إعلان

11 سبتمبر 2001..يوم انقسم فيه التاريخ إلى ما قبل وما بعد

11:40 ص الجمعة 10 سبتمبر 2021

هجمات 11 سبتمبر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

برلين- (د ب أ):

لا يزال جيرهارد ريشتر يتذكر أحداث 11 سبتمبر 2001 بشكل واضح حتى الآن. في ذلك اليوم كان على متن طائرة من دوسلدورف إلى نيويورك، ثم تم تحويل مسار الطائرة إلى هاليفاكس (كندا)، حيث نام الرسام الألماني المشهور عالميا على أريكة في صالة ألعاب رياضية.

يتذكر الرجل البالغ من العمر 89 عاما خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) قائلا: "كان هناك الكثير من الناس... كانت الأجواء متوترة"، مضيفا أنهم لم يكونوا على علم بما جرى عندما كانوا على متن الطائرة، إلا أن الأمور اتضحت تدريجيا في هاليفاكس. يقول ريشتر إنه لم يشعر بالخوف، لكنه لم يشعر أيضا بأنه محظوظ. وقام فيما بعد بزيارة منطقة "جراوند زيرو"، موقع الهجمات في مانهاتن، وقال: "لقد صدمت عندما رأيت ذلك"، موضحا في المقابل أن ردة فعله لم يكن سببها صنيع الإرهابيين، بل لأنه "طفل الحرب"، في إشارة إلى معاصرته الحرب العالمية الثانية عندما كان طفلا.

الكثير من الناس يتذكرون حتى اليوم أين كانوا في يوم 11 سبتمبر 2001، حتى لو لم يكونوا مثل ريشتر على متن رحلة إلى موقع الهجمات، التي تغيرت الحياة بعدها كثيرا على نحو أمتد أثره للحياة اليومية - حتى يومنا هذا. على سبيل المثال عند القيام بعطلة، عليك أن تكون في المطار قبل ساعات من موعد المغادرة، ويجب أن تتخلص من جميع زجاجات المياه التي بحوذتك، وتخلع حزامك وحذاءك إذا لزم الأمر. قبل الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن ذلك واردا.

لكن التأثير يذهب مداه إلى ما هو أعمق بكثير. فقد أدت الهجمات إلى "صدمة عميقة مستمرة حتى يومنا هذا وتسببت في شيء أشبه بالصدمة الجماعية"، كما يحلل الباحث في أمراض الإجهاد في برلين، مازدا عدلي. الإصابة بصدمة طويلة المدى لا تتطلب بالضرورة أن يكون المرء قد مر بالحدث شخصيا، حيث يمكن أن يصبح الاتصال الوسيط أيضا كافيا. ومع ذلك يجب أن يكون هذا الحدث قد مس أشخاصا يعتقد المصاب بالصدمة أنهم مشابهون له. يقول شتيفان فايدنر، مؤلف الكتاب المنشور مؤخرا بعنوان "جراوند زيرو: 9/11 وولادة الحاضر": "لو (الحادث قد طال) أحد الأبراج الشاهقة في كينيا، لكنا تأثرنا أيضا، لكن ما كنا عانينا إلى هذا الحد".

كان برجا مركز التجارة العالمي مكانا شعر العديد من الألمان بالارتباط به. كانت زيارة منصة المراقبة للبرج الجنوبي الذي يبلغ ارتفاعه 415 مترا أمرا حتميا تقريبا عند القيام برحلة إلى نيويورك. ولكن حتى أولئك الذين لم يزوروا مانهاتن أبدا اعتقدوا أنهم يعرفون المكان لأنه كان حاضرا باستمرار في الأفلام. هذا القرب المتصور يعني أنه عندما تم تدمير البرجين، حتى على بعد آلاف الكيلومترات، كان المرء يفكر بشكل لا إرادي: "يمكن أن يحدث هذا لي أيضا".

ساهم الطابع الحي للهجمات بشكل كبير في هذه الصدمة. يصف فايدنر 11 سبتمبر بأنه أول حدث تاريخي عالمي يتم بثه حول العالم في الوقت الفعلي. فقد أمكن نقل الصورة حية بعدما استغرق الإرهابيون نحو 17 دقيقة في توجيه الطائرة الثانية إلى البرج الجنوبي في تمام الساعة 03ر9 صباحا بالتوقيت المحلي - بعد تحطم الطائرة الأولى في البرج الشمالي. كان الجمهور العالمي يشاهد بالفعل الاصطدام الثاني. يرصد فايدنر الآن نفس صدمة الشعور بالتواجد التصوري في مسرح الأحداث لدى العديد من الأفغان الذين يعيشون في الخارج لكنهم يتابعون الأحداث الصادمة في مطار كابول عبر وسائل الإعلام.

كان الحادي عشر من سبتمبر حدثا مزعجا للغاية لأنه طمس إلى الأبد الخطوط الفاصلة بين الخيال والواقع. جعلت هوليوود مانهاتن مسرحا للكوارث مرارا وتكرارا منذ فيلم "كينج كونج" عام 1933، وصارت صورة المدينة مرتبطة بهذه المشاهد السينمائية في أذهان المتفرجين في جميع أنحاء العالم. وفي عام 1996 دمر المخرج الألماني، رولاند إمريش، مانهاتن، بما في ذلك البرجين التوأمين، في أحد أعظم الأفلام في تاريخ السينما "يوم الاستقلال". بعد خمس سنوات، أصبح سيناريو الرعب هذا حقيقة وأكثر تأثيرا من أي خيال تم تجسيده في عالم السينما.

وبالنظر إلى الوراء 20 عاما، يتضح أن الهجمات ليست فصلا مغلقا في التاريخ، ولكنها مستمرة في التأثير حتى اليوم، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضا في الوعي الجمعي للبشر. يمكن تلخيص الشعور الذي ترسخ في ذلك الوقت على النحو التالي: "عندما يصبح شيء بعيد الاحتمال ممكنا، فعليك أن تتوقع أي شيء في المستقبل". انعدام اليقين الذي تلى هذه الأحداث كان وقعه أكثر وضوحا، بعد أن كانت تسعينيات القرن الماضي تتسم بالتفاؤل. بعد سقوط جدار برلين، تحدث البعض عن "نهاية التاريخ": لقد انتصر الغرب - ومعه الديمقراطية والعولمة.

لقد دمرت أحداث 11 سبتمبر تلك الثقة بضربة واحدة. يقول عدلي: "إنه شعور العيش في عالم لا يمكنك الاعتماد عليه. هذا الشعور ولد في ذلك الوقت بين أجيال اليوم، ويتم تأكيده مرارا وتكرارا منذ ذلك الحين عبر كوارث عالمية أخرى". بالنسبة لكثيرين، يشمل ذلك أيضا انتخاب الرئيس الشعبوي دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، والتغير المفاجئ في المناخ وجائحة كورونا.

يرصد عدلي أيضا ذلك باعتباره طبيبا نفسيا، حيث يقول: "يأتي المزيد والمزيد من الناس للتحدث إلينا ويشعرون بأنهم تحت رحمة مستقبل غير مؤكد". يرى فايدنر في مكافحة كورونا العديد من أوجه التشابه مع "الحرب على الإرهاب"، حيث يقول: "في كلتا الحالتين، كان يُعتقد أن إغلاق الحدود يمكن أن يبقي الخطر بعيدا. وفي كلتا الحالتين تم تقييد الحريات المدنية بشدة".

لقد غيرت الهجمات بشكل دائم المواقف تجاه المسلمين. يقول العالم في الدراسات الإسلامية فايدنر: "زاد الخوف من الآخر، وبشكل ملحوظ من الغريب... ما زلت أتذكر أنه بعد هجمات مدريد في عام 2004، على سبيل المثال، كان هناك شعور دائم بعدم الارتياح إلى حد ما عندما تكون في قطار ويركب شخص يشبه إلى حد ما ما يمكن أن تتخيله مقاتلا إسلاميا".

قبل الهجمات، كان يتم ربط العمال الأتراك الوافدين إلى ألمانيا بتصورات عن الهجرة بدافع الفقر أكثر مما كان يتم ربطهم بالإسلام. يقول فايندر: "لكن بعد 11 سبتمبر حدث تغيير جذري. ما كان في السابق تحيزات مستترة، تحول إلى رفض صريح جزئيا".

ومع ذلك يرصد فايندر حاليا عودة الأمور الطبيعية، حيث يقول: "لقد كان للربيع العربي تأثير إيجابي قبل عشر سنوات، لأننا رأينا أن العرب لا يجب أن يُساووا بأنظمتهم الاستبدادية أو بإسلام راديكالي. ثم كان هناك تضامن في أزمة اللاجئين. اليوم أصبحنا على دراية بالعالم الإسلامي بشكل أفضل مما كنا عليه في الماضي، ونتيجة لذلك لدينا أيضا نقاش سياسي أكثر انفتاحا وإثارة للاهتمام - فقط فكر في الجدل الحالي حول الاستعمار (مساعي ألمانيا لمعالجة تاريخها الاستعماري في أفريقيا)". ويعتبر فايدنر أن هذا نتيجة إيجابية لأحداث 11 سبتمبر.

وبغض النظر عن نظرتك للأحداث، فقد تم تأكيد توقعات صحيفة "نيويورك تايمز" في 12 سبتمبر 2001، عندما كتبت الصحيفة أن هذه "واحدة من تلك اللحظات التي ينقسم فيها التاريخ إلى ما قبل وما بعد".

فيديو قد يعجبك: