إعلان

مجلة أمريكية: الفراغ السياسي قد يحافظ على البشير أو يطيح به

05:48 م الخميس 10 يناير 2019

الرئيس السوداني عمر البشير

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

كتبت- رنا أسامة:

على مدى الأسبوعين الماضيين، نزل مواطنون سودانيون غاضبون إلى الشوارع في احتجاجات مُناهضة للرئيس السوداني عُمر البشير وحكومته، جابت مدن عِدة بينها العاصمة الخرطوم، تنديدًا بقرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، بينما تعاني البلد من نقص حاد في العملات الأجنبية وتضخم بنسبة 70 في المائة.

ورغم أن هذه الاحتجاجات ليست الأولى في حِقبة البشير، تقول الكاتبة السودانية نسرين مالك في مقال بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن الموجة الحالية من التظاهرات مُميّزة؛ لأنها تعكس قطاعًا واسعًا من المجتمع السوداني تُحرّكه في ذلك مشاعر غضب وسُخط عفوية إلى جانب تخطيط تنظيمين الأمر الذي يُمثّل تهديدًا خطيرًا للنظام.

تُشير مالك في تقريرها المنشور عبر الموقع الالكتروني للمجلة إلى أن ثمة خلفية تاريخية طويلة وقصيرة للاحتجاجات. يمتد التاريخ الطويل على مدى الثلاثين عامًا الماضية: دفعت حكومة البشير، التي وصلت إلى السلطة من خلال الانقلاب العسكري في عام 1989، المجتمع السوداني إلى الهاوية.

تدهورت المؤسسات الأساسية في السودان، وعلى رأسها الجيش والخدمات المدنية والنظام الاقتصادي والتعليمي والثقافي، فقط من أجل الحفاظ على قبضة الحكومة على السلطة بشكل أفضل وضمان احتكارها لوسائل الإنتاج الاقتصادي، وفق الكاتبة السودانية.

وتُضيف مالك أن البشير استخدم سلاحيّ الوحشية والإهمال في تعامله مع أي شكل من أشكال المعارضة لنظام حُكمه، سواء من قِبل قبائل مُهمّشة في دارفور أو صحفيين في الخرطوم.

في تلك الأثناء، تذكر أن الحكومة تجاهلت ببساطة قطاعات كبيرة من السودان ومؤسساته، الأمر الذي حالها دون تحقيق دخلًا حتى انهارت في نهاية المطاف. وتُشير إلى أن العديد من المُحتجين الغاضبين لم يبلغوا بعد من العُمر ما يكفي ليحملوا على أكتافهم ثلاثة عقود من النهب الحكومي.

وتتابع مالك :"في التاريخ القصير فقدت حكومة البشير السيطرة على الأساسيات. وخلال العام الماضي وحده، ارتفع معدل التضخم في السودان إلى ثالث أعلى معدل في العالم، وأصبح النقص في الخدمات واضحًا؛ لاسيّما البنزين مع وجود طوابير طويلة من السيارات بانتظام أمام محطات الوقود".

والأكثر إثارة للسخط، بحسب مالك، أن هذا النقص طال النظام المِصرفي في البلاد؛ إذ أثار رد الحكومة على الأزمة الأخيرة قبل عدة أشهر مزيدًا من الذُعر عندما وضعت حدود منخفضة على عمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي والحسابات المصرفية، ما أزعج المواطنين السودانيين من الطبقة الوسطى، الذين باتوا لا يستطيعون الآن سحب رواتبهم.

"حلول مُحتملة"

وترى مالك أن الحلول المُحتملة لاحتواء الاحتجاجات الحالية تعتمد على منظورين أحدهما قصير الأمد والآخر طويل الأمد، تُحرّكهما حاجتين؛ أولاها يستدعي تلبيته على الفور بتوفير الخبز والوقود والنقود والعلاج، والحاجة الثانية "مُجرّدة" تتمثل في استعادة معاني الكرامة والعِزّة الوطنية من حكومة لم تُقدم للشعب أيًا منهما.

ومع ذلك، تضاءلت فرص الرئيس السوداني للمُناورة قبل صياغة الرد المناسب لشعبه أكثر من أي وقت مضى، وفق مالك. وتُرجِع ذلك إلى أن البشير فقد ثروات المنطقة النفطية منذ انفصال جنوب السودان في 2011، في الوقت الذي يُعاني فيه نظامه من تداعيات العقوبات الأمريكية المُطبّقة لأول مرة في 1997، والتي عزلت البلاد اقتصاديًا.

كما عزّز اتهام البشير من قِبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في دارفور حالة العُزلة التي تواجهها حكومته المنبوذة. ومنذ ذلك الحين، اعتمد السودان على عدد قليل من الحلفاء الإقليميين، مثل المملكة العربية السعودية، بحسب مالك.

ومن وجهة نظر مالك، فإن المشاكل المالية التي تواجهها حكومة البشير تعود- جزئيًا- إلى ما وصفته بـ"شبكات المحسوبية" المتنامية في الداخل السوداني والمُتفشيّة داخل أجهزة الشرطة والجيش وقوات الدعم السريع والوحدات شبه العسكرية غير الرسمية، بما في ذلك ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة التي أُوقِفت عن العمل بعد انتهاء الصراع في دارفور، كما تقول الكاتبة السودانية.

الأمر الذي بدا جليًا في حملة القمع السريعة التي شنّتها الحكومة ضد المتظاهرين، بإطلاق الشرطة وعناصر الأمن النار على الحشود واعتقالهم الصحفيين والناشطين والشخصيات المعارضة للحكومة في السودان والاعتداء عليهم. تقول مالك إن بعض المتظاهرين اختفوا فجأة وباتوا في عِداد المفقودين، لم يبقَ منهم سِوى صور ينشرها أحباؤهم على مِنصات التواصل الاجتماعي كمحاولة للعثور عليه.

كان البشير، الذي قال إنه أمر الشرطة باستخدام "أقل قدر" من القوة في مواجهة المتظاهرين، قد ألقى باللوم في أعمال العنف خلال الاحتجاجات، على من وصفهم بالمتآمرين دون أن يذكر أسماءهم. وفي وقت سابق، قال لمجموعة من الجنود في قاعدة عسكرية بمدينة عطبرة: "الذين تآمروا علينا زرعوا في وسطنا من أحرقوا وخربوا".

وبعد 4 أسابيع من الاحتجاجات التي ما يزال زخمها متواصلًا، تقول السلطات إن 19 شخصًا على الأقل قتلوا في المظاهرات، بينهم اثنان من رجال الأمن، غير أن منظمة هيومان رايتس ووتش تقول إن عدد الضحايا وصل إلى 40 قتيلًا، بينهم أطفال.

البشير ليس مُبارك

وعن دعوات المُحتجين للبشير بالاستقالة، ترى مالك أنه "لا توجد شخصية بارزة داخل حكومته يمكنها أن تتدخل وتتولى الحكم بينما يجري التفاوض على انتقال غير دموي، ولا يوجد رجل عسكري قوي يمكن إرغام البشير على الاستقالة مثلما حدث مع الرئيس محمد حسني مبارك الذي تنحّى في فبراير 2011 وسلّم السلطة إلى حكومة انتقالية".

وعزت مالك طول فترة حكم البشير، جزئيًا، إلى رتابة المشهد السياسي وافتقاره إلى التجديد مع كبح أي رؤى مستقبلية للسودان. وعلاوة على ذلك، احتكر الإسلام لمآربه الخاصة -فلا يزال نظام البشير يدّعي أن حكومته شرعية رغم تخلّيها منذ زمن بعيد عن ذرائعها الدينية. وعلى إثر ذلك أحبط البشير حركات احتجاج إسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين.

كان البشير قد خرج أمس الأربعاء، مُتحديًا دعوات الاحتجاج المطالبة بتنحيه. وقال في أول تجمّع مؤيّد لأنصاره منذ اندلاع الاحتجاجات: "من يريد الحكم، عليه المشاركة في الانتخابات وليس عن طريق المؤامرات". وأضاف "القرار قرار الشعب السوداني ..من خلال صناديق الاقتراع ، بانتخابات حرة نزيهة".

وتُشير مالك إلى أن مظاهر المعارضة أشعل فتيلها غضب الشارع العفوي، لكن سُرعان ما دخلت مجموعات من النشطاء المحترفين على خطّ النزاع للمساعدة في تنظيم الاحتجاجات وأعمال العصيان المدني.

لكن يُمكن أن يُضفي التنوّع بين صفوف المُحتجين مزيدًا من الثقل والقوة على التظاهرات في نهاية المطاف. وتقول الكاتبة السودانية في ختام مقالها إن "الفراغ السياسي في السودان قد يُحافظ على البشير في السلطة، بشكل افتراضي، أو رُبما يطيح به".

فيديو قد يعجبك: