إعلان

"أرامل الروضة" يروين لـ"مصراوي" حكايات الموت وخراب الديار

04:05 م الأحد 26 نوفمبر 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

 

كتب – عبد الوهاب عليوة ومها صلاح الدين:

لم تعلم سما، الطفلة ذات الثمانية أعوام، التي كانت تلعب في حوش منزلها الصغير، المبني من الطوب الجيري، ما حدث لوالدها الذي استشهد مع العشرات من أبناء قريتها في مذبحة مسجد الروضة الجمعة الماضية. ردت على سؤالنا عنه قائلة: "بابا فى الشغل"، بينما كانت لأمها إجابة أخرى، قالت بحزن: "راح وكل حاجة راحت معه"، رافضة استكمال حديثها لـ"مصراوي" الذى أنهته بعبارة "ربنا يتولانا برحمته الواسعة، هو الوحيد اللي عالم بينا وبحالنا".

"أم سما" ليست الأرملة الوحيدة، فبين ليلة وضحاها زاد عدد الأرامل في الروضة التابعة لبئر العبد 200 أرملة، وفق تقديرات أولية للشيخ حسين محمد أحد كبار القرية، الذي قال: "هذا بخلاف الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن، ورب الأسرة الذي كان يعول شقيقته ووالدته".

كانت قرية الروضة بشمال سيناء فقدت 305 من أبنائها في هجوم غادر نفذه ما بين 25 و30 إرهابيًّا، خلال صلاة الجمعة الماضية. وخلّف الهجوم إلى جانب الشهداء والجرحى ضحايا من نوع آخر.

داخل بيوت صغيرة، لا يتجاوز ارتفاعها الطابق الواحد، شيدت من الطوب الجيري، يعيش السواد الأعظم من أهالي القرية ذات العادات والتقاليد البدوية، للوهلة الأولى تبدو معظم البيوت مهجورة.

في منزلها، جلست زوجة سليمان، التي باتت أرملة يوم الجمعة الماضي، تتذكر ما حدث صباح المذبحة: كان صباحًا عاديًّا، مثل كل جمعة، استيقظ زوجي في الثامنة، اغتسل وتوضأ ثم ارتدى حلة الصلاة، أكل لقيمات فطوره مع أبنائه الثلاثة على غير عجل، جلس يداعبهم كعادته... الأمور كانت طبيعية، لم يكن هناك ما يوحي بأي شيء غير معتاد على الأسرة، بعدها قبّل رأس أمه وتركنا للذهاب إلى الصلاة.

سليمان كان يعمل باليومية، ولم يكن له أي مصدر دخل ثابت "أرزقي.. أي حاجة تجيب فلوس علشان عياله كان بيشتغلها".. هذا ما قالته الزوجة العشرينية لـ"مصراوي" عن زوجها الذى أتم عامه السادس والعشرين الشهر الماضي. تمسح الزوجة دموعها بطرف طرحتها التي تخفي نصف وجهها، ترنو بنظرها تتأمل المكان من حولها، قبل أن تضيف: "إحنا عيشتنا كلها كانت في الغرفة دي، أنا وزوجي وأبنائي الثلاثة، ربنا يرحمه وينتقم من المجرمين اللى قتلوه"، تنظر الزوجة لطفلها الأصغر وتقول "أنا واثقة بأن ربنا مش هيسينا".

تقديرات: الحادث خلّف 200 أرملة.. وأم مصابة بالشلل فقدت ابنيها: "ربنا هو اللي بيرزق"

أصبحت الأسرة المكوّنة من الأم والزوجة والأبناء الثلاثة بلا مصدر رزق، فرب الأسرة (سليمان) كان يعمل في البناء وتقطيع الأشجار والنخيل، لكي يعود لأسرته بجنيهات تكفيهم حاجة السؤال كما تقول الزوجة، انقطعت هذه الجنيهات بعد أن رحل، ولم يعد للأسرة أي دخل آخر، "كنا مبسوطين على ريحة الشباب.. لما كان الرجالة بخير"، تقول الزوجة باندفاع وهي تحاول التماسك، ولكن دموعها تغلبها.

في منزل صغير شُيِّد من الخوص، يتكون من غرفة وحمام وصالة مكشوفة، بينما يكسو سقف الغرفة مشمع بلاستيكي لمنع مياه الأمطار، جلست نساء تتشحن بالسواد، أرملة وبنات "قادوس" الأخ الأكبر لسليمان.

"قادوس" كان في العقد الرابع من العمر، يعمل موظفا في شركة مصر للملاحات، خرج مع شقيقه في نفس الوقت، سمعت الأسرة إطلاق النيران الكثيف، توقف معه صوت خطبة الجمعة القادم من مكبرات الصوت الخاصة بالمسجد، أصاب الذعر النساء، حاولن تهدئة الأطفال، التزمن البيوت، كعادة نساء البدو، بينما أسرع إليهن ابنه الأكبر، الذي لم يتجاوز العقد الثاني من عمره ليختبئ داخل المنزل بعد أن كان في طريقه إلى المسجد.

نصف ساعة تمر، لم تكن الأسرة تعلم خلالها ما يحدث بالخارج، ظلوا يترقبون أية أخبار من العابرين أمام البيت. بعد أن انتهى صوت إطلاق النيران، ووصول قوات الجيش، خرج بعدها الابن ليستكشف ما حدث ويطمئن على والده وعمه، عاد بعد دقائق ليخبرهم بأنهم فارقوا الحياة.

رحل الأخوين، تترد أنباء بين الحين والآخر عن وفاة المصابين المتواجدين في ثلاثة مستشفيات "العريش وبئر العبد والإسماعيلية" بينما نقلت الحالات الخطرة إلى القاهرة.

تتناثر الروايات بين الأهالي عن جرائم التكفيريين، الخوف من تكرار محاولة الهجوم على القرية كما فعلوا قبل ذلك، هذا الهجوم هو الأبشع والأكثر دموية، لكنه ليس الأول أو الوحيد كما يروى الشيح حسين محمد أحد عواقل القرية.

تنظر الأم إلى أبنائها، تتفحص وجوه البنات، وتشير إلى ابنها الأكبر وتقول "قاعد في البيت لا بيشتغل ولا بيتعلم، بسبب الاشتباكات الدائرة منذ 4 سنوات بين قوات الجيش والتكفيريين، مش عارفين هنعيش إزاي".

تتمنى الأم أن يستطيع ابنها تحمل مسؤولية الأسرة بعد وفاة والده وعمه، تقول "أهم حاجة حاليا توفير ثمن العلاج لحماتي المصابة بالشلل، ولا تستطيع التحدث أو الشكوى من الألم". تشير حماتها بإيماءات لا نفهمها، تفسرها الزوجة بنبرة يملأها المرارة، "بتقول خليها على ربنا هو اللي بيرزق".

 

 

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان