إعلان

لا يُغادرون المنزل لأشهر.. كيف يتعايش لاجئو سوريا مع شتاء كندا القارس؟

02:32 م الثلاثاء 08 يناير 2019

كندا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:

ألقت صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على مُعاناة عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في كندا مع أجواء الطقس السيء خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى 20 تحت الصفر.

تحكي الصحيفة، في تقريرها المنشور عبر موقعها الالكتروني، أن أحد اللاجئين السوريين ويُدعى زياد عمّار وصل إلى كندا بعد 3 أشهر من خروجه من أحد سجون بشار الأسد. لم يكن في أفضل حالاته لمواجهة البرودة القارسة، فقد كان هزيًلا ويُعاني من سوء تغذية بعد تعرّضه للتعذيب والتجويع أثناء فترة احتجازه.

قال زياد وهو يضحك: "اشتريت كل شيء قد أحتاج إليه لمدة شهر، ولم أغادر البيت قط".

وصل عمار، الذي غيّرت الجارديان اسمه خوفًا على أفراد عائلته الذين مازالوا عالقين في سوريا، إلى مدينة مونتريال الكندية في خريف عام 2014. وبالنظر إلى نشأته في مدينة اللاذقية السورية الساحلية المُطِلة على مياه البحر الأبيض المتوسط المتلألئة، لم يمُر عليه شتاء قاسٍ كهذا، ولم يشهد بالتأكيد أي ظاهرة جوية مُماثل للغطاء الجليدي الذي بات يكسو وطنه الجديد في أغلب الأحيان.

1

لم يكُن لدى عمار حيلة سِوى التأقلُم مع الجو الكندي البارد، وسُرعان ما بدأ في تطوير مهارته في الطهي من خلال إعداد وجبات سورية بعد انتهائه من العمل، حتى بات ماهرًا في طهي وجبة الكبة اللبنية بانتظام، وهي كُرات لحم مصنوعة من البرغل ومطبوخة في صلصلة الزبادي.

إلى جانب شوربة العدس التي تُذكّره بالحساء الذي كان يطلبه من مطعم معين في كل مرة يقود فيها سيارته من اللاذقية إلى حلب. وبالنسبة للحلوى، تقول الجارديان إن عمّار بارِع في تحضير الكنافة الدافئة بصوص الشربات، التي يُقدّم معها كوبًا من السحلب، وهو مشروب عثماني.

بالنسبة لعمّار الذي لُمَّ شمله مع زوجته مُجددًا في مونتريال، فإن "الجلوس حول طاولة الطعام مع الأسرة كفيل ليشعرك بالدفء. هنا، يمكنك أن تشعر بالدفء ذاته بسبب الذكريات"، على حدّ قوله.

وعلى مدى الأعوام الثلاث الأخيرة، استقبلت كندا أكثر من 50 ألف لاجئ سوري في إطار برامج إعادة التوطين التي ترعاها الحكومة وجهات خاصة كذلك، كما تلفت الجارديان.

ورحَّب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بالمجموعة الأولى من السوريين الذين وصلوا ضمن حملة حكومية في أواخر 2015، في مبادرة تتناقض مع المزاج العالمي المُعادي للأجانب والشعبوية اليمينية. وشرع كثير من اللاجئين السوريين في إعادة بناء حياتهم في كندا، بعدما عانوا ويلات الحرب والنزوح والحال البائسة لمُخيّمات اللاجئين في الشرق الأوسط.

وبالإضافة إلى تحديات الاندماج المُعتادة التي تواجه اللاجئين مثل إيجاد وظيفة ومكان للإقامة واكتساب لغة جديدة، تقول الصحيفة إن التأقلم على الشتاء الكندي أثبت أنه "مهمة شاقة".

ففي مونتريال، يُتوقع انخفاض درجات الحرارة في مونتريال نهاية هذا الأسبوع لتصل إلى 20 درجة مئوية تحت الصفر، مع هبوب رياح جليدية من حين لآخر. وبالرغم من أن المدينة بذلك جهودًا لإزالة جزء من الثلوج صباح الجمعة الماضي، إلا أن درجات الحرارة القارسة صعّبت مهمة إزالة الثلوج على عمال البلدية.

لكن ثمة حوادث مُرعبة متداولة تدفع أي شخص إلى عدم مُغادرة المنزل، مثل التي وقعت في 1 يناير الجاري عندما كان يقود رجل السيارة بصحبة زوجته على أحد الطرق السريعة في مقاطعة كيبك، ثم تهشَّم الزجاج الأمامي للسيارة بفعل الجليد المتطاير. وعلى النقيض من ذلك، كان الطقس في دمشق يوم السبت ساطعًا ومشرقًا، وبلغت درجة الحرارة 14 درجة مئوية.

2
تُشير الصحيفة إلى أن ثمة حكايات لا تُعد ولا تُحصى للسوريين في كندا عن أول شتاء لهم في البلد ذات الجو القارس، بما في ذلك الأسابيع التي قضوها في المنزل دون خروج، والمرات الأولى القليلة التي انزلقوا فيها على الجليد وكسروا أحد أطرافهم، وتلك التي أخطأوا فيها في حساب المدة التي يجب عليهم انتظار الحافلة خلالها في درجة حرارة 20 تحت الصفر، إلى جانب تسوقهم لشراء معاطف الشتاء الثقيلة والأحذية، أو غسلهم أيديهم بالماء الساخن بعد عودتهم من السير في هذا الطقس الجليدي.

وبالنسبة للكثير من القادمين حديثًا، قد تدفعهم صدمتهم من الأمر برُمّته إلى البقاء داخل المنزل. تقول جولنار الحسيني ماكورميك، وهي سمسارة عقارية من مدينة حمص السورية، تتطوع للترجمة من أجل القادمين حديثًا من اللاجئين في الإدارات الحكومية: "إذا كان هناك القليل من الثلج، لن يأتوا".

وأضافت ضاحكة: "ما إن تتحدّث إليهم عبر الهاتف حتى يقولوا: الجو بارد . أتذكر أن أحدهم طلبت إرجاء الموعد حتى شهر مارس، فأخبرتها أنه يوجد جليد في مارس أيضًا".

وأضافت: "إنهم يسألوننا هل عليهم إبقاء أطفالهم بالمنزل عند هطول الثلج. وحينها نُخبرهم بأنه لا يمكنهم الإبقاء على أطفالهم داخل المنزل طوال 6 أشهر!".

في مونتريال الكنديّة، تعُج مناطق التسوق والمقاهي والمطاعم بالصخب والحياة قبل الإجازات. وتضم المدينة أيضًا شبكة أنفاق واسعة تحت الأرض مُخصَّصة لمُشاة لتجنب مساوئ الطقس الجليدي. لكن مع إنزال أضواء عيد الميلاد المجيد، وفضّ الأسواق المحلية التي يوجد بها النبيذ الساخن، يبدأ الشتاء حقًا. وتتحوّل المناظر الاحتفالية الساحرة إلى شوارع ثلجية ذات برودة قارسة وأمطار جليدية، وفق الجارديان.

3

وبدلًا من أن يُحفّز الشتاء بعض القادمين حديثًا على استحضار مشاهد التجمّعات العائلية وذكريات الطفولة، تقول الصحيفة إنه يُمثّل لهم "اغترابًا" أعظم؛ فهو يُذكِّرهم بالدفء الذي اضطروا إلى تركه في مجتمعاتهم، مع أن الحرب مزقتها الآن. وقد يحمل الشتاء إشارات قوية تُبيّن لهم مدى الاختلاف بين موطنهم الجديد وموطنهم الذي فروا منه.

قالت اللاجئة السورية دينا حداد، التي وصلت إلى كندا من اللاذقية منذ عام، للصحيفة: "لقد كنت وحيدة عندما وصلت إلى كندا في شهر يناير، ولم تكن لديّ فكرة عن مدى برودتها".

وأضافت: "عندما كان يتوجب عليَّ ركوب الحافلة، لم أكن أعلم أنها تصل في أوقات محددة، ولذا كنت أتجمد وتبيضّ يداي من شدة البرد إلى أن أفقد إحساسي بهما، وكنت أبكي وأقول: أتمنى لو لم آت مُطلقًا إلى هذا البرد. فكان الناس يتجمعون حولي من كثرة بكائي ويسألونني: هل أنتِ بخير يا سيدتي؟ وفي نهاية المطاف، تأقلمت على الوضع".

وقالت لاجئة سورية أخرى انتقلت إلى مونتريال مع زوجها الكندي عام 2014: "أندم حقًا عندما تتأخر الحافلة بينما انتظرها في درجة حرارة تبلغ 20 درجة مئوية تحت الصفر، والجو عاصِف، حينئذٍ يبلغ ندمي ذروته. وأقول لنفسي: ما الذي جاء بي إلى هنا؟".

لكنها أضافت: "وبمجرد أن تبلغ درجة الحرارة 10 درجات مئوية وترى الناس مُبتسمين مع ذلك، تُدرك حينها أن الربيع أتى، ستراه. فالربيع هو أفضل شعور في العالم".

فيديو قد يعجبك: