إعلان

العلاقات اللبنانية السعودية بين الجفاء السياسي والمساعي المتعثرة

09:20 م الأربعاء 27 أكتوبر 2021

رفيق الحريري

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بيروت - (بي بي سي)

أزمة بعد أزمة٬ سجالات٬ وخصومة ظاهرة مبطنة. هكذا هي العلاقات اللبنانية السعودية.

لم تكن كذلك تاريخيا. بل على العكس٬ مرت هذه العلاقات بفترة ذهبية لا سيما بعد انتهاء الحرب اللبنانية في عام ١٩٨٩ وتدشين مرحلة ما عُرف باتفاق الطائف- على اسم المدينة السعودية التي شهدت ولادته.

كان ذلك الاتفاق تتويجا لاتفاق سعودي سوري على لبنان٬ ليأتي بعده رفيق الحريري رئيساً للوزراء في البلاد٬ وهو من كان من أقرب السياسيين للسعودية ولطالما اعتبر سعودياً بقدر ما كان لبنانياً.

لكن الأمور تغيرت نتيجة عوامل متعددة٬ أولها كان الحرب السورية٬ وليس آخرها الحرب اليمنية٬ وما بينهما، حزب الله.

بطريقة تبسيطية٬ تجافي السعودية لبنان لسبب أساسي هو حزب الله الذي تصفه بالإرهابي وترفض التعامل مع الحكومات اللبنانية طالما هو ممثل فيها.

هذا الموقف من الحزب ترسٌخ وقت الانقسام الإقليمي على سوريا ودخول الحزب اللبناني لاعبا أساسيا في الحرب السورية إلى جانب الحكومة هناك٬ ثم ازداد حدة بشكل قياسي على ضوء الحرب اليمنية ووقوف حزب الله الى جانب الحوثيين.

في المقابل٬ يسعى لبنان دائما لإعادة كسب ود السعودية؛ لما تمثله من حجم سياسي إقليمي٬ وأيضا لأسباب اقتصادية مرتبطة بثقلها المالي والاستثماري٬ وخوفا على مصير جالية لبنانية كبيرة تعيش وتعمل في السعودية.

رئة اقتصادية

لطالما شكلت السعودية رئة اقتصادية للبنان٬ وهي اليوم تستخدم هذا النفوذ الاقتصادي والمالي لزيادة الخناق على لبنان المفلس.

لم تتوقف السعودية عن دعم كثير من المبادرات المالية لمساعدة لبنان فقط٬ بل إنها ذهبت حدَّ إقفال معابرها أمام المنتوجات الزراعية اللبنانية بعد إعلانها كشف عمليات تهريب لحبوب الكبتاغون المخدرة داخل هذه المنتجات إلى بلادها.

في ضوء هذا الوضع لم يكن أمام لبنان سوى تقديم ضمانات وتعهدات للسعودية.

وعلى الرغم من تأكيد مصادر لبنانية عدة أن مصدر الكبتاغون هو سوريا وليس لبنان، إلا أن السعودية أبقت على قرارها.

حتى ما قبل أزمة الصادرات٬ عام 2017 عندما استقال رئيس الوزراء السابق سعد الحريري بشكل مفاجئ من السعودية كانت هناك قناعة لدى المسؤولين اللبنانيين بأن الحريري "اختُطف" في الرياض.

أطلقت السلطات يومها حملة ديبلوماسية طارئة "لتحرير" الحريري٬ لكنها بالرغم من ذلك٬ لم تتحدث رسمياً بأي كلمة ضد السعودية.

فميزان القوى هنا ليس لصالح لبنان.

تعثر خطوات

غير أنه وبالرغم من كل محاولات لبنان احتواء الجفاء والغضب السعودي٬ فإن خطواته كثيرا ما تتعثر كل مرة، لسبب او لآخر.

فقبل خمسة أشهر اضطر وزير الخارجية وقتذاك شربل وهبة للاستقالة، بعد أن استُفز في مقابلة تلفزيونية ووصف السعوديين بالبدو بطريقة تحمل نبرة دونية.

واليوم٬ جاءت تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي لتُلهب العلاقات مجدداً.

وها هي السعودية تعلن استدعاء سفير لبنان لديها للاحتجاج وتتخذ الكويت خطوة مشابهة، بينما تطالب دول خليجية عدة قرداحي بتقديم اعتذار.

وللمفارقة فإن قرداحي٬ الذي يعتبر من أشهر الإعلاميين العرب٬ كان في فترة ما حالة إعلامية واجتماعية في السعودية وغيرها من الدول العربية. إذ عمل لسنوات مقدماً لبرنامج مسابقات شهير كان يعرض على قناة ممولة سعودياً.

ماذا قال قرداحي

أبدى السعوديون استهجانهم الكبير لاعتبار قرداحي أن الحوثيين، الذين تقود السعودية تحالفاً عسكرياً ضدهم في اليمن، هم في حالة دفاع عن النفس.

وقد جاء موقف قرداحي في مقابلة مع برنامج على قناة الجزيرة٬ تقول السلطات اللبنانية إنه سُجٌل قبل أن يصبح الرجل وزيراً في حكومة نجيب ميقاتي.

لكن توقيت تسجيل المقابلة لم يشكل أي حجة تخفيفية للاحتقان الجديد مع السعودية، الذي بعد أن ظهر بشكل أساسي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ الآن يأخذ بعداً دبلوماسياً.

أما لبنان الرسمي فسارع للنأي بنفسه عن كلام قرداحي الذي لا يعبر عن "رأي الحكومة ولا رئيس الجمهورية ولا رئيسها"٬ حسب ما صرّح به رئيس الوزراء نجيب ميقاتي نفسه.

في النهاية سيتم التعامل بطريقة أو بأخرى مع "سجال قرداحي"، فهو لا يشكل بحد ذاته سوى عارض جديد لأزمة أعمق بكثير مستعصية ومتشابكة٬ في وقت قد تبدو فيه السعودية مستعدة للانفتاح على إيران نفسها أكثر من استعدادها للانفتاح على لبنان.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: