إعلان

في "ماراثون" إستاد القاهرة .. كيف تحدّت الأمهات الإعاقة مع أبنائهن؟

04:19 م الجمعة 07 ديسمبر 2018

ماراثون إستاد القاهرة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

تصوير-روجيه أنيس:

فجر اليوم، أيقظت حليمة عثمان ابنتها شيماء، ساعدتها لارتداء ملابسها. كانت ذات التسعة أعوام متحمسة، أذ أخبرتها الوالدة أنهما ستذهبان لإستاد القاهرة الدولي، حيث ستسيران مع آخرين لحوالي 2 كيلو متر، لم تعبأ الفتاة الفاقدة للسمع والنطق بطول المسافة، تحاملت على كتف حليمة التي تستغل كل فُرصة لإدخال السرور على قلب الصغيرة.

بوجود 500 مشارك، نظم صندوق الأمم المتحدة، اليوم، ماراثون لذوي الاحتياجات الخاصة داخل الاستاد الدولي، بالتعاون مع وزارة التضامن المصرية ووزارة الشباب والرياضة ومبادرة "كايرو رانرز"، وذلك إحياءً لليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة الذي يوافق الثالث من ديسمبر كل عام، وكذلك اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يحل في 10 ديسمبر الجاري.

1

في الثامنة صباحا استعد الحضور للماراثون. يبدو الإرهاق على حليمة، فيوم الجمعة هو الراحة الأسبوعية الوحيدة لها "بس مكنش ينفع نفوت حدث زي دة". عصب ولادتها، عانت شيماء من نقص الأوكسجين الواصل للمخ "دة خلى عندها تأخر ذهني ومش بتسمع ولا بتتكلم وبتمشي بصعوبة"، غير أن والدتها لم تفقد إيمانها أبدا "كان عندي أمل إنها هتبقى أحسن، ودة اللي حصل".

2

منذ أتمت الطفلة ست سنوات، تذهب معها حليمة للتدريبات الرياضية في نادي بمنطقة حلوان "جمباز وتنس طاولة وسلة.. مخليناش حاجة ملعبنهاش". تخصص الأم أغلب وقتها لها، لكنها لم تسلم من بعض المضايقات كذلك "ناس بيقولولي ليه بتنزلي وتطلعي بيها؟ إيه الفايدة وإيه لازمة التعب؟"، لا تهتم الأم بما تسمع، بل ترد ببطولات شيماء المتواترة "لما بيلاقوني منزلة ليها صورة ومعاها ميدالية بيستغربوا"، فيما يظهر التطور واضحا على جسد الصغير "بنتي أول ما وديتها النادي كانت يادوب بتمشي بالعافية على أطراف صوابعها.. دلوقتي بتمشي على رجليها عادي زينا".

3

لم يكن الماراثون مُخصص لمتحدي الإعاقة فقط؛ فالشق الأول منه كان للأسوياء بمسافة 8 كيلو مترات، بعضهم جاء للاندماج مع ذوي الاحتياجات الخاصة ودعمهم، كحال محمد زايد الطالب الماليزي الذي يدرس الشريعة بجامعة الأزهر "لم أتوقع حجم السعادة التي سأشعر بها اليوم"، يقول الشاب، مضيفا أن "الأنشطة التي شاركناها معهم لا تتوقف على المشي، فهناك التمارين الرياضية، واللوحة الكبيرة التي نكتب عليها انطباعاتنا، لا فرق اليوم بين شخص وآخر".

4

في إحدى ساحات الاستاد، كان صوت الموسيقى المرتفعة يُشعل حماس الموجودين، بعضهم اعتلى خشبة مسرح صغير ليؤدي حركات رياضية سريعة، فيما تسمّر ياسين صاحب الـ13 عاما أمام اللوحة البيضاء الكبيرة، فكّر لبرهة ماذا سيكتب، ثم خط بيديه "أنا حاولت ولسة بحاول وهقدر أكمل".

لم يكن يسيرا على ياسمين غمري، والدة ياسين، أن تلده مُصابا بشلل نصفي، احتاجت وقتا لتتعافى من الصدمة، ثم قررت أن تجعل حياته أفضل؛ علّمته ألا يخاف الإعاقة أو التجربة "لدرجة إنه بقت مشكلتي معاه إنه مبيخافش على نفسه من أي حاجة"، خاض الصغير رياضات كثيرة، واستقر على السباحة "لما وديته النادي أول يوم وهو عنده 7 سنين كنت بس عايزاه يخرج من البيت ويتحرك عشان ميحسش بنقص"، لم تتخيل وقتها أنه سيصل لتصفيات الجمهورية في السباحة، والآن كلما تراه "بحس إني عملت حاجة كويسة وإني على الأقل مش أم مقصرة مع ولادها"، في المقابل تتعلم السيدة من ابنها "بيصبرني على الزعل كتير وبيقويني.. وبيفكر ويخطط ويحلم لنفسه بحاجات كتيرة"، أهمها التحاقه بكلية الصيدلة "هو بيحب العلوم بس مدرك إنه ده المجال الوحيد اللي يقدر يشتغل فيه بظروفه".

5

2 كيلو متر هي المسافة التي قطعها متحدي الإعاقة رفقة والداتهم. كان المشاركون سعداء؛ حتى أولئك الأمهات اللاتي حملن حقائب أولادهن أو بذلن جهدا أكبر في العناية بهم؛ بينهن داليا كامل، والدة سلوى، إذ تبادلتا الحديث طوال الطريق، بينما تدفع الأم، المقعد المتحرك الذي يحمل ابنتها.

"بنتي رجلها راحت في حادثة من خمس سنين".. انقلبت حياة الأسرة رأسا على عقب، أصبحت سلوى ذات الـ13 عاما أكثر انطوائية، مرّ الوقت ثقيلا "بين عمليات ودكاترة ومستشفيات"، حتى قابلت الأم بالصدفة الكابتن خالد حسان، الذي تبنّى ابنتها "قاللي إنها هتتدرب سباحة وهتبقى كويسة، ساعتها افتكرته بيهزر بس دلوقتي سلوى بتخش بطولات وبتنافس".

6

هدف الماراثون لم يكن دمج متحدي الإعاقة مع الأسوياء فقط، بل لفت النظر لاحتياجاتهم من قبل الجهات والمؤسسات المعنية، حسبما تقول ندى نجا، المسئولة بصندوق الأمم المتحدة، مؤكدة أن تلك الخطوة قد تليها فعاليات أخرى شبيهة، خاصة بعد ردود الفعل "العظيمة" التي لمستها اليوم من قبل الأهالي.

7

بين السائرين، تأبطت نجلاء محمود ذراع صغيرتها سلمى خالد. التزمت ذات العشر سنوات الصمت، تمسكت بشدة بوالدتها، اعتراها الخوف قليلا من الازدحام. تُعاني الصغيرة من مرض التوحد ولا تستطيع التكلم أو الذهاب للمدرسة، إلا أن نجلاء تُركز معها "على الرياضة بجانب مهارات التعلم"، مازالت الأم في بداية الرحلة "بس الموضوع يستاهل نحاول عشان خاطرها".

8

أسفل مدخل ساحة التجمع، استقبل مجموعة من الشباب المشاركين أصحاب القدرات الخاصة الذين أنهوا المسافة بنجاح. تعالت أصواتهم بكلمة "عاش"، وصفقت أياديهم تشجيعا لهم. بعض الأمهات انتظرن مع المجموعة، استقبلت إحداهن وليدها بعناق طويل، بينما رفع بعض الواصلين أيديهم بسعادة لرد تحية المشجعين.

9

"نور عين ماما" هي الكلمة التي أخذت حنان أحمد تنادي بها ابنتها نورهان كي لا تبتعد عنها بين الزحام. تعتبر الأم الماراثون ومثيله من الفعاليات "فرصة ليهم يخرجوا أكتر يشوفوا الشارع واحنا كمان نتبسط"، فالطفلة المُصابة بتأخر ذهني تنطلق في الحفلات "واجتماعية جدا وبتحب الناس، عشان كدة مبحبش أحرمها من ده".

10

التحرك بطفلة مريضة صعبا، خاصة إذا كانت حنان تتنقل بمفردها، لكنها تمتن لوجود نورهان "هي حنينة عليا أوي وبسببها شفت حاجات جميلة"، تُعدد الأم الرحلات التي تذهبان فيها سويا تحت رعاية إحدى المؤسسات الخيرية "روحنا الهرم وحضرنا حفلة لمصطفى قمر وسافرنا واتبسطنا"، يكفيها سعادة ابنتها وتطورها، إذ تمارس لعبة القرص والإسكواش، غير أن ذلك أحيانا لا يكفي لوقف التنمّر ضد الصغيرة "ساعات تجاهل الناس ليها أو تعاملهم بشفقة بيجرح، ببقى عايزة أقولهم إنها عندها مهارات كتيرة وإنها شاطرة بس بطريقتها".

11

عند خط النهاية كانت هدير محمد تحمل شهادة تقدير، يُعطيها منسقو الأمم المتحدة للمشاركين بالماراثون. وقفت صاحبة الـ23 عاما تلتقط الصور رفقة والدتها صباح سعيد، وزعت الشابة ابتسامتها على الموجودين، أخبرتهم بفرحة عن إنجازاتها الرياضية "باخد ميدالية ذهبية وفضية في السباحة"، بينما يملأ الرضا عين الأم الخمسينية، التي غالبها التعب.

12

دائما ما أخذت صباح عهدا على نفسها أن تعتني بابنتها، كلما أبصرت السيدة هدير تتذكر أنها تركت فيها شيئا جيدا، تمتد آثاره أبعد من البطولات الرياضية "بقى عندها شجاعة تحكي مع الناس مع إنها مصابة بمتلازمة داون، وبقت بتعرف تعبر عن نفسها كويس"، ورغم أن الأم مازالت في مرحلة تعافي من مرض السرطان "بس إني أشوفها مبسوطة دة بيهون كل شيء".

فيديو قد يعجبك: