إعلان

أبطالنا على منصة واحدة.. قصة رفع العلم المصري 3 مرات في دقيقة

01:29 م الإثنين 16 يوليو 2018

لاعبو مصر في الخماسي الحديث

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد:

وقف أصحاب المراكز الثلاثة على منصة التتويج. اليوم يُعلنون أبطال العالم في الخماسي الحديث تحت سن 19 عامًا. كانت الفرحة تدب في قلوب الفائزين بالبطولة المقامة في البرتغال، فيما ينتظرون لحظة رفع العلم وعزف النشيد الوطني، لكن المشهد ارتبك للحظات.

اللاعبون من دولة واحدة وليس هناك سوى علمين، كحد أقصى لما حصدته الدول من ميداليات في سنوات سابقة. تأخر التكريم ولم يحل الموقف وقتها سوى منح المنتخب المصري العلم الوحيد الذي بحوزتهم، لتعلو الأعلام المصرية خلف الفائزين، معلنة إنجازًا رياضيًا غير مسبوق لمصر.

1

كان ذلك في إبريل المنصرف، حين احتل كل من اللاعب أحمد أسامة الجندي، ومهند طارق، وعلي الدين سويلم، المراكز الثلاثة لبطولة العالم للشباب، فيما تأهل الجندي، صاحب المركز الأول، لأولمبياد الشباب المفترض إقامتها في يوينس آيرس بالأرجنتين شهر أكتوبر المقبل.

فجر اليوم الثاني لانتهاء البطولة، عادت بعثة المنتخب المصري بما حصدته في صمت، خلاف ما توقعوا "اللي استقبلونا في المطار هم أهالينا" يقول مهند طارق، صاحب المركز الثاني، قبل أن يتفاجؤوا بانتشار صورتهم لحظة التتويج، عقب مباراة مصر وروسيا في كأس العالم، وعودة الحديث عما حققوا كأنه اليوم، إذ ظن البعض خطأ أنه حدث في بطولة البحر المتوسط التي تزامنت في ذلك التوقيت.

2

حين رأى مهند المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، حزن صاحب الثمانية عشر ربيعًا "أنا نفسي نسيت أننا أخدنا المراكز التلاتة، اهتميت بالكورة ويلا ننزل نتفرج على الماتش والناس كلها كانت مفيش في دماغها غير الكورة ونسيت أننا عملنا حاجة من شهرين"، بينما لم يفهم أحمد أسامة، أول العالم، مغزي المنشور بعد تلك الفترة، أما ثالثهم علي الدين، فتعجب من الرسائل التي استقبلها والده، إذ كان حسابه مغلقًا حتى وقت قريب.

يعلم الأبطال الثلاثة أن الألعاب الفردية في مصر خارج دائرة الاهتمام الرسمي والشعبي، لكن طالما راهنوا على الجهد، وحصدهم البطولات ليحدث ذلك، إلا أن أوقاتًا يمسهم الإحباط "بيجي على الواحد يقول كده كده مش مشهورين ومحدش هيهتم يبقى مش فارق" كما يقول مهند، غير أن نماذج حال عمرو الجزيري، الذي حصد ذهبية العالم قبل عامين تُقوي عزيمتهم، إذ يجده صاحب فضية "البرتغال" سببًا في شهرة اللعبة على نطاق أوسع بين الرياضيين.

3

خمسة رياضات يمارسها لاعبو الخماسي الحديث في نفس اللعبة: سلاح، سباحة، رماية، عدو، فروسية. 8 ساعات في اليوم يستغرقها التمرين، يقسمها اللاعبون بين الألعاب فضلا عن دراستهم المدرسية والجامعية، يبتسم علي الدين بينما يقول "تقريبا بقالنا 3 سنين مبناخدش إجازة".

لم يكن حصاد بطولة العالم للشباب المؤهلة للأولمبياد وليد الصدفة؛ حصل أحمد أسامة على الميدالية الفضية للمسابقة ذاتها العام الماضي في التشيك، وجاء مهند في المركز الرابع، أما علي الدين فكان في المرتبة 26، لكن ما حدث قبل أسبوعين من السفر إلى البرتغال حفزهم بشدة.

4

في إسبانيا، كان الرفاق الثلاثة على موعد مع بطولة كبرى، والحصول على ترتيب متلاحق، وضع لهم تصور مسبق قبل المشاركة في أكبر بطولة بعد الأولمبياد "جبنا تاني وتالت ورابع فقلنا كده ممكن يبقى في اتنين مننا يجيبوا ميدالية في بطولة العالم"، لم يأمل مهند كثيرًا في تحقيقه مركزً متقدمًا في البرتغال، أصيب الشاب وأجرى عملية جراحية قبل السفر بنحو ثلاثة أشهر.

على العكس وُضعت الآمال كلها في أحمد، طالب الهندسة المتوقع له الحصول على تصنيف عالمي، أما علي الدين فالتحدي أمامه مضاعف للقفز من المرتبة الـ26 إلى الأوائل، لكن صداقة اللاعبين الثلاثة عززت مثابرتهم لبذل أقصى جهدهم.

5

في البرتغال مرت جولات اللعبة الأولى بسلام، حقق الثلاثة أرقامًا جيدة في السلاح وجاءوا متتابعين، ومع السباحة تقدم أحمد للمركز الأول ومن بعده مهند، فيما تعثر علي الدين "جالي شد عضلي شديد في المرة الخامسة ولو كنت وقفت كان هيتلغي ليا السبق"، تحامل الشاب المصاب، ولم يفكر سوى في إتمام المرات الأربعة المتبقية من سباق الـ200 مترًا "كنت بغرق تقريبا وبعافر أوصل للحيطة بس قلت لازم أخلص وبعدها اتعالج وأبقى أموت نفسي في الجري".

نجح علي الدين، ولحق برفيقيه في الجولات المتبقية لحصد أرقام الألعاب الأربعة، إذ أن الفروسية مستبعدة من البطولة. قبل سباق العدو والرماية، جاء أحمد في المركز الأول، ومهند السادس، وعلي الدين في المرتبة الـ11، وعليه اتفق اللاعبون ومدربوهم على تصور ليبلغوه "إحنا عارفين الناس اللي هنافسها، فقلنا أحمد يبقى الأول وأنا اتقدم للخامس وعلي الدين يبقى معايا في نفس المركز" يقول مهند.

6

لم يتخيل أحد من بعثة المنتخب أنه سيأتيهم أكثر مما خططوا. في الوقت الذي هلل المدربون بوصول أحمد ومهند إلى خط النهاية حاصدين المركزين الأوائل، وأخذ يصيح رئيس البعثة المصرية شريف العريان "معانا أول وتاني الحمد لله"، التفت إليه صاحب المركز الأول ونبهه قائلاً "والتالت هناك أهو".

32 ثانية فرقت بين علي الدين وأحمد، فيما وصل مهند بعد 18 ثانية. حتى لحظة وصول صاحب المركز الثالث، ظنت البعثة المصرية أنه في المرتبة الرابعة أو الخامسة، بينما كان علي الدين في خضم لحظة لا ينساها.

7

يحكي علي الدين أنه لم يكن يعلم حتى الجولة الثالثة كيف يبلي مع رفاقه "لغاية قبل ما ادخل الروند الرابعة والأخيرة لقيت نفسي في المركز الخامس، وقدامي اتنين واحد من فرنسا والتاني من المجر"، الخوف كله من الفرنسي شديد السرعة، الذي انتظر علي الدين اللحظة التي يحتدم فيها السباق فيتنافسا على التقدم، لكن القدر تدخل؛ "فجأة ببص في آخر ملف لقيت مسافة بيني وبينه روحت فاتح جري زي حرامي الغسيل" ساخرًا يستعيد اللاعب اللحظة.

فوق منصة التتويج، غاب استيعاب المشهد عن عقول اللاعبين المصريين، الفرحة تملأ النفوس. سبق أن وقف الثلاثة معًا كأبطال بعد التنافس في مسابقات محلية، لكن لم يتخيل أي منهم منذ التحقا بالمنتخب عام 2014 أن يجتمعا معًا في بطولة دولية كما يقول مهند، فيما قال علي الدين في نفسه وقتها "كنت حاسس أننا في بطولة جمهورية.. وبقيت أقول أومال فين الشعب المصري بقى".

8

مشاعر الزهو فاضت على الفائزين، الجميع من حولهم يتساءل "ازاي أطورتم كده وعملتم الانجاز ده" يقول أحمد، الذي تأهل للأولمبياد، فمصر الدولة الثانية في تاريخ الخماسي الحديث، التي تحقق ذلك، سبقتها دولة المجر في الثمانيات "لكن كانت البطولة في أرضها. إنما أحنا عملنا ده في الألفينات وخارج أرضنا" بفخر يضيف مهند.

في لحظات تبدلت المواقف؛ بعدما كانت البعثة المصرية تطالب بإقامة معسكرات في الخارج، استقبلوا رغبة منتخبات دولية كبرى لإقامة فترات تدريبية في مصر. أصبح المنتخب الذي لا يملك إمكانيات مادية تمكنه من المشاركة في بطولات دولية أو السفر لتأهيل لاعبيه محط الأنظار "احتكاكنا مش كتير خالص، بره بيلعبوا بطولة كل شهر تقريبا إحنا بنلعب مرتين في السنة غير بطولة العالم" يقول علي الدين إنهم عوضًا لذلك يعتمدون على متابعة نتائج المنافسين وأساليب لعبهم من مصر.

9

كان آخر معسكر خارجي شهده علي الدين عام 2016، حتى حينما جاءت الفرصة هذا العام لم ينالوها، يحكي ثالث العالم للشباب، أنه بعد انتهاء مسابقة إسبانيا، التي حققوا فيها نتائج مرضية، وكانت قبل أسبوعين من بطولة العالم، طالب المدربين الذهاب للبرتغال وتمضية فترة الاستعداد هناك حتى بدء الحدث كما فعلت كثير من الدول، لكن تم الرفض لضيق الميزانية وعاد المنتخب إلى مصر ثم سافروا مرة ثانية.

"روحنا البطولة حاسين بالنقص بس حطينا أمل أن الأولمبياد هي اللي تشهرنا وتخلي في اهتمام أكتر" كذلك وصف علي الدين حالهم قبل الذهاب إلى البرتغال، والذي خاب ظنهم بتغييره بعد رجعوهم إلى مصر وإنجازهم بين أيديهم. يتفق الرفاق الثلاثة أن ما لاقوه من تكريم لم يكن بالمستوى المطلوب، قاصدين من هذا الدعم بما ينعكس على تأهيلهم لحصد مزيد من البطولات وتكرار ما حدث.

10

لافتة في مكان التدريب، ومكافأة من اتحاد اللعبة، وحضور إفطار الأسرة المصرية في رمضان مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن دون الإشارة لوجودهم أو ما حققوه حسب قولهم، ذلك ما تلقوه من تكريم عقب عودتهم إلى مصر.

لا يأسى اللاعبون الثلاثة على واقع دعم رياضتهم، يوقنون أنهم اختاروا استكمال الطريق طواعية، رغم دخولهم صغارًا بالمصادفة ما بين 6 إلى 9 سنوات، فمنهم مَن جذبه قريبه لها ومَن وجد مهارته فيها بعد تجريب غيرها من الرياضات، ورغم ذلك يضعون نصب أعينهم أنه ربما يكونون سببًا في فتح الطريق، فيرى أحمد أن ما حققوه قد يكون حافزًا للمشاركين تحت 19 عامًا في البطولة ذاتها العام القادم.

11

يحلم مهند وعلي الدين بميدالية أوليمبية يحصدونها يومًا، ربما تكون طوكيو 2020 محطتها إن قدر لهما ذلك، ولا تغيب عنهما الرغبة في الدعم ليس "بالكلام على فيسبوك" أو تهنئة عابرة، بل بفرصة أفضل للتدريب، ومشاركة أكثر في البطولات الدولية "عشان نقدر نكمل على نفس المستوى لأن الناس عرفتك خلاص وهتكمل من بعدك وعايزة تبقى أفضل منك" كما يعبر علي الدين.

أما أحمد أسامة يواصل الاستعداد إلى أولمبياد 2018؛ فشارك في بطولة العالم للكبار مايو المنصرف، وجاء فيها بالمركز الـ14 رغم كونه أصغر اللاعبين سنًا، ثم حصد المركز الثاني في بطولة العالم للجامعات الشهر الجاري، بينما أمامه أسابيع قبل بطولة العالم للناشئين أول أغسطس المقبل، لينتظر بعدها تحديد ميعاد معسكر الإعداد لحلم الميدالية الأولمبية، لكن لا يعلم إلى الآن هل سيكون بالخارج أم داخلياً كالمعتاد.

فيديو قد يعجبك: