إعلان

أطولها 8 سنوات.. متى تعطلت الملاحة في قناة السويس وأصابت تجارة العالم بالشلل؟ - رصد تاريخي

03:44 م الإثنين 08 أغسطس 2022

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

السويس - حسام الدين أحمد:

لم يؤثر عمل بشري في العلاقات السياسية والدولية بالقدر الذي فعله حفر قناة السويس، بسبب موقعها الاستراتيجي، إذ عززت القناة مكانة مصر إلى قلب العالم وجعلتها بؤرة الخريطة العالمية، لتقدم مصر للعالم هدية حفر القناة الجديدة التي تمر ذكراها هذه الأيام.

كانت وما تزال القناة جزءا من قلب العالم النابض لذلك عند توقف الملاحة وتعطل مرور السفن يصاب العالم بالشلل، ويضرب الركود التجارة وتتصدع أعمدة الاقتصاد، مثلما حدث مع التوقف الأخير الذي استمر 6 أيام عقب جنوح السفينة التجارية العملاقة أيفر جيفين في نهاية مارس العام الماضي.

ليست الأطول

كانت التوقف الذي خلفه جنوح "إيفر جيفين" مدة زمنية طويلة في عيون من لم يقرأ ولم يشهد حرب الأيام الستة ومن قبلها العدوان، لكن أذهان آبائهم وأجدادهم تتذكر جيدا أحداث توقفت خلالها الملاحة أيام بسبب العوامل الجوية، وأسابيع نتيجة لحوادث بحرية، وشهور بسبب الحرب، وسنوات عقب نكبة يونيو 1967 وهي الإغلاق الأطول إذ أصاب الشلل المجرى الملاحي مدة 8 سنوات وخلف وراءه ما اسماه العالم بـ "مجتمع البحيرات المرة" كان قوامه 14 سفينة بأطقمها ظلت محتجزة بالبحيرات المرة حتى 30 مايو 1974.

منذ تحررت قناة السويس بعد قرار الرئيس جمال عبدالناصر بالتأميم وهي أصبحت حرة مستقلة تحت السيادة المصرية ولم تغلق القناة أو تمنع عبور سفن بسبب أعلامها أو جنسيتها، في السطور القادمة نستعرض تاريخيا غلق قناة السويس منذ افتتاح القناة في 1869 وحتى حرب أكتوبر 1973.

احتلال وحوادث بحرية

كان التوقف الأول للقناة، بعد افتتاح القناة بـ 13 عاما، خلال الغزو البريطاني لمصر، ويقول الكاتب الصحفي عبده مباشر شيخ المحررين العسكريين في كتابه "قناة السويس ..المشروع والصراع"، إن قناة السويس توقفت المرة الأولى 3 أيام عام 1882، بعد نجاح القوات الإنجليزية في هزيمة الجيش المصري.

كانت المرة الثانية في 10 يونيو 1885 حين اصطدمت الكراكة رقم 16 التابعة للقناة بالسفينة "كوماس ملثيل" ونتج عن التصادم غرق الكراكة وتوقف الملاحة 11 يوما.

مفرقعات "جاتام"

استمرت الملاحة في القناة دون أية مشكلات مدة 20 عاما، حتى 2 سبتمبر 1905 ويقول الكاتب الصحفي عبده مباشر إن ذلك اليوم شهد تصادم السفينة "جاتام" بالسفينة "كلان كينج" عند الكيلو 18 ترقيم القناة، كانت جاتام ضمن قافلة الشمال متجهة جنوبا، بحمولة 2200 طن، تحمل 80 طنا من المفرقعات وقوالب الزهر وفحم الكوك وسوير فوسفات.

اشتعلت النيران في السفينة الأولى عقب الاصطدام، واضطر طاقمها للفرار في قوارب النجاة لعلمهم بخطورة حمولتها، وغرقت السفينة بتلك الحمولة في المجرى الملاحي للقناة، وتسبب الحادث في توقف الملاحة في القناة مدة 10 أيام، وفي 28 سبتمبر جرى تفجير المفرقعات التي تحملها السفينة الغارقة حتى لا شكل خطرا على الملاحة مستقبلا.

بعد ذلك الحادث بـ 3 سنوات توقفت في فبراير 1908 انحرفت مقدمة السفينة "فليلول" واصطدمت بمؤخرة الكراكة رقم 19 التابعة لإدارة القناة، غرقت الكراكة، ولم يؤثر الحادث على الملاحة بحسب ما ذكر عبده مباشر.

الأتراك والقناة

توقفت الملاحة في القناة 3 فبراير 1915 في غضون الحرب العالمية الأولى، إذ اشتبكت القطع البحرية والقوات المكلفة بتأمين المجرى الملاحي مع قوات الجيش التركي والتي ضمت 1600 جندي، واجهضت قوات التأمين محاولة الاتراك لاقتحام القناة والسيطرة عليها.

وأسفرت المعركة عن غرق عدة سفن في منطقة الانتظار بالمدخل الشمالي عند بورسعيد، نتيجة قصف الغواصات التركية، ولم يلحق بالمجرى الملاحي أية اضرار.

غارات الألمان

يروي عبده مباشر في كتابه أن القوات الجوية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية شنت 64 غارة جوية في الفترة من 28 أغسطس 1940 وحتى 1942.

استهدفن تلك الغارات القوات البريطانية في القناة، وإيقاف الملاحة، لمنع وصول الامدادات والمؤن من المستعمرات البريطانية في الهند وجنوب شرق آسيا.

تسبب ذلك في غرق 6 سفن ووحدات بحرية لحقت بها إصابات مدمرة إثر القصف الألماني، كما غرقت وحدات أخرى في بوغازي السويس وبورسعيد، ورغم ذلك لم تؤثر تلك الوحدات الغارقة على حركة الملاحة.

تطهير بعد الحرب

لم توقف قذائف دول المحور في الحرب العالمية الثانية حركة الملاحة في القناة رغم السفن والقطع البحرية التي استقرت في قاع القناة ومنطقة الانتظار شمالا وجنوبا، لكن ضمانا لسلامة الملاحة أجريت أعمال تطهير واسعة للتأكد من نظافة المجرى الملاحي استغرق ذلك 76 يوما توقف فيها عبور السفن.

أغرقت عمدا

كان عام 1956 بداية لمرحلة جديدة في قناة السويس، قرار الرئيس جمال عبدالناصر بالتأميم ونقل الإدارة إلى المصريين وسحب السيطرة على القناة من دول كانت منتصرة قبل بضع سنين في الحرب العالمية الثانية، لم يكن سهلا عليهم، وشنت إنجلترا وفرنسا وإسرائيل حربا اسميناها العدوان الثلاثي جعلت من خط القناة شرقا وغربا هدفا لطائراتها ومدافعها.

خلال معارك العدوان الثلاثي التي بدأت 29 أكتوبر تعرضت القناة لأضرار شديدة، وحرصا على منع دخول غواصات القوات المعادية للقناة أغرقت الإدارة المصرية عدة قطع بحرية في المدخل الجنوبي والشمالي للقناة من بينهما السفينتين النيل عند السويس جنوبا وسوريا في بورسعيد شمالا.

165 يوما

يذكر عبده مباشر أن 48 عائمة كبيرة ما بين سفينة وقاطرة وقطع بحرية غرقت أو أغرقت عمدا بالمجرى الملاحي، كما أصيب كوبري الفردان و15 وحدة صغيرة من وحدات القناة.

نتيجة لذلك توقفت الملاحة بالقناة 165 يوما، ولم تعد الملاحة إلا بعد التطهير ورفع العائمات والقطع والسفن الغارقة.

في 9 ابريل 1957 أعلنت الإدارة المصرية لقناة السويس_ قبل انشاء هيئة مستقلة لها_انتهاء اعمال التطهير وعادت الملاحة مرة أخرى صباح اليوم التالي.

15 سفينة

كانت حركة الملاحة تسير بشكل طبيعي في القناة حتى صباح 5 يونيو، كان التوتر بين الجانبين المصري والإسرائيلي بلغ أقصاه، لكن تأكيدات ورسالة طمأنة من الجانب المصري أكد أن القناة لن تغلق في وجه السفن التجارية او سفن الركاب وناقلات النفط.

عبرت السفن صباح ذلك اليوم، حتى وصلت منطقة البحيرات المرة، أكبر بحيرة في القناة بعرض 10 كيلو متر، هنا تنتظر السفن دورها التبادلي في العبور، وإذ بأطقم السفن يسمعون أزيز الطائرات قبل أن يرونها تعبر فوق رؤوسهم بمستوى منخفض قادمة من الشرق، تضرب بعمق سيناء وتسقط قذائفها على المطارات غرب القناة.

الأولوية لسفن الركاب

كان الموقف مربكا ومفاجئا، ورغم ذلك نجحت إدارة قناة السويس في احتواء الموقف داخل المجرى الملاحي، كانت الأولوية لعبور سفن الركاب، حمولتها من البشر بالتأكيد أغلى من البضائع، تبعها ناقلات النفط تلك السفن التي يمكن أن تتحول لقنابل وكرة لهب ضخمة تأكل ما حولها في البر والبحر إذا أصابتها قذيفة.

خرج الركاب والبترول بسلام، وبقيت 15 سفينة تجارية أغلبها يحمل بضائع، 14 سفينة كانت بالبحيرة المرة الكبرى ترفع أعلام 8 دول وتحمل جنسيات مختلفة، ضمت اطقمها 250 فرد بين قباطين ومهندسين ملاحة وبحارة وفنيين وعمال، بينما كانت السفينة الأخيرة في بحيرة التمساح كان على متنها قبطان مساعده فقط.

3 معارك وحروب

لم تضع الحرب أوزارها إلا بعد 8 سنوات، جرت خلالها احداث كثيرة غيرت في أطقم السفن، أو بالأحرى "مجتمع البحيرات المرة" ففي أكتوبر 1967 سمحت القوات المصرية بإجراء تبادل بين الأطقم المتواجدين منذ 5 يونيو وأخرين حضروا من بلادهم في أوروبا، واستمر ذلك التبادل كل 6 أشهر، وكان ملاك السفن أكثر حرصا عليهم لضمان سلامة الماكينات والمحركات والبضائع على متنها.

وبسبب طول المدة التي قضتها السفن في منطقة البحيرة المرة، التي تقع جغرافيا في منطقة صحراوية تغير لون السفن وسطحها إذ خضبتها رمال الصحراء باللون الأصفر، لذلك أطلق البحارة على متن سفنهم اسم "الجمهورية الصفراء" اختاروا لها علم وطابع بريد للمراسلات وجعلوا لتلك السفن والأطقم عليها هوية مستقلة بعض النظر عن اعلام الدول التي أكلتها الشمس ومزقتها الرياح أعلى الصاري.

كان مقدرا على أطقم السفن المتعاقبة أن يشهدوا بشكل مباشر وبتغطية حيه، حرب 5 يونيو ومعارك الاستنزاف، ثم قذائف المدفعية وعبور الجيش المصري في اليوم السابع المتمم لما حدث في 1967.

مجتمع البحيرة المرة

يقول الدكتور محمد التهامي الباحث بجامعة قناة السويس إن كتب ونظريات عديدة اهتمت بمجتمع البحيرة المرة وتبنت منهج وفكرة التعايش بين أشخاص من جنسيات مختلفة تجمعهم حياة مشتركة، كما حدث في البحيرة وأن الإنسان بالفطرة لديه رغبة في التعايش والحياة بعيدا عن الحروب والصراعات.

وتابع الدكتور التهامي في تصريحات لـ "مصراوي" أن الأطقم على السفن تناسوا تلك الإعلام والجنسيات، ووضعوا علم يمثل رمز للأسطول الاصفر، وبعد موافقة الإدارة المصرية مع بداية فترة بقائهم اختاروا سفينة لتكون كنيسة لأداء الصلاة وثانية للاجتماعات وثالثة جعلوا سطحها ملعب كرة قدم، كما اقاموا دورة مصغرة للألعاب الأولمبية على غرار دورة الألعاب 1968 التي أقيمت بالمكسيك.

وأشار إلى أن الاطقم كانوا إذا وقع مكروه أو دمار نتيجة للحرب الباردة في دولة بعينها وعلموا ما بها عبر الراديو، يتجه قبطان كل سفينة ومعه طاقمها لجيرانه على السفينة التي ترفع علم تلك الدولة المنكوبة لمواساتهم والتخفيف عنهم ما دعم الألفة ونمى شعور الأخوة بينهم.

السفن الألمانية تبحر

ويوضح التهامي أن أعمال صيانة واسعة جرت لمحركات السفن الموجودة، كان عددها 13 سفينة، إذ أصيبت سفينة أمريكية من قصف العدو خلال الحرب.

إلا أن أغلب السفن تأثرت بعامل الزمن، وتعطلت عن العمل فجرى قطرها بواسطة قاطرات هيئة قناة السويس لإخراجها من البحيرات، باستثناء السفينتين "مونستيرلاند" و"نوردويند" الالمانيتين فالماكينات كانت تحظى باهتمام أكثر طوال سنوات الرسو في البحيرات، وتمكن طاقم السفينتين من الإبحار بهما شمالا والوصول إلى ميناء هامبورغ وجرى استقبالهم في احتفال رسمي وشعبي بعد العودة من أطول رحلة بحرية منذ الحرب العالمية الثانية.

يؤكد الدكتور التهامي، أن توقف المجرى الملاحي ومرافق قناة السويس يعتبر جريمة العصر كما اسماها المهندس مشهور أحمد مشهور رئيس هيئة قناة السويس أبان العدوان، جريمة ارتكبتها إسرائيل في حق العالم كله، على مدى تاريخ قناة السويس لم تمر عليها أصعب من تلك الأيام، حيث كانت المدة الأطول لإغلاق القناة، فأدرك العالم أهمية قناة السويس، وتغير العالم من حولنا.

رأس الرجاء الصالح

واستطرد أن استمرار غلق القناة 8 سنوات أدى إلى ظهور السفن الضخمة التي تجوب طريق رأس الرجاء الصالح وكساد أسواق وانتعاش أسواق أخرى وكل شيء تغير عندما أغلقت قناة السويس ولم يعد العالم كما كان من قبل.

وتابع أن قناة السويس بدأت في 1967 تعيش أكبر كارثة في تاريخها بعد ان أصبحت القناة مسرحا للحرب بين مصر وإسرائيل، وواجهت الإدارة المصرية هذه المحنة بشجاعة وصمود، إلا ان ذلك أدى إلى انهيار متواصل للتجارة العالمية، فتوقف الملاحة جعل النفط القادم من أفريقيا لن يتجه إلى دول آسيا عبر قناة السويس وإنما يتوجه إلى أوروبا عبر موانئ المتوسط ولذلك كان تأثير اغلاق القناة أسوأ بكثير مما حدث المرات السابقة

المدمرة 6 أكتوبر

بعد انتهاء الحرب بشهور، بدأت اعمال التطهير في ابريل 1974 واستمرت حتى نهاية ديسمبر من نفس العام، عقب ذلك استعانت مصر بفرق التطهير الأمريكية والانجليزية والفرنسية في مارس 1975، وانتشلت تلك الفرق 35 جسم متفجر ومجموعة من الألغام و3 طائرات و3 سفن تحمل متفجرات كانت غارقة في القناة.

في 30 مايو 1970 حرجت أخر السفن التي لت 8 سنوات متوقفة بالبحيرات، وعقب ذلك جرى فتح قناة السويس امام الملاحة مجددا في احتفال رسمي وشعبي ضخم، شهده الرئيس النور السادات على متن المدمرة 6 أكتوبر والتي بدأ بها أول رحلة بحرية في القناة بعد فتحها، مضت القافلة كاسحتي ألغام ثم المدمرة التي استقلها الرئيس ثم يخت الحرية وسفينة من الأسطول الأمريكي السادس والتي شاركت في عمليات التطهير.

فيديو قد يعجبك: