إعلان

"سأقتله ولو بعد عشر سنوات".. قصة سوري يتعقب قائدًا داعشياً انتقامًا لوالده

11:01 م السبت 15 ديسمبر 2018

سوري يتعقب قائد داعشي انتقامًا لوالده

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - هشام عبدالخالق:
بعد أربع سنوات من مقتل والده، لا يزال أحمد سويدي مصممًا على الانتقام من الميليشيا التي تسببت في فقدانه أعز ما يملك، لدرجة أنه رفض أن يستقبل عزاء والده بعد دفنه معلنًا أنه لن يكون هناك عزاء إلا بعد مقتل القاتل.

وعلى الرغم من أنه فقد خلال هذه السنوات شقيقه، وقريته وبلده بالكامل -بعد أن منعت قوات سوريا الديمقراطية ونظام بشار الأسد عودته من إسطنبول- إلا أنه في داخله لن يهدأ له إلا بعد أن يثأر لمقتل والده.

صورة 1

صحيفة "وول ستريت جورنال" التقت بأحمد في إسطنبول، الذي يعمل الآن مع عدد من السوريين المنفيين خارج البلاد وبعض المتواجدين داخلها لمحاولة معرفة الأماكن التي يختبئ بها قادة تنظيم داعش، وأسسوا العام الماضي مركز الفرات لمناهضة العنف و الإرهاب، وهو مركز لتوزيع واستخدام المعلومات من قبل مسؤولي إنفاذ القانون وخاصة في تركيا وأوروبا.

ونشر المركز 23 صورة لأشخاص مطلوبين مع إرفاق أسمائهم وآخر الأماكن المعروفة لهم والجرائم التي يُزعم ارتكابهم لها، ويقول سويدي إن 11 شخصًا من هؤلاء تم القبض عليه بواسطة السلطات، وهو الإقرار الذي تقول الصحيفة الأمريكية إنه من الصعب التأكد منه، وتستند ادعاءات الجرائم على الأرشيف الذي جمعه المركز من مقاطع الفيديو والصور وتصريحات الشهود حول عمليات الإعدام العلنية والجَلد والسرقة.

وتقول الصحيفة، إن العديد من أفراد تنظيم داعش استطاعوا الهرب قبل أن يتم القضاء -بنسبة كبيرة- على دولة الخلافة التي كانت تمتد في العراق وسوريا، وتركوا ورائهم المقاتلين الأصغر رتبة، حسبما ذكر العقيد شين رايان، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، وذكرت بعض التقارير أنهم يختبئون كلاجئين ضمن نفس الأشخاص الذين كانوا يروعونهم فيما قبل.

وفي غياب العدالة في المحاكم السورية التي تدخل الحرب عامها الثامن بها، بحسب الصحيفة، يسعى سويدي وفريقه من المحققين الهواة إلى تحقيق عدالتهم الخاصة، على الرغم من أنهم يبدون متناقضين في بعض الأحيان حول ما إذا كانت العقوبات يجب أن تكون مفروضة من قبل المحكمة أم خارج نطاق القضاء.

ونقلت الصحيفة قول صهيب جابر، مصمم الملصقات الدعائية للمطلوبين التي انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي: "تم قتل أحد أعضاء التنظيم الذين انتشرت صورتهم في شمال سوريا العام الماضي، ولكن لماذا يجب أن نهتم بهذا؟".

وتقول بلقيس جراح، كبير مستشاري برنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: "تم الإبلاغ عن بعض عمليات القتل الانتقامية الأخرى في سوريا ويمكن أن يتزايد العدد، وفي غياب المساءلة والمحاكمات العادلة والحيادية، تصبح الرغبة في الانتقام من خلال القنوات الشرعية الرسمية غير مرضية، ومن شأن الإفلات من العقاب أن يساهم في تجدد العنف".

صورة 2

ويرى سويدي أن كل عملية قتل تتم لأعضاء التنظيم بمثابة انتقام شخصي له ولزملائه، فكل منا "فقد شخص ما في سوريا على أيدي داعش"، ومن ضمن من لا يزال سويدي يستهدفهم رجلان أحدهما هو الشخص الذي قام بقتل والده بشكل مباشر، والآخر أحد قادة داعش الذي ارتكب فظائع في دير الزور شاهدها هو شخصيًا، وهذا العام استطاع تعقب أحدهما أخيرًا.

كيف قُتل الوالد؟

كان أحمد سويدي يعمل مديرًا في فندق "فور سيزونز" بدمشق عندما بدأت الثورة السورية في 2011، وانضم إلى متظاهرين آخرين، الداعين للإصلاح، ومن ثم طالبوا بالإطاحة بالرئيس بشار الأسد وذلك بعد وحشية النظام في قمع الاحتجاجات، وتم اعتقال سويدي لعدة أشهر، وكان والده يحثه على الابتعاد عن الانتفاضة.

ومع اشتعال الصراع عاد سويدي إلى منزله في دير الزور، وبدأ في توثيق العنف، حيث قام بتسجيل ونشر مقاطع فيديو تظهر كيف قتل مدنيون في غارات النظام على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون المناهضون للحكومة.

ظهر تنظيم داعش في سوريا عام 2013، مستفيدًا من الفوضى المتنامية في البلاد، وعاث أفرادها فسادًا في المناطق التي كانت تحت سيطرة المتمردين بما في ذلك في شرق سوريا، وسرعان ما ثبت التنظيم أقدامه في دير الزور.

أحمد سويدي، حث والده على البقاء في دمشق، ولكن في ربيع عام 2014 اضطر الوالد للعودة إلى دير الزور لزيارة أمه الكبيرة في السن، وخلال الزيارة، اقتحم التنظيم الجانب الغربي لقرية تابيت التي تعيش بها الأسرة وفر معظم السكان إلى النصف الشرقي، لكن جدة سويدي كانت بين من رفضوا مغادرة المنزل.

في وقت متأخر من أحد الأيام، ذهب والد سويدي لزيارة أمه معتقدًا أن الميليشيا انسحبت، ومن ثم عُثر على جثته وعدد من جثث الأقارب بعد ساعات على طريق ترابي، ليبدأ أحمد في تقصي وفاة والده، حيث أخبره أحد الرعاة المحليين أنه رأى إطلاق النار واستطاع التعرف على ثلاثة من المهاجمين من قرية مجاورة، حيث أطلق الرجال النار من أحد الأسطح القريبة في الشارع، وقال سويدي إن راعي الغنم أخبره بأن رجلًا رابعًا كان ينتظر في السيارة، وأنه سمع بعد ذلك المتشددون يتباهون بالاعتداء قائلين إنهم قتلوا مرتدين عن دينهم.

استطاع سويدي تحديد هوية الرجل الذي أطلق النار على والده بناء على تقارير السلاح الذي حمله القاتل، وحصل على مزيد من التأكيد عندما زار شيوخ من قرية القتلة أعمام سويدي وعرضوا فدية بسبب مقتل الأب، ولكن رفض الأعمام الفدية، وأخبروا الشيوخ أن يتحدثوا مع سويدي وأشقائه، وقال سويدي إن عائلته لم تكن مهتمة بالصلح.

وتقول كاثرين مارشي-اويل، القاضية الفرنسية السابقة، والتي ترأست الآلية الدولية والمحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة، وهي لجنة تم إنشاؤها في عام 2016 للتحقيق في وإعداد القضايا الأكثر خطورة في الصراع السوري: "سيكون الوضع المثالي هو تكوين إطار يجمع بين المحاكم الدولية والإقليمية والوطنية، كل منها يأخذ جزءًا من عملية المساءلة، ولكن ليس هذا ما لدينا في الوقت الحالي، وبالنظر إلى العدد الهائل من الجرائم، فلن يتم مقاضاة العديد من المجرمين".

صورة 4

وتضيف الصحيفة، أنه بعد وفاة والد سويدي، غادر باقي أفراد العائلة إلى أوروبا، باستثناء شقيقه الأصغر علي، الذي أصر على الانتقام من مقتل والده بطريقته الخاصة، وانضم الشاب البالغ 18 عامًا إلى المتمردين الذين يحاربون تنظيم داعش، ولكنه قتل العام الماضي في المعركة، ويقول سويدي: "أعرف أنه انضم إليهم للانتقام لوالدنا".

في يناير الماضي، عرف سويدي معلومات عن أحد المشاركين في عملية قتل والده والذي يعرف باسمه الحركي "عدوي"، وأنه قام بمذبحة أخرى في دير الزور قتل فيها أكثر من 700 شخص، وأنه ترقى إلى رتبة ملازم في التنظيم الإرهابي، ليقرر سويدي العودة إلى سوريا مرة أخرى عن طريق المهربين ويبحث عن القاتل ليجد أنه غادر إلى تركيا.

صورة 3

أرسل سويدي المعلومة على الفور إلى مركز الفرات لمناهضة العنف والإرهاب والذي قام بإبلاغ السلطات التركية، أن "عدوي" موجود في مدينة عنتاب التركية، ليتم القبض عليه بعد شهر في مدينة إزمير.

تهديدات بالقتل:

بعد أسابيع من اعتقال "عدوي"، تلقى سويدي تهديدات بالقتل من حساب مجهول عبر تطبيق "تليجرام"، وكانت إحدى الرسائل تقول "الانتقام قريب.. والبركان الثائر على وشك الانفجار وإحراقك"، ومن ثم تم اختراق حسابه مما عرض قائمة أصدقائه للخطر.

زوجة سويدي حاولت إقناع لفترة طويلة بأن يتخلى عن فكرة الانتقام، وكذلك والدته التي تعيش في ألمانيا طلبت منه أن ينضم إليهم لأنها فقدت زوجها وابنها بالفعل ولا تريد أن تفقد ابنًا آخر.

وينتظر سويدي، بحسب الصحيفة، أن يقيم عزاء والده بعد الانتقام من قاتله، خاصة بعد أن سمع عن الكثير من الحالات المشابهة لحالته والتي تم الانتقام من القاتل فيها، ويقول: "لو كنت في سوريا كنت قتلته بنفسي".

ويخشى سويدي أن يقوم التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية والذي يرغب في استعادة آخر معاقل تنظيم داعش بقتل قاتل والده، وأن هذا سيدمر انتقام العائلة.

ويضيف سويدي للصحيفة، "أعتقد أن الرجل الذي قتل والدي في مدينة هجين، إحدى أواخر المدن التي يسيطر عليها داعش حتى الآن، ولكن لم يتم تأكيد هذا حيث لم يره أحد منذ شهور".

ونقلت الصحيفة قول سويدي في ختام التقرير: "سأجده لو كان يختبئ، سواء كان هذا بعد عام واحد أو بعد 10 أعوام".

فيديو قد يعجبك: