إعلان

من بكين إلى القاهرة.. رحلة أول صيني يحصل على الدكتوراه في اللغة العربية

05:53 م الأربعاء 25 أبريل 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

ذات يوم دراسي في الجامعة الإسلامية بالسعودية، أخذ إسماعيل مشورة أساتذته حول استكمال مشواره التعليمي، فاجتمعوا على قول "إن أردت أن تتعمق في اللغة العربية وآدابها عليك السفر إلى مصر والدراسة هناك وخاصة كلية دار العلوم".

لم يكذب طالب الجمهورية الصينية أو "هو زينغ بينغ" خبرًا، حدث نفسه "لابد من السفر عاجلاً أو آجلاً". مرت السنوات ولم يحقق إسماعيل قراره فقط، بل أصبح أول صيني يحصل من جامعة القاهرة على شهادات الدراسات العليا بمرحلتيهما الماجستير والدكتوراه.

في الثاني من إبريل الجاري، داخل قاعة دار العلوم، جامعة القاهرة، عُلق إعلان مناقشة رسالة الباحث الصيني، وعنوانها "تعدد رأي النحوي في المسألة الواحدة في القرنين السابع والثامن الهجريين-تحليل ونقد".

جلس الشاب الثلاثيني يعرض رسالته أمام لجنة المناقشة، المتضمنة أساتذة الكلية وغيرهم من المتخصصين باللغة العربية من كليات أخرى، وبعد علامات الدهشة التي علت الوجوه من إتقان الطالب غير العربي للمضمون المقدم، جاءت النتيجة بحصوله على درجة الامتياز مع التوصية بطباعة الرسالة على نفقة جامعة القاهرة، وتبادلها مع الجامعات الأخرى، كما حدث مع رسالة الماجستير.

1

"هو زينغ بينغ" أو إسماعيل كما يفضل مناداته، كما يفعل الصينيون المسلمون بمناداة بعضهم بأسمائهم العربية، فيما لا يتخلون عن الهوية الصينية في أوراقهم الرسمية. قضى الباحث سبع سنوات ونصف في مصر، لم يكن بباله منذ قدم عام 2010 سوى كيف يصبح سفيرًا بين الثقافتين الصينية والعربية كما يقول، ولا يبرح خياله قصة مَن اقتدى به منذ عشق اللغة العربية وقرر أن يكون أول مّن يتقنها في أسرته.

يحكي "هو زينغ بينغ" أنه في عام 1930 سافر أربعة شباب صينيين إلى مصر، درسوا في الأزهر، لكن أفضلهم كان شاب يُدعى محمد مكين، درس 4 سنوات بالتعليم الأزهري، والتحق بالدراسات العليا، ثم التحق بكلية دار العلوم 4 سنوات أخرى، ليعود بعدها إلى الصين ناقلاً خبرته لبلده، بالتدريس في جامعة بكين، وأسس قسم للغة العربية، وترك قبل وفاته 1976 ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الصينية، وقاموس صيني- عربي يصفه إسماعيل إنه المعجم الوحيد الأصلي في الصين.

"كل من يدرس العربية في الصين يعرف سيرة محمد مكين".. يقول إسماعيل إن المسلمين وغيرهم من الدارسين للغة العربية يفتخرون بهذا الرجل. بعربية سليمة متمهلة يتحدث "هو زينغ بينغ"، يرى أنه أفضل في الكتابة، لكنه لا يتردد في تصحيح مفردًا بآخر أدق، ورغم ذلك لا يجد نفسه متقنًا للغة العربية، بل ذلك أمنيته التي يجتهد لتحقيقها.

كان إسماعيل لمشرفه أحمد عبد الدايم، أستاذ النحو، والوكيل الأسبق لكلية دار العلوم، مثالاً للتميز، لاسيما أنه أول طالب أجنبي يشرف على رسالته، طوال مسيرته المهنية المتجاوزة ثلاثين عامًا. "لغته صافية ليس فيها انحراف ولا تأثر بالعامية" كذلك وجده أستاذ اللغة العربية مختلفًا عن رفاقه الناطقين بالعربية، وبحصوله على الدكتوراه يتمنى أن يصبح هو زينغ بينغ بمثابة رسولاً لكلية دار العلوم في الصين.

2

تشوق إسماعيل لإتقان العربية، منذ كان عمره 14 عامًا "درست فترة قصيرة في الصين، في معهد لتعليم اللغة العربية"، وبالمرحلة الجامعية تقدم إلى منحة لدراسة العربية في السعودية، والتحق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة "أحب العربية لأنني أولا مسلم أحب أن أدرس لكي أفهم الأمور الشرعية، وثانيًا تمنيت لعب دورا لتعزيز العلاقات الصينية العربية".

يعرف الباحث الصيني ما يريد، بداية من تفضيله الدراسة بدولة عربية وليس بلده، رغم تواجد أقسام لتعليم اللغة العربية "دراسة أي لغة الأفضل أن تكون من مركزها"، ثم تخليه عن الدراسة المجانية في السعودية والقدوم إلى مصر "كان لي 9 من أساتذتي مصريين هناك"، وأخيرًا التخصص.

دون فروع اللغة العربية، صمم هو زينغ بينغ على دراسة النحو والصرف "بالنسبة لأعجمي إذا أراد أن يدخل الثقافة العربية وإتقان اللغة، فإذا اتقن النحو استطاع أن يتعمق ويفهم فهو قواعد اللغة"، ولهذا جمع في مضامين أبحاثه بين الحسنيين بالنسبة له، النحو والجمع بين الثقافة العربية والصينية.

في عام 2014 حصل إسماعيل على درجة الماجستير، وضع هدفه إبراز التراث الصيني، فكان موضوع بحثه عن كتاب نحوي، ألفه عالم صيني يدعى الشيخ يوسف الغضين أبي نصر، وذلك قبل 200 عامًا كما يقول هو زينغ بينغ، ويوصف ذلك الرجل بـ"الرابع الشهود في الإسلام"، ويُقرر دراسة كتابه "متسق النحو" في جميع المعاهد والمدارس الإسلامية الصينية.

"لم أقرأ كتاب مثل هذا، لم أشعر أنه لعالم غير عربي. قبل 200 سنة شارك معنا عالم صيني في الكتابة عن اللغة العربية" كلمات محمد فاروق، أستاذ بكلية الآداب جامعة المنيا، وأحد المناقشين أشعرت إسماعيل أنه بلغ مراده في خطوته الأولى "كنت أريد إبراز التراث الصيني، شعرت بنوع من المسؤولية في نقله وإظهاره للعرب".

كذلك الدكتوراه جاءت مختلفة، استلهم الباحث الصيني مضمونها، بالعام الأول له في كلية دار العلوم، حينما أجاب على سؤال في إحدى المحاضرات، فرد المُحاضر أنه أصاب لكن قبل أن يغير عالم النحو المستند إليه رأيه في كتاب آخر له؛ دّون إسماعيل الملاحظة، حفظها في نفسه، وأخذ يبحث "هل يغير علماء النحو آراءهم؟". فكانت رسالة الدكتوراه عن دراسة ذلك في القرنين السابع والثامن الهجريين.

3

يبتسم الباحث الصيني بينما يحكي عن تعجب البعض من إنجازه لرسالة الدكتوراه في مدة قصيرة تقارب العامين والنصف، مفصحًا عن السبب "المادة العلمية قد جمعتها خلال سبع سنوات". لم يغادر هو زينغ بينغ مصر طيلة هذه السنوات سوى مرة واحدة، حتى أن زوجته وابنتيه على مشارف تعلم اللغة العربية.

حين وطئت قدما الباحث الصيني كليته في مصر، تهللت أساريره برؤية كلمات محمد عبده محفورة "إن باحثاً مدققاً إذا أراد أن يعرف أين تموت اللغة العربية وأين تحيا؟ وجدها تموت في كل مكان ووجدها تحيا في دار العلوم". احتفظ بصورة لها منذ 2012، وظلت نفسه تكمن فخرًا لانتسابه للغة العربية ومكانها في جامعة القاهرة، ساعيًا لتحقيق حلمه الجديد بعد إتمامه طموحه في مصر "أتمنى أن أصبح مدرسًا للغة العربية في الصين خاصة لغير الناطقين بالعربية".

4

فيديو قد يعجبك: