صدام الجاسر... رحلة بين سجون الأسد والنصرة وداعش
كتبت- هدى الشيمي:
على مدار خمسة أعوام، شهدت مدينة الرقة السورية، العديد من الصراعات والمعارك العسكرية، التي دمرت المدينة وحولتها إلى أطلال، وتسببت في نزوح مئات الآلاف، وكان لكل طرف حكم المدينة منهجه الخاص في تعذيب المواطنين الخارجين عن قوانينه، والعاصين لأوامره، بداية من نظام بشار الأسد، ثم الجماعات المُسلحة التي سيطرت عليها عقب الثورة، وصولا إلى تنظيم داعش، وكان السوري صدّام الجاسر أحد الأشخاص الذين وقع في أسر كافة أطراف الأزمة السورية.
أسر مقاتلو التنظيم "الجاسر" مطلع عام 2015، في السابع والعشرين من يناير بالتحديد، وبقى في السجن شهرا ونصف تقريبا، بتهمة العمل مع المنظمات الإنسانية، والتي يعتبرها التنظيم "كافرة." رغم أن موافقته على عملها، بحسب الجاسر.
يروى الجاسر، الذي ولد في دير الزور ولكنه عاش حياته في الرقة، تفاصيل اعتقاله للمرة الأولى لدى داعش، قائلا: "اعتقلوني أنا وخمسة آخرين كنّا نعمل في نفس المنظمة، وبعد شهر ونصف من التحقيقات المتواصلة، أفرجوا عنّا جميعا، إلا شخص واحد أبقوه معهم، لأنه كان ضابط سوري مُنشق".
لم يتعرض الجاسر في هذه الفترة لوسائل التعذيب الوحشية التي اشتهر بها مقاتلو داعش، إذ أن التنظيم كان يحاكم ويعذب معتقليه وفقا للاتهامات الموجهة إليهم، أو حسب القضية التي اعتقلوا على إثرها، وبحسب الجاسر، فإن الصحفيين كانوا أكثر من واجه أشد وأقسى وسائل التعذيب، أو من يشك التنظيم في أنهم يتعاملون مع التحالف، أو يوثقون جرائم داعش بالتصوير أو التسجيل، ويقول: "أما كانوا ينمسكوا كانوا بيعذبوا بطريقة بشعة جدا، تصل إلى تكسير الايدين والرجلين".
"سجون داعش"
أقام داعش العديد من السجون داخل الرقة، إلا أن السجن الرئيسي كان في الملعب الرياضي الموجود وسط المدينة، فأسسوا زنازين تحت الأرض، وحفروا بها أنفاق تمكنهم من نقل المساجين من مكان إلى مكان دون أن يراهم أحد، بحسب ما أكده مُراسل شبكة (سي إن إن) الإخبارية، والذي قام بجولة في المنطقة عقب تحريرها بالكامل من أيدي المقاتلين في 17 أكتوبر الجاري.
وعلى جدران الزنازين، دوّن المعتقلون أسباب احتجازهم، وكتب أحدهم باللغة الانجليزية: "لمن يقرأ هذا الكلام، أنا كنت هنا لأني استخدمت موقع تويتر، وجهاز تحديد المواقع على هاتفي المحمول، والذي قد يكشف عن مواقع التنظيم، ويمكّن التحالف من شنّ الغارات عليهم".
وكشفت صور ومقاطع فيديو للسجون نقلتها شبكة سكاي نيوز، أن مقاتلي التنظيم قيدوا السجناء في أسرّة معدنية، وعرضوهم لصدمات كهربائية، كما استخدموا أجهزة تعذيب.
وظهر في الصور أيضا سلاسل وأحبال تتدلى من اسقف بعض الصالات الرياضية، التي حولها التنظيم إلى مراكز احتجاز، تُستخدم لضرب الضحايا قبل أن يتم سحبهم إلى الملعب.
لم يتوقف الجاسر عن العمل مع المنظمات الإغاثية، إلا أن التنظيم اعتقله مرة أخرى بعد أربعة أشهر، وبقى في السجن هذه المرة حوالي ثلاثة أشهر، وكان سبب الاعتقال "الاختلاف مع توجهات داعش"، والقيام بأعمال تتعارض مع أعمال "ديوان الطبية" وهو ما يعادل وزارة الصحة، إذ أن المنظمة الإغاثية كانت تقدم الأدوية والمستحضرات الطبية مجانا للمواطنين، وهذا ما تعارض مع أعمال الديوان الداعشي، "لأنهم كانوا يشتروا أدوية على حسابهم، ونحن لما نجيب الادوية ببلاش وننزلها في المشافي الناس ما راح تشتري، وهما كانوا بدهم يكسبوا"، على حد قول الجاسر.
لم يكن التعذيب، الذي وصل إلى حد الضرب المُبرح مشكلة الجاسر وغيره من المعتقلين الوحيدة، فكان التنظيم يحتجزهم في مهاجع (غرف)، ويضع بها "شاشات بلازما" ويعرضوا عليها أحدث اصداراتهم من مقاطع فيديو وصور لكيفية قتل مقاتلوه للمواطنين، وتعذيبهم.
وبخلاف ذلك، شكّل قصف قوات التحالف بقيادة أمريكا خطرا آخر على معتقلي التنظيم، ويقول الجاسر: "كنا محتجزين بالملعب البلدي، في النقطة 11، ومرة صار القصف بالمكان إللي كنّا فيه".
وكان التحالف الدولي بقيادة أمريكا، قد قرر شن غارات جوية على معاقل داعش في سوريا والعراق في منتصف عام 2014، وذلك عقب إعداد تقارير بريطانية وأمريكية تؤكد ارتكاب التنظيم للعديد من الانتهاكات بحق المدنيين، وقيامه بعمليات سرقة ونهب في المناطق التي يسيطر عليها.
"انتهاكات صيدنايا"
ولم تكن مسألة الاعتقال جديدة على الجاسر، إذ أنه كان أحد معارضي نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكان عضوا في مجموعة مُناهضة لحكمه، فتم اعتقاله عام 2008، وأُحيل إلى أمن الدولة، وُحكم على المجموعة المكونة من 11 شخصا بالإعدام، "ضلينا بفرع المُخابرات تقريبا لمدة سنة، ثم تم تحويلنا لسجن صيدنايا"، ولكن بعد الثورة ألغي قانون الطوارئ، ونُقلت المجموعة إلى السجون المدنية، وبقى الجاسر وزملائه في سجن الرقة سنة وشهرين، ثم خرجوا بمرسوم العفو، وبقى في الرقة.
تعرض الجاسر لأشد أنواع التعذيب خلال تواجده في فرع المخابرات، من ضرب وتعليق في الجدران، وإغراقهم في المياه الساخنة، إلا أن أقسى ما واجهه، كان تواجده بين حوالي 120 آخرين في غرفة مساحتها لا تتجاوز مساحتها خمسة أمتار، ويقول: "كنّا نوقف على رجل واحدة".
ويعتقل النظام السوري آلاف المساجين في سجن صيدنايا، الذي يديره الجيش ويعد اضخم سجون البلاد ويقع على بعد 30 كلم تقريبا شمال العاصمة السورية دمشق.
وأصدرت منظمة العفو الدولية عدة تقارير، تدين فيها النظام السوري، وتتهمه بتنفيذ إعدامات جماعية سرية بحق 13 ألف مُعتقل، أغلبهم من المدنيين المعارضين في سجن صيدنايا خلال خمس سنوات من النزاع في سوريا.
ووصفت المنظمة الحقوقية السجن السوري بـ"المسلخ البشري"، الذي يتعرض له المواطنين لأهوال لا يُمكن تصورها.
وفي المقابل نفى النظام ما جاء في تقارير العفو الدولية، مؤكدا أنها اتهامات لا أساس لها من الصحة.
"مأساة حقيقية"
سُجن الجاسر أكثر من مرة، بعد افراج النظام عنه وقبل أن يصبح أسيرا لدى داعش، فاعتقلته جبهة النصرة خلال الفترة التي سيطرت فيها على الرقة، بتهمة "احضار مواد إغاثية إلى المدينة السورية"، ووضعوه بزنزانة منفردة مُظلمة لم تتجاوز مساحتها متر مربع، وبقى لديهم 10 أيام، حتى انتهى التحقيق وتأكدوا من أنه لا يقوم بأي شيء ضد القانون.
وألقت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) القبض عليه خلال عبوره من مناطق سيطرة الأكراد، لأنه كان يحمل كاميرا يوجد على ذاكرتها فيلم وثائقي عن جنود مُنشقين عن جيش النظام، ولكنهم أطلقوا سراحه بعد توسط أحد الجهات.
وبعد ما قضاه الجاسر في بلاده، قرر أن يخرج من سوريا، خاصة وأن بعض مقاتلي داعش والذين كانوا محتجزين معه في سجون النظام قبل قيام الثورة أخبروه أنه سيُعدم إذا بقى في الرقة، فتوجه مع عائلته إلى تركيا حيث يعيش حتى الآن.
ورغم الاحتفالات التي تُقام الآن في الرقة بعد تحريرها من داعش، إلا أن الرجل السوري لا ينظر للأمر بعين متفائلة، وأرجع ذلك إلى أن مدينته تعيش مأساة فعلية، فتدمرت بشكل كامل، ويحاول الأكراد الاستيلاء عليها، قائلا: "بحصولهم على الدعم الأمريكي، رفعوا صور زعيمهم (عبد الله) أوجلان (زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا).. إللي بيملك البندقية يملك القرار".
فيديو قد يعجبك: