إعلان

نيويورك تايمز: الاستجابة "العرجاء" لماكرون تعوق جهوده لحل الأزمة

04:15 م الثلاثاء 11 ديسمبر 2018

إيمانويل ماكرون

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:

لطالما بدت الحاجة إلى تسريع وتيرة نمو الاقتصاد الفرنسي واضحة وضوح الشمس؛ بدايةً من مكاتب التوظيف الحكومية الكئيبة التي تعُج بالباحثين عن العمل في أرجاء باريس، وصولًا إلى الشركات التي يُعاني أصحابها من ضغوط مالية، حسبما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير منشور على موقعها الرقمي، الثلاثاء.

تعهّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الاثنين، بتغيير هذه الديناميكيات من خلال العمل على تحسين أوضاع البلاد على المدى الطويل. لكن خطواته "العرجاء"- كما وصفتها نيويورك تايمز- إزاء التظاهرات العنيفة المُستمرة منذ شهر بقيادة ما يُطلق عليهم حركة "السُترات الصفراء"، أعاقت جهوده لحل الأزمة.

وأعلنت الحكومة الفرنسية، الاثنين، أن الاحتجاجات الشعبية على مدى الأسابيع الأربعة الماضية في باريس وفي البلدات والقرى بجميع أنحاء فرنسا، أعاقت النشاط الاقتصادي في الوقت الذي أضرّت فيه بصورة البلاد مع المستثمرين.

بالتوازي، توقّع البنك المركزي بفرنسا أن يتباطأ نمو الاقتصاد الفرنسي، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، لينمو بنسبة 0,2 بالمائة فقط في الربع الأخير للعام، بالمقارنة مع تقديرات سابقة نسبتها 0,4 بالمائة.

علاوة على ذلك، خسرت الشركات الفرنسية أكثر من 10 مليارات يورو (حوالي 11.4 مليار دولار أمريكي)، جراء الاحتجاجات، وهو رقم قابِل للنمو.

وقال وزير المالية الفرنسي برونو لومير، الأحد، إن الاحتجاجات "كارثة للتجارة وكارثة على اقتصادنا". ووصف، خلال زيارة تفقّديه للمحال التجارية المُتضرّرة، الوضع السائد بأنه "أزمة" للمجتمع وللديمقراطية.

تقول نيويورك تايمز إن ماكرون ساهم في شحن الأجواء وتأجيج الاضطرابات الحالية. وحتى أمس الاثنين، التزم الرئيس الفرنسي الصمت لأكثر من أسبوع، فيما يبدو أنه كان "يُجهّز ردًا" هو ووزراء حكومته لاحتواء الحركة التي بدأت احتجاجاتها تنديدًا برفع ضريبة الوقود، ثم تحوّلت إلى غضب جماعي عارِم بسبب تراجع مستويات المعيشة وتآكل القوة الشرائية.

وحتى من قبل احتجاجات "السُترات الصفراء"، تُشير الصحيفة إلى أن ماكرون ظهر مُتغطرسًا وبعيدًا عن البُسطاء، وهو ما بدا جليًا في نصيحة قدّمها لبستاني شاب عاطل عن العمل، بمقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع في أكتوبر الماضي، بتغيير مهنته. وقال له "أجد لك وظيفة شاغرة بمجرد عبور الشارع" إذا أردت العمل في مطعم.

وفي مسعى لاحتواء الغضب الشعبي المُتصاعد، أقرّ ماكرون، في أول خطاب إلى الأمة منذ بداية حِراك "السُترات الصفراء"، أنه أعطى انطباعًا بأنه بعيد عن الطبقة الفقيرة، لكن إقراره هذا لم يصل حدّ الاعتذار، بحسب الصحيفة.

تعهّد ماكرون، في خطابه، بخفض الضرائب وتقديم الدعم المالي لتعزيز القوة الشرائية للعُمّال وأصحاب الطبقة المتوسطة. وحثّ الشركات على منح مكافآت نهاية العام للموظفين، وقال إن الحكومة ستمنح من يحصل على الحد الأدنى للأجور حوافز شهرية بقيمة 100 يورو ابتداءً من العام المقبل.

تقول الصحيفة إن كلمة ماكرون، التي تم تسجيلها مُسبقًا قبل 13 دقيقة من إذاعتها، أبرزت أيضًا ما أغفله خلالها.

1

لم يذكر ماكرون شيئًا عن برنامجه الإصلاحي لتغيير المسار المُستخدم في سوق العمل الفرنسية منذ عقود، الأمر الذي عدّته الصحيفة إشارة للمستثمرين بأنه على الرغم من الفوضى الأخيرة، يخطط الرئيس ماكرون للتشبّث باستراتيجيته لإعادة تنشيط ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا، من خلال متابعة التغييرات التي توقّفت لأكثر من عقد من الزمان.

وقال أوليفييه مارشال، رئيس شركة "باين آند كومباني" في فرنسا: "إذا استطاع ماكرون أن يواصل مسيرته في الإصلاحات الهيكلية، وإذا هدأت حركة الاحتجاجات قليلاً بالتوازي مع هذه الإصلاحات، فسيكون ذلك خبرًا جيدًا".

وأضاف مارشال إن هذه الاحتمالات كبيرة؛ خاصة وأن العديد من المتظاهرين يفهمون أن تحسين الاقتصاد مشروع طويل الأمد يحتاج نفسًا طويلًا. وعلى مِنصات التواصل الاجتماعي، قال بعض المتظاهرين إن "عرض الرئيس ماكرون سينهار سريعًا".

وقال مارشال للصحيفة "كلمة ماكرون ستترك علامات استفهام كثيرة، ولا يبدو أنها ستنجح في تهدئة أجواء الاستياء الشعبي".

وترى الصحيفة أن موقف ماكرون المُتصلّب يحمل درجة من الخطورة بالنسبة لفرنسا؛ لأنه يُخفف من الأنظمة واللوائح الخاصة بالأعمال التجارية من أجل بذر الدينامية في البلاد.

أصرّ ماكرون على أن التدابير الاقتصادية القاسية ينبغي اتخاذها في الوقت الحالي من أجل إبقاء عجز فرنسا ضمن قواعد الاتحاد الأوروبي. تشمل خططه تغيير قانون العمل الصارم للبلاد، وإجراء تعديلات في الميزانية لصالح أصحاب الأجور المتدنيّة والمتقاعدين بشكل خاص، حتى عندما يُخفّض الضرائب على الأثرياء.

دفعت تحركات ماكرون منذ توليه منصبه بشركات مثل أمازون وفيسبوك والعديد من الشركات متعددة الجنسيات الأخرى الموجودة خارج فرنسا، إلى إطلاق وعود بخلق مزيد من الوظائف. لكن التغييرات التي أدخلها، بما في ذلك برنامج حكومي جديد لتعزيز تدريب المهارات للعُمال والعاطلين، قد تستغرق سنوات لإظهار نتائجها، وفق الصحيفة.

وأثارت التغييرات التي أُدخِلت على قانون العمل بفرنسا، والتي تشمل كبح السلطة النِقابية عن طريق السماح لرؤساء الأعمال والعُمّال بالتفاوض على العقود بشكل مباشر، غضب العُمّال الذين يعتقدون أن الحكومة تريد تجريدهم من الحقوق التي حصلوا عليها بشق الأنفس لصالح الشركات الكبرى.

ولم يتضح إلى الآن كيف ستدفع حكومة ماكرون مقابل التنازلات التي أُعلِنت أمس الاثنين. أعطى محاضرة لقادة بلدان منطقة اليورو حول الحاجة إلى إبقاء عجز ميزانيتهم أقل من سقف الاتحاد الأوروبي البالغ 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. تقول الصحيفة "على ماكرون تنفيذ نصيحته الآن".

أحد التنازلات التي قدمها ماكرون لاحتواء الاحتجاجات- والمُمثّل في إلغاء الزيادة التي كانت مُقرّرة على ضريبة الوقود العام المُقبل- من شأنه أن يحرم خزانة فرنسا من حوالي أربعة مليارات يورو. وقال خبراء اقتصاد، بحسب الصحيفة، إن التخلّي عن الضرائب الأخرى التي كان سيتم فرضها على أصحاب المعاشات وذوي الدخل المنخفض سيُكلّف البلاد مليارات على الأرجح.

كما يرفض ماكرون إنهاء الإعفاءات الضريبية على الأثرياء التي منحهم إيّاها منذ تولّيه منصبه، بدعوى أنها ستجذب الأموال إلى فرنسا حتى يمكن استثمارها في الشركات الفرنسية. وبدلًا من ذلك، استنزفت هذه الخطوة أكثر من 3 مليارات يورو من خزائن فرنسا هذا العام، دون أن تُحقق ما روّج إليه ماكرون.

واقترح وزير المالية الفرنسي طريقة لتعويض هذا النقص: متابعة الضرائب التي قال إن شركات أمازون وفيسبوك وجوجل تجنّبت تحصيلها في فرنسا لسنوات.

2

وقال لومير في مقابلة مع محطة "آر تي إل" الألمانية أمس الاثنين: "إذا كنت ترغب في جني الأموال، عليكَ زيادة الضرائب على الشركات الرقمية". وتابع "حان الوقت لهذه الشركات لدفع الضرائب المُستحقة".

وقال باتريك أرتوس، كبير الاقتصاديين في بنك ناتيكسيس، ومقره باريس ، إنه "حتى إذا تم تخفيض الضرائب وزاد الإنفاق، مع اقتراح ماكرون بزيادة العجز في ميزانية البلاد، فإن الأسواق ستقبل ذلك ثمنًا لاستعادة الاستقرار الاجتماعي".

ومع ذلك، فإن تباطؤ النمو الاقتصادي حتى الآن من شأنه أن يُصعّب على ماكرون معالجة العديد من المشاكل الرئيسية، كما تقول الصحيفة.

تعهّد الرئيس الفرنسي بخفض مُعدّل البطالة، وهو مصدر رئيسي للاضطرابات، والذي بلغت نسبته أكثر من 9 في المائة منذ عقد من الزمان. وترى نيوويرك تايمز أن تنفيذ هذا الوعد سيُصبح أكثر صعوبة حال استمر الاقتصاد، الذي تباطأ بالفِعل بوتيرة سنوية 1.8 في المائة، في التراجُع.

وفقد تُجار التجزئة، بما في ذلك المحال التجارية "السوبرماركت" وبائعي السلع الفاخرة ، أكثر من مليار يورو استرليني، في حين خسرت الشركات الصغيرة والمتوسطة ما لا يقل عن 10 مليار يورو استرليني، وفق أحدث إحصاءات اتحاد متاجر التجزئة في فرنسا.

ويواجه قطاع الزراعة في فرنسا خسائر بأكثر من 13 مليار يورو، وفق مجموعة ANIA، مجموعة الصناعة الرئيسية في البلاد، مُعلّلة ذلك بأن احتجاجات الأسابيع الأربعة الماضية أفضت إلى إغلاق للطرق، وكثيرًا ما حالت أصحاب محال البِقالة دون الوصول إلى المتاجر.

وفي الوقت ذاته تضرّرت السياحة في فرنسا، مع ارتفاع نسبة إلغاء الحجوزات بالفنادق بمعدّل تجاوز الـ25 بالمائة منذ اندلاع احتجاجات "السُترات الصفراء" في 17 نوفمبر الماضي، مُقارنة بالفترة ذاتها العام الماضي. ونصحت شركات سياحة أمريكية ويابانية عملاءها بعدم السفر إلى فرنسا، حسبما ذكرت مكاتب الاتحاد الوطني للسياحة.

وقالت وزارة الاقتصاد الفرنسية خلال عطلة نهاية الأسبوع إنها ستُقدّم دعمًا طارئًا للشركات المُتضرّرة من الاحتجاجات، في شكل تمديد المُهل النهائية لدفع الضرائب المُستحقة على هذه الشركان، وتقديمها تمويلًا مرنًا قصير الأجل من البنوك، والتعجيل بإجراءات التأمين الخاصة بموظّفيها.

فضلًا عن ذلك، سيتم السماح للمتاجر التي تحتاج إلى تعويضات عن العوائد التي لم تجنيها بسبب الاضطرابات، بفتح أبوابها في أيام الأحد، وهو الأمر الذي كان محظورًا في معظم أنحاء فرنسا بموجب قوانين سارية منذ عقود، تقضي بأن يكون يوم الأحد يومًا للراحة.

في النهاية، يقول الخبير الاقتصادي ارتوس، إن المُعضّلة الرئيسة التي تواجهها حكومة ماكرون ليست في تعويض الخسائر قصيرة المدى من التظاهرات ولكن "فيما إذا كان ماكرون قادرًا على استمرار الإصلاحات".

وأضاف "المهم هو الحفاظ على جاذبية فرنسا".

فيديو قد يعجبك: