إعلان

تلسكوب وفيزياء وفلسفة وصحراء وصوت منير.. تعرف على "خلطة شنودة"

01:21 م الخميس 12 مارس 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- نيرة الشريف:
"تلسكوب..صحراء.. خيمة علي الطراز العربي علي شاطئ البحر الأحمر.. فناجين من القهوة العربي نضجت لتوها علي الفحم.. كتب كثيرة متراصة عن الفيزياء ونظرياتها.. وكتب أخرى تتحدث عن الفضاء والكون والمجرات..وفي الخلفية أغاني محمد منير لا تهدأ ولا تتوقف أبدا." ربما لا يوجد أي رابط بين الكلمات السابقة، مهما أجهدت نفسك في وضعهم علي استقامة واحدة سواء بالطول أو بالعرض، وحاولت ربطهم في سياق واحد أو الخروج منهم بمعني مفهوم، فالرابط الوحيد الذي يجمعهم ويصنع منهم معني هو أن تكون قد تعرفت علي "شنودة".

شنودة روماني زخاري.. هذا هو اسمه..شاب ليس بفارع الطول ولا عريض المنكبين، هزيل البنية، يراقب الصحراء والسماء من وراء نظارته الطبية،، هذا تحديدا هو "شنودة"، هنا جنوب الجنوب، حيث جنوب محافظة أسوان، وتحديدا علي شاطئ احدي القرى السياحية بمرسي علم، هاهنا ألقت "الريح" بشنودة، أقام خيمة علي الطراز العربي تصنع القهوة ومشروبات أخري علي الفحم لنزلاء القرية ومرتادي الشاطئ، البحر عن شمالك.. السماء فوقك.. حولك صحراء.. ولا شيء أخر، هنا يعيش شنودة واصلا ليله بنهاره، مقيما إقامة كاملة، "أنت ما بتخافش من العفاريت يا شنودة لما بتبات هنا لوحدك؟" هكذا يمزح معه أحد أفراد أمن القرية المكلف بحماية الشاطئ، سنوات شنودة الثماني والعشرين كانت كفيلة أن تعلمه ببساطة إن "ما عفريت إلا البني آدم.. والرب حارس" هكذا يرد علي من حوله.

في الحياة.. يُمكنك طوال الوقت أن تجد لنفسك "معني" يدفعك للاستمرار، حتى لو كانت يد الواقع تطمس حولك كل بارقة أمل وتطفئ بقسوة كل نقطة بيضاء تلوح لك علي مسافة، حتى لو كانت كل معطيات حياتك تقول أن الأسوأ علي الإطلاق قد كان من نصيبك وحدك، يمكنك أن تتخلي عن الحلم والطموح، عن الأمس والغد علي حد سواء، وتختار أن يكون المعني هو أن يسير "اليوم" فقط كما ينبغي، وتقوم ببذل كل طاقتك وأقصي جهدك لكي تكون "إنسانا" جيدا لمدة "يوم" آخر فحسب، هكذا اختار "شنودة".

درس شنودة الفلسفة في كلية الآداب جامعة جنوب الوادي، ظل لمدة أربعة أعوام يقطع طريقا طويلا بين مكان سكنه بأحدي قري محافظة قنا ومقر جامعته "تقريبا كان سفر.. وماحبيتش أدخل مدينة جامعية ولا استقر في سكن جماعي."، صعوبة المشوار وعناء الطريق طوال أربعة سنوات لم يمنعه من تكرار التجربة مرة أخري، ولمدة أربع سنوات أخري، حيث التحق بكلية التربية قسم الفيزياء في الجامعة ذاتها، "أنا دماغي في الفيزياء والفلسفة من وأنا صغير، ربنا ساعدني أدرس الفلسفة في تعليمي الأساسي، ودرست الفيزياء بعدها برغبتي، أزاي ما نفهمش فيزياء؟؟ والكون كله حوالينا فيزياء، والهوا اللي بنتنفسه والمياه اللي بنشربها فيزياء، أزاي نقضي عمرنا مش فاهمين؟؟" تلمع عيني شنودة وهو يتحدث عن الفيزياء كأنها معشوقته التي قضي معها سنوات طويلة حتى صارت جزءا منه وصار جزءا منها، هو يعرف دقائقها، يعرف كيف يتحدث عنها ويصفها، يعرف كيف ينقل حبها لمن يحدثه عنها، وفي الركن الخلفي من خيمته تجد أكوام الكتب المتراصة التي تتحدث عن الفيزياء والفضاء والكون، واسطوانات أغاني محمد منير لا تكف ليلا ولا نهارا "هو اللي يسمع الكينج ويحبه ممكن يسمع غيره؟!" هكذا يؤنس شنودة لياليه الطويلة الباردة.

ليست الفيزياء هي فتنة شنودة الوحيدة، بل ظل لفترة طويلة مفتون أيضا بحركة الكواكب والأجرام السماوية من حولنا "ينفع تختار حاجة بتحبها وتعيش عشانها وليها..وتعرف أزاي تستمتع بتعلقك بيها.. محدش فاهم إننا موجودين عشان نعرف ونحب ونتعلق بحاجات..مش مهم إمبارح حصل أيه، ولا مهم بكرة هيحصل أيه." هكذا يقول شنودة معللا شرائه تلسكوبا يصل ثمنه إلي نحو 17 ألف جنيها رغم قلة دخله "حوشت ثمنه في 3 سنين، كنت بشيل من فلوس أكلي ومرواحي لأهلي في قنا عشان أجيبه، ولما جبته ماقدرتش استمتع بيه في المكان اللي قاعد فيه، عشان قريب مننا منطقة عسكرية، وممكن يفتكروني بعمل مصيبة."

أقنع شنودة أسرته أن التلسكوب ثمنه قليل جدا "لو عرفوا ثمنه الحقيقي كانوا قتلوني!" لكنه لم يكن أمامه مفر من أن يحفظ كنزه العزيز في بيت عائلته "واديني بستخدمه علي سطح بيت العائلة لما بنزل أجازة، المهم إنه ملكي وبس."

الخطوط العريضة التي ترسم واقع حياة شنودة كانت خطوطا بائسة أكثر مما ينبغي، فكان يعمل موظفا في شركة يمتلك رأس مالها أبوه وأخوه بأجر شهري 400 جنيها، كان علي شنودة أن يختار أن يذهب ليعمل بعيدا عنهما ف"الشجار مع الغريب علي الأجر أهون من الشجار مع القريب" هكذا كان منطقه، ذهب ليشق طريقه في مجال السياحة، إلي أن وصل به المطاف لهذه الخيمة بمرسي علم، "طلبت من إدارة القرية تأجر لي قطعة أرض علي الشاطئ أعمل عليها الخيمة، وفعلا أجروها لي ب 3000 جنيها، وبدفع مياه وكهرباء حوالي 2500 جنيها، يعني مصروفات الخيمة دي بتوصل ل 6000 في الشهر غير المشروبات اللي بجيبها، صافي ربحي في الشهر ممكن يبقي ألفين ولا ثلاثة، وفي شهور بتبقي الدنيا هادية بضطر أحط فلوس من جيبي، هذا بخلاف شجارات العمل الدائمة مع إدارة القرية." هكذا يروي شنودة ظروف عمله وما يحتمله.

لا يفكر شنودة في الارتباط أبدا "أنا ببات في الصحراء علي الأرض في عز الشتاء.. ارتباط أيه؟؟ " هكذا يتساءل، أحبّ فتاة من بلدته لكن ظروفه المادية حالت بينه وبين الارتباط بها، قرر بعدها أن يصرف قلبه عن الارتباط الصعب المنال، ويشغله بالتعلق بالفيزياء والكواكب والنجوم واالفلسفة والتلسكوب، فلم يعدم سبيلا لحب الحياة رغم نومه علي الأرض بلا سرير في الصحراء.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان