استهلكت تلك المهنة من روْح سيد الكثير، رغم أعوامه التي تعدّت الأربعين فحسب إلا أن وجهه الأسمر يحمل همًا كبيرًا "أعمل ايه، بحبها، السن عدّى والعمر عدّى، هشتغل ايه تاني بعد العمر ده".

يتذّكر عم سيد أيامًا كانت "الرِجل" فيها لا تنقطع عن الشراء "أفتكر أيام اغتيال السادات"، يرى بائع الصُحف أن تلك الأيام المُزدهرة ذهبت مع الريح، منذ التسعينيات تحديدًا بدأت الناس تزهد الصُحف "كان النت بدأ يدخل مصر، بالذات عند الأغنيا"، كان زُبون عم سيد من مختلف الطبقات.

في البداية كانت الصُحف الأساسية أربعة "الأخبار والأهرام والجمهورية والمساء"، يتذّكر أن أهم حدث رياضي زادت فيه نسبة البيع "وقت لما مصر دخلت كاس العالم سنة 90"، منذ التسعينيات زاد عدد الصحف في مصر "بدأ كل حزب يطلّع جرنان، كان فيه الأهالي والعربي الناصري وغيرهم"، مع ذلك لم يكونوا ضمن المُنافسة مع الصحف القومية، ففي رأي عم سيد "كان الناس بيحصل عندها بلبلة، يبص لكلام المعارضة يلاقي حاجة، ويبص لصحف الدولة يلاقي حاجة تانية، طب يصدق مين".

حتى الآن مازال عم سيد يجلس أمام فرشته، لا يأخذ أي يوم إجازة "أنا غير المُوظف مينفعش أقفل"، يتمنّى تحسّن الأحوال رغم ما تبدو عليه، حيث سترتفع أسعار الصحف في سبتمبر المقبل.

لازال عم محمود عبد المجيد مؤمنًا بقيمة الورق، هو العالم بأحوال المثقفين منذ أكثر من ثلاثين عامًا، على كُرسيه عند ناصية بوسط البلد يجلس، فيما يتردد عليه زبائنه من حين لآخر، يسألونه عن كتب وصحف بعينها، يعلم أن الحال ساء بسبب زيادة أسعار الصحف ودخول الإنترنت قبل ذلك، إلا أنه على يقين في محبّة الورق "فيه ناس مبتعرفش تقرا إلا الورق، دول مهما حصل هيفضلوا يشتروا".

تمكّن عم محمود على مدار 30 عاما من "تربية الزبون" كما يقول، هو نفسه لم يعد ذلك الشاب الصغير الذي جاء لتعلّم "الشغلانة"، صار واحدًا من هؤلاء المُثقفين، تراكمت خبراته بحُكم العمل والقراءة، وتوافد مختلف الطبقات عليه، يعلم أن هناك أيام مجيدة لتلك المهنة كان الرزق فيها مُرتفعًا "كنا أوقات بنخلص الألف نسخة اللي بناخدهم من الأهرام"، كانت جريدة الأهرام هي الأكثر طلبًا لدى عبد المجيد.

في مكتبة دار الهلال

18 عاما مرّت على ماجد أمين بين جُدران مكتبة دار الهلال كسؤولا عنها، يعرفها جيدًا، ويُلّم بكافة إصداراتها المتنوعة، التي من بينها حَوَت أعداد تذكارية، القَديم مازال عليه الطلب كما يقول أمين، حيث تقوم دار الهلال كل فترة بإعادة طبع أعدادها الثمينة من كافة الإصدارات منها مجلة الهلال.

حتى الآن مازالت تُباع تلك الأعداد، وتنفد ليُعاد طبعها من جديد من بينها عدد الزواج الملكي "زواج الملك فاروق والملكة فريدة، دا 75 صفحة بـ100 جنيه"، وهناك أيضًا عدد المجلة الخاص بمرور 125 سنة عليها "دا بـ50 جنيه"، يرى ماجد أن ذوق القارئ الذي يميل إلى الأعداد القديمة لها تفسير عنده "بحُكم إن المادة معمولة بكثافة ومحتوى جيد، كمان الناس بتحب تعيش الفترة اللي بتسمع عنها".

ويلفت ماجد النظر إلى أن الأعداد الأولى لمجلة الهلال منذ نشأتها عام 1892 حتى عام 1992، موجودة على اسطوانات، ولكن حق الطبع والنشر والبيع فيها لدى مكتبة الإسكندرية.

في سور الأزبكية

رغم عُمره الصغير يحب محمود السيد تلك المهنة، يقف منذ عمر العاشرة بمكتبة أجداده بسور الأزبكية، أي منذ 17 سنة، بالمراقبة تعلّم الفرز والتخزين وقيمة النوادر، حيث يبيع محمود الكُتب القديمة بجوار الصحف والمجلات القديمة أيضًا "كل ما بتبقى الحاجة نادرة كل ما يبقى تمنها أعلى"، لدى محمود صحف قديمة مثل المقطم والزمان والسفير المصرية.

عادة ما يبدأ سعر الصحيفة القديمة من خمسة جنيهات حتى عشرة، لكن إذا قُمت بسؤال محمود عن سعر عدد إعلان الجمهورية مثلًا، سيقول لك: 500 جنيه، حيث يعتبر عدد صحفية الإعلان هي الأغلى سعرًا عنده "عشان دا عدد نادر ومش موجود"، أما أي حدث آخر فينخفض سعره عن ذلك "يعني مثلًا عدد النكسة بخمسين، ولما فاروق تنازل عن العرش دا بـ200 جنيه، أما حرب أكتوبر فسعرها بـ100 جنيه".

يختلف شكل الزبون عند محمود، هناك طالب الإعلام أو الباحث، هناك أيضًا الخلايجة "بييجوا يسألوا عن أي حاجة اتكتبت في الصحف المصرية عن دول الخليج، ييجي مثلًا يسألني عن اللي اتكتب عن الشيخ الصباح أو الشيخ فيصل".

يُعتبر موسم معرض الكتاب الأكثر ازدهارًا لدى محمود، يقول إن السؤال عن الصحف القديمة لا ينتهي هناك، لكن أكثرهم ضحكًا هو "حد ييجي يسألني عن جرنان تاريخ ميلاد جدّته عشان يديهولها هدية".

فيديو قد يعجبك: