إعلان

"من حالك أعذر أخوك"..عن ما فعلته الأسعار "بمَوّسم" المصريين

04:58 م السبت 14 يناير 2017

صورة من الانترنت

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-إشراق أحمد:

في اليوم السابق لحلول شهر رمضان، قبل نحو عامين، ذهبت إسراء الشرنوبي برفقة والدتها إلى السوق، الهدف كان محددًا كما أخبرتها الأم "نعمل سبت ونبعته لخالتك في المَوّسم". جولةُ عرفتها ابنة قرية كفر الحمّام، بطنطا، منذ الصغر، لكنها انقطت في ذلك التاريخ، لم ترَ من حينها "السَبَت" الخوص الذي يحتوي جميع المستلزمات، بدءً من كيس السكر إلى "الزفر" ويُرسل إلى الأقارب في المناسبات المتوالية على مدار العام.

خلاف العيدين، وشهر رمضان، اعتاد البعض تبادل التهنئة والزيارات المادية في ليلة النصف من شعبان، ليلة الإسراء والمعراج 27 رجب، وذكرى عاشوراء 10 محرم، والمولد النبوي 12 ربيع الأول.

قبل نحو أربعة أعوام توفى جديّ إسراء، قلت تجمعات العائلة شيئًا ما، لكن ظل تبادلهم للزيارات قائمًا، وإن صار يتقلص نوعًا ما كما قالت، ظنت الفتاة العشرينية أن وفاة الأجداد السبب وراء ذلك، حتى مجيء ذكرى المولد النبوي، قبل شهر، وهو إحدى المناسبات الست التي "يِمَوسم" فيها الأهل -كما وصفت، إذ مَر اليوم وما قبله على غير المعتاد؛ خلى المنزل من علب حلاوة المولد التي يحضرها والدها لأجل شقيقاته "زي ما متعود كل سنة" وكذلك لم تسمع من أبيها كلمات على غرار "مش شارين حلاوة عشان عمتك أو عمك هيجيب"، فقط مكالمات هاتفية للتهنئة تبادلها أفراد العائلة.

أثرت موجات ارتفاع الأسعار على مثل تلك العادات والأفعال، الداعمة لأواصر الاهتمام الأسري، والتي كان أهل القرى أكثر تمسكًا بها، صارت تتناسب ما يوصف بـ"الزيارات" عكسيًا والغلاء، حتى اضطر البعض للتوقف عنها، فيما لم يحتمل أخرون التخلي عما فعله الآباء والأجداد وقطع "قشة" الوصل، بينما صار التماس العذر، السبيل الوحيد لدى أخرين، أمام حرج أشقائهم من الرد على مكالماتهم التليفونية "لأن العين بصيرة والأيد قصيرة".

"السنة دي في تغير ملحوظ أوي مبقاش حد يروح لحد في المواسم زي الأول" قالت إسراء، التي جاءها السبب بأن "الغلا والأسعار بقت فوق الاحتمال" مشيرة إلى أن الأمر بات على نطاق واسع في قريتهم وليس فقط منزلهم، إذ تراجعت العادة إلى اقتصار آل المنزل على إعدادهم الطعام المتضمن للطيور أو اللحم.

وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أعلن مطلع الشهر الجاري أن معدل التضخم –تغير سعر السلع الإستهلاكية- بلغ 23.3% في شهر ديسمبر المنصرف، مشيرًا إلى أن هذا المعدل قياسيَا بعد نحو شهرين من التحرير الكامل لسعر الصرف "التعويم"، فيما كان أعلى معدل تضخم شهدته البلاد منذ ثمان سنوات في شهر أغسطس الماضي إذ بلغ 16.4% كما ذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC في 10 يناير الجاري.

طالما سخرت إسراء من عادة "المَوّسم"، تلك الكلمة التي تُنطق بفتح الميم وتشديد الواو، "حتى الصابون كانت ماما بتحطه وكنت أقول لها يعني هي خالتي معندهاش صابون"، تتعجب من إرسال الطيور "صاحية" دون ذبحها، فيما كانت ترد الأم عليها "إحنا اتعودنا على كده ومنقدرش نتغير"، ورغم ذلك شعرت بشيء من الحزن والافتقاد للعادة التي انقطعوا عنها، أدركت الفتاة ما فيها من غاية "الواحد كان بيبقى مستنى الود.. مستنى الحاجة دي مش عشان أن حد يجيب لكن عشان عمتي أو عمي كانوا بيجيوا ونتلم".

"المَنابات" الاسم الذي عَرف به حازم عبد الدايم تبادل الزيارات في المناسبات، لا ينكر صاحب سيارة الأجرة بمنطقة الرهاوي، القناطر الخيرية، أن ارتفاع الأسعار بات يضغط على المعيشة، حتى أن البعض دعا إلى وقف مثل تلك العادات؛ فقبل نحو شهرين، قامت الجماعة السلفية في "الرهاوي" بعقد مؤتمر، لدفع الأهالي إلى التخلي عن العادات والاكتفاء بالسؤال للتخفيف من الإعباء. حضر الشاب الثلاثيني المؤتمر، لكنه رفض الفكرة، رأى أنها ليست حال تقاليد المهور في الزواج التي قامت بعض القرى لإلغائها، بل يُترك الأمر لإمكانية الشخص دون أن يربطه عقد مجتمعي يحاسب عليه إن خالفه.

لم يستجب كثير من أهل قرية الرهاوي لدعوة مقاطعة عادة المواسم كما قال "عبد الدايم"، معتبرًا أنه كان من الممكن الاستجابة واتخاذها قرارًا "لو كان جه الكلام من ناس تانية غير السلفيين" حسب قوله، مشيرًا إلى أن "المنابات" المتضمنة لكيلو من اللحم، إلى جانب أشياء تموينية حال السكر والزيت والشاي، هي "صلة رحم" بالنسبة له، والإبقاء عليها حفاظ على الفطرة الإنسانية، لذلك يستميت "عبد الدايم" في استمرار تلك العادة مع شقيقاته الثلاث، موقنًا أن "اللي عند ربنا مبيضعش".

100 جنيه كانت كفيلة بتحضير ما يدخل به عادل عبد الستار على كل شقيقة من أخواته الخمسة، لكن ذلك قبل نحو عامين "كنت أجيب لفة سكر وشاي وفاكهة"، لكن اليوم يقول ابن الفيوم إنه ليس أقل من 300 جنيه يمكنها الإبقاء على العادة المتوارثة، لذلك لم يعد باستطاعة الرجل الوفاء بذلك.

لا يقتصر "الموسم" على المناسبات فقط، فالبعض اتخذ لها شكل مختلف: الشهرية. منذ 2007، حين أصاب المرض فؤاد عبد المطلب، تكفل به شقيقه العامل بإحدى المطابع في السعودية، خصص مبلغ شهري يعين أخيه ، عامل النقاشة، الذي أهمه مرض القلب وإجرائه عمليتين جراحتين، لكن قبل نحو 3 أشهر انقطعت عادة الأشقاء "الراجل كان بيبعت لي لكن دلوقت مبقاش ملاحق على عياله اللي منهم بيتجوز وفي جامعة وتاني في ثانوية عامة" قالها "عبد المطلب" متلمسًا شديد العذر لأخيه، فهو ليس عن الحال ببعيد "الناس اتسعرت في الشوارع من الأسعار.. النهاردة مفيش حد عنده فايض عشان يوديه لغيره".

سافر شقيق "عبد المطلب" إلى السعودية منذ عام 78 للعمل، وحين تزوج، أبقى على أسرته في مصر، آثر أن يغترب لتوفير معيشة كريمة في بلده كما حكى الرجل الستيني، مشيرًا أن تلك المرة الأولى التي يشكو فيها أخيه من الظروف الصعبة، وكذلك يمتنع عن إجابة اتصالاته "ليا أسبوع بكلمه ومبيردش وعارف أنه محرج يكلمني لأنه الوضع متغيرش.. بس أنا مش عايز غير أني أطمن عليه" قالها "عبد المطلب" متألمًا للحال الذي لم يعد يُفرق بين المقيم داخل البلاد وخارجها متمتمًا بكلمات يربط بها على قلبه "من حالك أعذر أخوك".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان