إعلان

كيف رسخت إيران أقدامها في أفغانستان؟

12:10 م الخميس 10 أغسطس 2017

سعت إيران للتقارب من طالبان للمساعدة في بسط نفوذها

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – سامي مجدي ومحمد الصباغ:
عادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية لملفها "استدارة إيران" مرة أخرى. فبعد موضوعها المنشور في 15 يوليو الماضي عن مساعي طهران لبسط نفوذها في العراق، واستغلالها الانسحاب الأمريكي من بلاد الرافدين لصالحها، نشرت قبل أيام موضوعها الثاني في تلك السلسلة التي تتبع النفوذ الفارسي في المنطقة.

كانت أفغانستان هذه المرة.

تتحدث الصحيفة عن التعاون الإيراني مع حركة طالبان، عدوها السابق، لتثبت مصالحها في أفغانستان وبسط نفوذها في البلد المجاور.
كما تكشف عن لقاءات أتمها زعيم الحركة السابق الملا محمد منصور قبل مقتله مع مسؤولين إيرانيين – ومسؤولين روس بدعم من طهران.

وتوضح أيضا كيف أن إطاحة الولايات المتحدة بحكومة صدام حسين في العراق وقبلها حكومة طالبان في أفغانستان – وكليهما من الأعداء الرئيسيين لإيران – ساعدت الجمهورية الإسلامية في بسط نفوذها في البلدين. وإلى نص الحلقة الثانية من "استدارة إيران":

إيران ترسخ أقدامها في أفغانستان مع تلاشي الحضور الأمريكي

NTt1
يتذكر ضابط شرطة يحرس ضواحي المدينة اتصالا من قائده، يحذره فيه من أن مئات من مقاتلي حركة طالبان في طريقهم إليها.
يقول الضابط نجيب الله أميري، 35 سنة، "في غضون نصف ساعة، هجموا." اندفعت طالبان في الحقول المحيطة بموقعه واستولت على الضفة الغربية للنهر في مدينة فرح، عاصمة الولاية التي تحمل نفس الاسم.

كانت تلك بداية حصار استمر ثلاثة أسابيع في أكتوبر، وبعد استدعاء الدعم الجوي الأمريكي لإنهائه، ومع انقشاع الدخان أدرك مسؤولو الأمن الأفغان من كان وراء الضربة الصاعقة: إيران.

قال مسؤولون استخباراتيون أفغان إن أربعة قادة إيرانيين بارزين كانوا من بين عشرات القتلى، مشيرا إلى جنازاتهم التي شيعت في إيران. وأبلغ مسنون في القرية مسؤولي الولاية الأفغانية، بأن الكثير من قتلى طالبان وجرحاها نقلوا عبر الحدود القريبة مع إيران؛ حيث يتم تجنيد المقاتلين وتدريبهم.

كان الهجوم الذي جاء بالتنسيق مع هجمات أخرى في العديد من المدن الأخرى، ضمن أكثر محاولات طالبان طموحا منذ 2001 لاستعادة السلطة. لكنه كان أيضا جزءا من حملة إيرانية متسارعة لاستغلال الفراغ الذي تركته مغادرة القوات الأمريكية – كانت تلك أكبر اندفاعة إيرانية في أفغانستان على مدى عقود.

ورثى الرئيس ترامب مؤخرا خسارة الولايات المتحدة حربها في أفغانستان المستمرة منذ 16 سنة، وهدد بإقالة الجنرالات الأمريكان المسؤولين عن العمليات هناك.
مما لا شك فيه أنه كلما اتجهت الولايات المتحدة نحو إنهاء الحرب الأفغانية تدريجيا – وهي أطول حرب في التاريخ الأمريكي وتكلفت نصف تريليون دولار وقتل فيها أكثر من 150 ألف شخص من كل الأطراف – كلما شق الخصوم الإقليميين طريقهم إليها.

ولا تزال المملكة العربية السعودية وباكستان لاعبين مهيمنين. لكن إيران تلعب لعبة جريئة لتشكيل أفغانستان لصالحها.
وخلال العقد ونصف العقد الماضيين، أخرجت الولايات أعداء إيران الرئيسيين من ناحيتين من حدودها: حكومة طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق. واستغلت إيران ذلك لمصلحتها وعملت بشكل هادئ، لا هوادة فيه، لتوسيع نفوذها.

ففي العراق، استغلت الحرب الأهلية الفوضوية والانسحاب الأمريكي لخلق دولة افتراضية اصطناعية. وفي أفغانستان، تهدف إيران إلى التأكد من مغادرة القوات الأجنبية في نهاية المطاف، وأن أي حكومة تفرض إرادتها في أفغانستان لا تهدد مصالحها في الأقل، وعلى أفضل حال تكون صديقة لها أو متحالفة معها.

وقال الأفغان إن إحدى السبل التي اتبعتها إيران للقيام بذلك هي مساعدة من كانوا أعداءها في يوم من الأيام - حركة طالبان - لضمان وجود وكيل موالٍ لها وأيضا للحفاظ على زعزعة استقرار البلاد دون أن ينقلب الأمر عليها. وهو أمر حقيقي على نحو خاص على حدودهما المشتركة التي تمتد بطول أكثر من 500 ميل.

غير أن نشر قوة متمردة للاستيلاء على السلطة مقاطعة يظهر تصعيدا كبيرا - وخطيرا - في الجهد الإيراني.

NYT2

يقول ناصر هراتي، أحد ضباط الشرط الذي يحرسون الموقع خارج فرح، بغضب، "إيران لا تريد استقرارا هنا. الناس هنا يكرهون العلم الإيراني. إنهم يحرقونه."

وقد نفذت إيران عملية تدخل مكثف سري، كثير منها ظهر إلى العلن الآن فقط. إنها توفر لمسلحي طالبان المحليين الأسلحة والأموال والتدريب. ووفرت لقادة طالبان ملاذا آمنا ووقودا لسياراتهم. وحشدت مجندين في صفوف طالبان من اللاجئين الأفغان السنة في إيران، بحسب مسؤولين أفغان وغربيين.

وقال محمد عريف شاه جيهان، المسؤول الاستخباراتي البارز الذي ترقى مؤخرا ليتولى منصب حاكم ولاية فرح، إن "السياسات الإقليمية تغيرت. أقوى (عناصر) طالبان هنا هم (عناصر) طالبان إيران."

ومن غير المرجح أن تبدو إيران وطالبان -وهما خصمان لفترات طولية؛ أحدهما شيعية والأخرى سنة – في مظهر الأصدقاء؛ فطهران خاضت حربا مع الحركة عندما قتلت ميليشياتها 11 دبلوماسيا إيرانيا وصحفيا حكوميا إيرانيا في معركة وقعت في 1998.
بعد ذلك، دعمت إيران المعارضة المناوئة لطالبان -وتعاونت في بادئ الأمر مع التدخل الأمريكي في أفغانستان الذي أطاح بالحركة من السلطة (في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001).

بيد أنه مع توسع مهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بدأ الإيرانيون بهدوء في دعم طالبان لإدماء الأمريكيين وحلفاءهم عبر زيادة كلفة التدخل حتى يرحلوا من البلاد.
وقد بدأت إيران في النظر إلى طالبان ليس فقط على أنها أدنى أعدائها بل أيضا كقوة وكيلة مفيدة لها. وكان للظهور الأخير لتنظيم الدولة الإسلامية الذي نفذ هجوما إرهابيا على البرلمان الإيراني هذا العام، في أفغانستان إضافة لجاذبية طالبان.

وفي القاعات الرخامية الخاوية في السفارة الإيرانية في كابول، نفى السفير محمد رضا بهرامي أن تكون إيران تدعم طالبان، وأكد أن بلاده استثمرت أكثر من 400 مليون دولار لدعم وصول أفغانستان إلى الموانئ على الخليج العربي.

وقال في مقابلة العام الماضي "نحن مسؤولون. (وجود) حكومة قوية مسؤولة في أفغانستان يحقق مزايا أكثر لتعزيز علاقاتنا أكثر من أي شيء اخر."
بيد أن وزارة الخارجية والحرس الثوري الإيرانيين يعملان كأذرع سياسية تكميلية – الأولى تبذر بشكل علني التأثير الاقتصادي والثقافي، فيما يعمل الثاني (الحرس) كقوة تخريبية من وراء حجاب.

يقول مسؤولون أفغان إن إيران أرسلت فرق اغتيال، وترعى جواسيسا سرا وتسللت إلى صفوف الشرطة والأجهزة الحكومية، خاصة في الولايات الغربية.

حتى أن أرفع قادة الناتو في ذلك الوقت في أفغانستان، الجنرال البريطاني السير ديفيد ريتشاردز، اكتشف أن إيران جندت مترجمه، العريف دانيل جيمس، وهو بريطاني-إيراني. حكم على جيمس بالسجن عشر سنوات لإرساله رسائل مشفرة إلى الملحق العسكري الإيراني في كابول خلال جولة عمل في 2006.

الأمر الأحدث، تمثل في تحرك إيران بشكل شديد لتعزيز تمرد طالبان، الأمر الذي جعل القوات الأمريكية تهرع إلى ولاية فرح للمرة الثانية في يناير لصد هجوم طالبان.
قال المحلل العسكري، جاويد كوهيستاني، المقيم في كابول، "اللعبة الإيرانية شديدة التعقيد."

عندما خاضت القوات الأمريكية حروبا طويلة ومكلفة أطاحت بأعداء إيران الرئيسيين (طالبان وصدام حسين)، خدمت تلك الحروب مصالح إيران بشكل كبير. لكن الأمريكيين وحلفاءهم حققوا استفادتهم. وتتبع إيران استراتيجية الموت من خلال آلاف التقليصات "لاستنزافهم وتكلفتهم أكثر."

NYT3

توسع طَمُوحْ

ظهر عمق العلاقات الإيرانية مع طالبان على السطح بشكل غير متوقع العام الماضي. طائرة بدون طيار أمريكية ضربت سيارة أجرة (تاكسي) على طريق صحراوي في جنوب غرب باكستان، الأمر الذي أدى إلى مقتل السائق وزبونه الوحيد.

لم يكن الراكب (الزبون) سوى زعيم طالبان، الملا أختر محمد منصور. وهو إرهابي مطلوب على رأسه مكافأة أمريكية، وكان على لائحة عقوبات الأمم المتحدة من قبل 2001. كان الملا منصور يسافر بدون حراس أو أسلحة، واثقا وهادئا من منزله في باكستان.

كشفت الضربة، وهي الثانية منذ اكتشاف أسامة بن لادن في بلدة أبوت آباد الباكستانية عن مستوى التواطؤ الباكستاني مع الإرهابيين المطلوبين. كانت تلك هي المرة الأولى التي تنفذ فيها الولايات المتحدة هجوما بطائرات بدون طيار (الدرونز) في ولاية بلوشستان الباكستانية، وهي ملاذ آمن منذ فترة طويلة لحركة طالبان، لكن حتى ذلك الحين كان بعيدة عن الطائرات بدون طيار الأمريكية بسبب الاحتجاجات الباكستانية.

الأمر الأكثر أهمية هو أن الملا منصور كان عائدا من رحلة إلى إيران، حيث التقى مع مسؤولين أمنيين إيرانيين – وعبر إيران مع مسؤولين روس.

أكد مسؤولون أفغان ودبلوماسيون ومحللون أمنيون غربيون وقيادي سابق في طالبان على صلة بالدائرة المقربة للملا عمر، تفاصيل اللقاءات (التي أجراها الملا منصور).
وأقرت روسيا وإيران بأنهما عقدتا لقاءات مع طالبان لكنهما أصرتا على أن اللقاءات كانت بغرض المعلومات فقط.

شكَّل قيام زعيم طالبان شخصيا بتطوير علاقات مع إيران وروسيا تحولًا مفاجئًا في التحالف بالنسبة لحركة طالبان المتشددة، التي دائما ما دعمت القوى السنية في دول الخليج العربي وباكستان.

لكن الأزمنة تغيرت مع انسحاب الأمريكان من أفغانستان، وسعي الملا منصور لتنويع مصادر أمواله وأسلحته منذ توليه قيادة طالبان في 2013. لقد قام ب13 رحلة إلى دبي الإماراتية وواحدة إلى البحرين، وأظهر جواز سفره أيضا قيامه برحلتين على الأقل لإيران.

وبناء على هيمنة طالبان المتزايدة في أفغانستان، كان يجهز أيضا للتفاوض لإنهاء الحرب، ولعب مع كل الأطراف بشروطه، بحسب المسؤولين الأفغان الذين هم على دراية بطالبان والقيادي السابق في الحركة القريب من الدائرة المقربة من الملا منصور.

وقالوا إن ذلك كان توسعا طموها من المرجح أنه تسبب في قتله.

وقال تيمور شاران، وهو كبير محللين سابق في مجموعة الأزمات الدولية في أفغانستان، وانضم بعد ذلك إلى الحكومة الأفغانية، إن "منصور كان سياسيا ورجل أعمال داهية وكان لديه طموحات عريضة لتوسيع جاذبتيه للبلدان الأخرى."

ووفقا للسيد كوهيساني، المحلل العسكري، كان الملا منصور متشددا مع الإيرانيين عندما كان في حكومة طالبان في التسعينات. يقول هو ومحللون اخرون ومسؤولون أفغان، إن مصالحهم تداخلت في تجارة الأفيون. يشار إلى أن أفغانستان هي أكبر مصدر لذلك المخدر في العالم، فيما تعد إيران القناة الرئيسية لإخراجه.

وخاض حرس الحدود الإيراني قتالا طويلا مع مهربي المخدرات عبر الحدود من أفغانستان، لكن الحرس الثوري الإيراني وطالبان استفادا من تلك التجارة غير المشروعة، وكانا يستخلصان مستحقات من المهربين.

كان التنسيق الفني الغرض الرئيسي لرحلات الملا منصور إلى إيران، بحسب بروس ريدل، وهو محلل سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) وزميل في مههد بروكينغز في واشنطن. في ذلك الوقت في 2016 كانت طالبان تستعد لهجماتها في أنحاء ثماني ولايات أفغانية. كانت ينظر إلى ولاية فرح على نحو خاص على أنها الثمرة الناضجة.

وقال مسؤولون أفغان إن إيران سهلت لقاءً بين الملا منصور ومسؤولين روس، وآمنت أموالًا وأسلحة من موسكو للمسلحين المتمردين.

قال القيادي السابق في طالبان شريطة عدم كشف هويته لأنه انشق حديثا عن الحركة، إن محاولة الملا منصور التقارب مع إيران من أجل الأسلحة تمت بعلم كامل من جانب باكستان.
وقال "أقنع الباكستانيين بأنه يريد الذهاب إلى هناك والحصول على أسلحة، وأقنعهم أيضا بأنه لن يخضع لنفوذهم ويقبل بأوامرهم."

وقال حاج أغا لالاي، وهو مستشار رئاسي ونائب حاكم ولاية قندهار، إن باكستان كانت حريصة على توزيع عبء الدعم السياسي والمالي لطالبان وشجعت علاقات طالبان مع إيران.

وقال القيادي السابق في طالبان إن الملا منصور في رحلته الأخيرة سافر إلى العاصمة الإيرانية، طهران، للقاء مع شخص شديد الأهمية – يحتمل أن يكون المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامئني. قال القيادي السابق إنه يستقي معلوماته من أعضاء في الدائرة المقربة من الملا منصور.

وقال السيد لالاي، الذي تحدث إلى أقارب زعيم طالبان، إن الملا منصور بقى لمدة أسبوع (في إيران) والتقى أيضا مع مسؤول روسي بارز في بلدة زاهدان.
وأضاف هو ومسؤولون أفغان اخرون أنه على نحو شبه مؤكد كان يبحث تصعيد المساعدة الإيرانية والروسية قبل مقتله. وأشاروا إلى زيادة في الدعم الإيراني لطالبان خلال قيادته ومنذ ذلك الحين.

وقال المسؤولون الأفغان إن اللقاء مع الروس كان على ما يبدو خطوة أبعد كثيرا. فقد توسعت علاقاته مع إيران وروسيا إلى الحد الذي هدد سيطرة باكستان على الحركة.
وقال سيث غي. جونز، المدير المشارك في مؤسسة راند، إن الولايات المتحدة كانت على دراية بتحركات الملا منصور بما في ذلك مغامراته في إيران، قبل الضربة بفترة، وكانت تشارك المعلومات مع باكستان.

وأضاف أن باكستان قدمت أيضا معلومات مفيدة "كانوا داعمين جزئيا لاستهداف منصور."
وقال الجنرال جون نيكولسون، القائد الأمريكي لقوات التحالف في أفغانستان، إن الرئيس باراك أوباما وافق على الغارة بعد أن فشل الملا منصور في الانضمام إلى محادثات السلام التي كانت ترتبها باكستان.

وقال الكولونيل أحمد مسلم حياة، ملحق عسكري أفغاني سابق في لندن، إنه يعتقد أن الجيش الأمريكي حقق نقطة (لصالحه) بضربه الملا منصور أثناء عودته من إيران.
وقال "عندما يستهدفون أشخاصا مثل هذا، يتتبعونهم لأشهر. كان ذكيا القيام بذلك لرمي الشبهة على إيران. كانوا يحاولون خلق فجوة بين إيران وطالبان."

لكن لالاي قال إنه لو كانت تلك هي نيتهم لما نجح الأمر، بالنظر إلى الطريقة التي تابع بها زعيم طالبان الجديد مولاوي هبة الله أخوندزادا، عمل سلفه.
وقال "لا أعتقد أن التواصل انقطع. هبة الله لا يزال يتواصل مع إيران. سيبحثون بشكل ماس عن مزيد من الأموال إذا أرادوا توسيع القتال."

NYT4

خدعة "إيران الصغرى"

لا مكان في أفغانستان يمكن فيه الشعور بعمق النفوذ الإيراني أكثر من مدينة هرات غربي البلاد، الواقعة على مرمى البصر من الحدود الإيرانية.
نزح 2 مليون لاجئ أفغاني إلى إيران خلال الغزو السوفيتي في الثمانينيات. ويعيش الآن 3 مليون ويعملون في إيران حاليًا. تعد هرات، وفي بعض الأحيان يطلق عليها "إيران الصغرى"، البوابة الرئيسية بين البلدين.

يتحدث الناس في هرات بلكنة إيرانية. المدارس والكليات والمكتبات الإيرانية تملأ الشوارع. ترتدي النساء الشادور الأسود المفضل في إيران، والذي يغطي من الرأس إلى القدمين. وتمتلئ المحلات بالحلوى والمنتجات الإيرانية.

وبرغم أن المدينة هي إحدى المناطق الأكثر سلمية وهدوءً، لكن رائحة المؤامرة مترسخة فيها.
يقول المسئولون المحليون إن المدينة تمتلئ بالجواسيس الإيرانيين، والمخبرين وفرق الاغتيالات. وأضافوا أن هرات شهدت بالفعل عدد من الاغتيالات والاختطاف في السنوات الأخيرة. وقالت الشرطة إن إيران تموّل مجموعات مسلحة وعصابات إجرامية. فيما أشار عمدة سابق إلى إنها تدعم الإرهاب.

تعمل إيران في الظل. وذكر مسؤولون أفغان أن الهدف هو أن تشعل صراعات داخلية على السلطة من أجل مصلحتها، وذلك من خلال الرشاوى أو العنف أو الاختراق.

وفي أحد أيام شهر يناير، أوفدت شرطة مكافحة الإرهاب في هرات ضباطًا سريين من أجل اقتحام منزل أحد رجالهم. بدا أن شخصين على دراجتين ناريتين يتجسسان على المنزل.
خلال ساعات، احتجزت الشرطة الرجال: كانوا قتلة إيرانيين، وفقًا للأفغان. وكان الراكب على الدراجة النارية مسلح بمسدسين.

NYT5

وكشفت التحقيقات بعد ذلك أن أحد الأسلحة استخدم في جريمة قتل مواطن إيراني في هرات منذ عشرة أشهر، وفقًا لمسؤولي الشرطة.
ظل الاثنان الإيرانيان قيد الاحتجاز في أفغانستان ولم يتم توجيه اتهامات لهما إلى الآن. وأصبحا مصدرًا للخلاف بين إيران وأفغانستان.

أنكرتهما إيران، مشيرة إلى هوياتهما الأفغانية، غير أن المسئولين في أفغانستان تباهوا بهم على شاشات التلفاز وقالوا إنهما كانا يحملان أوراقًا مزورة وأنهما اعترفا بأن إيران أرسلتهما لتنفيذ جريمة اغتيال.

وقالت الشرطة الأفغانية إنها ألقت القبض على 2000 شخص في عمليات لمكافحة الإرهاب في مدينة هرات خلال السنوات الثلاث الماضية. وأضافت أن الكثير من المقبوض عليهم متمردون مسلحون ومجرمون استقروا مع عائلاتهم في إيران ثم دخلوا أفغانستان لتنفيذ عشرات الهجمات ضد الشرطة أو مسؤولي الحكومة.

تعمل إيران على تقويض الحكومة الأفغانية وقوات الأمن وأيضًا بعثة الولايات المتحدة، وذلك بجانب استمرار فرض نفوذها على أفغانستان وجعلها ضعيفة وغير مستقلة، بحسب ما ذكره مسؤولون أفغان.

وقال ضابط شرطة كبير مشيرًا إلى اكتشاف قنبلة على جانب أحد الطرق: "أمسكنا بإرهابي قتل 5 أشخاص بعبوة ناسفة". وتابع: "أطلقنا سراح فتى تم اختطافه. وأبطلنا مفعول عبوة ناسفة بالمدينة".

وخلال جولة في الصور على هاتفة أشار إلى أحد الرجال بقميص بنفسجي اللون، وقال: "أدين باختطاف 5 أشخاص". وأضاف أن معظم عمليات الاختطاف تكون جنائية بهدف الحصول على فدية، لكن على الأقل بعضها تكون بدافع سياسي.

صاحب الثلاثة وثلاثين عامًا، والمتحدث باللغة الإنجليزية، فرهاد نيايش، وعمدة هرات السابق، يبدو أكثر صراحة وسخطًا. وقال إن الإيرانيين يستخدمون قنصليتهم في المدينة كقاعدة للدعاية الإعلامية و"صناعة أنشطة إرهابية".

وقال نيايش أيضًا إن "إيران لديها دورًا مهمًا في الهجمات الإرهابية في هرات. ثلاثة من كل 4 إيرانيين تم القبض عليهم. كانت لديهم مخططات ضد مسؤولين حكوميين لا يعملون بما يخدم مصالحهم."

يقول أعضاء برلمان ومسوولون أمنيون إن إيران ترشي مسؤولي الحكومة المحلية والمركزية من أجل العمل لصالحها، وتعرض عليهم من 10 إلى 15 تأشيرة إيرانية أسبوعيًا ليوزعوها على الأقارب والأصدقاء. يزور الأفغان إيران للتجارة وتلقي العلاج ورؤية العائلة.

NYT6

وكشفت الشرطة الأفغانية عن قضايا تظهر اختراق أكبر، أيضًا. قضت محكمة بالإعدام على شرطية أفغانية، اتهمت بأنها عميلة سرية إيرانية، بعدما أطلقت النار على مدرب أمريكي في مركز شرطة في كابول في عام 2012.

وقال المسؤول الأفغاني البارز الذي رفض ذكر اسمه بسبب حساسية عمله: "جارتنا الغربية تعمل بكل جدية. وجدنا مدفعية ثقيلة كانت ستستخدم في المدينة".

وأضاف أن إيران تدعم مجموعات مسلحة مختلفة معارضة للحكومة في نصف محافظات الغرب الأفغاني. وبالرغم من نقص الموارد، تعمل الشرطة الأفغانية على كشفهم.
وتابع: "نفس النوعية من الناس لازالوا في المدينة. يقومون بعملهم، ونؤدي نحن واجبنا".

NYT7

قوة ناعمة ذي حدين

يحلم الأفغان بإعادة بلادهم الحبيسة الممزقة بفعل الحرب إلى مركز تجاري عالمي كما كانت في الماضي، حينما حملت القوافل البضائع عبر طريق الحرير من الصين إلى أوروبا، وتحرك أيضًا عبر هذا الطريق الأشخاص والأفكار.

لو كان لإيران طريقتها، فمرة أخرى سيمر طريق الحرير الجديد عبر الحدود الغربية لأفغانستان ويصل إلى إيران. هذا هو الطموح على الأقل.

على أحد جوانب الحدود الأفغانية، كانت الهند تبني طريقًا جديدًا عبر الجنوب الغربي لأفغانستان ليسمح للتجار بالمرور بباكستان، والتي طويلًا ما حظرت نقل البضائع الأفغانية.
هدف طهران من هذا الممر الحريري هو أن تضم إلى الجانب الإيراني منه طرقًا وخطوط مواصلات تنتهي عند شاطئ على الخليج العربي.

وقال السيد بهرامي، السفير الإيراني لدى كابول: "قلنا إن أفغانستان لن تكون حبيسة مرة أخرى وسنكون رهن إشارة أفغانستان،" وشدد على أن إسهامات طهران في الطريق الأفغاني لن تعطلها حتى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الدولة بسبب العقوبات.

لكن النفوذ الاقتصادي الإيراني يأتي بثمن.

قال مسؤولون في أفغانستان إن الدعم الإيراني لطالبان يهدف بشكل جزئي إلى عرقلة المشروعات التنموية التي ربما تهدد هيمنتها. والهدف الإيراني، وفقًا لمزاعمهم، إبقاء أفغانستان أكثر مرونة.

المنافسة الأكبر هي على المياه، والأفغان متشككون بأن إيران تعمل على تدمير المخططات في أفغانستان الساعية نحو إنشاء سدود قد تهدد مخزونها المائي.

NYT8

ناقشت إيران قضية السدود في المحادثات الثنائية، وانتقد الرئيس حسن روحاني مؤخرًا المشروعات واعتبرها مدمرة للبيئة.

مع اضطراب إثر 40 عامًا من الانقلابات العسكرية والحروب في أفغانستان، تعطلت خطط التنمية على نطاق واسع –مثل المشروعات الكهرومائية-منذ السبعينيات. وتقف السياسات الداخلية والخارجية أمام المساعدات الدولية التي تتوجه على أفغانستان في أعقاب عام 2001.

لكن الرئيس أشرف غني قرر بناء نمو اقتصادي، واعتبر إحدى أولوياته بناء سد في محافظة هرات، وأمر بالعمل على سد أخر وهو بخش أباد من أجل توفير مورد للري في الجانب الغربي الشاسع من محافظة فراه.

في مدينة فرح، على الرغم من الهجمتين المأساويتين لحركة طالبان على العاصمة الإقليمية في أكتوبر ويناير، إلا أن الجميع لا يتحدث سوى عن سد بخش أباد.
"لا نريد مساعدات من منظمات غير حكومية أو من الحكومة"، قالها محمد أمين، الذي يمتلك مزرعة خضروات مزدهرة، ويزرع الخيار والطماطم تحت صوبات بلاستيكية. وأضاف: "نحن في فرح لا نريد أي شيء. فقط بخش أباد".

افتقاد أفغانستان للري يجعل من المستحيل عليها منافسة أسعار المنتجات الإيرانية، وهو أمر قد يحله "بخش أباد" وفقًا لما قاله المزارع.
لايزال المشروع في مرحلة التخطيط. لكن السد، والوعود بالري والكهرباء إلى أشخاص لا يمتلكونها، حلم قوي. لكن إذا لم تفسده إيران.

وقال السيد "لالاي" مستشار الرئيس للعلاقات مع إيران: "القضية الأكثر أهمية هي المياه. أغلب مياهنا تذهب إلى الجيران. لو كنا في وضع أفضل، ربما أعطيناهم أقل."

NYT9

سلام أم حرب بالوكالة؟

بمقتل الملا منصور، انتهى الرابط الحيوي لإيران مع حركة طالبان. لكنه أيضًا كسر الحركة، مخلفًا عدد من الاختلالات الكبيرة وفتح فرصًا للاخرين، ومن بينهم إيران، للتدخل

تلقي الغالبية العظمى من حركة طالبان بمسؤولية مقتل الملا منصور على باكستان. لقد عمقت تلك الضربة من خيبتهم التي يشعرون بها تجاه رعاتهم لفترة طويلة في باكستان.
وغادر حوالي 20 قائدًا في طالبان، ومن بينهم بارزين مقربين من الملا منصور، قواعدهم السابقة في باكستان.

هؤلاء انتقلوا بهدوء إلى جنوب أفغانستان، واستقروا مرة أخرى في قراهم، تحت حماية القوات المحلية الرسمية الأفغانية التي تأمل في تشجيعهم على الابتعاد عن التمرد من أجل مصالحة مع الحكومة.

أما من لهم عائلات فبقوا في باكستان يعيشون تحت رقابة مشددة وتحت سيطرة المخابرات الباكستانية، وفقًا لما قاله القائد السابق في طالبان، الذي ترك القتال وانتقل مع عائلته إلى أفغانستان هربًا من الانتقام.
وأضاف أنه أصبح غير متأثرًا بدرجة كبيرة بتوجه باكستان في الحرب. وقال: "نعلم جميعًا أنها حرب باكستان، ولا تخص أفغانستان. باكستان لم ترد أبدًا لأفغانستان السلام."

السؤال الآن: هل تريده إيران؟

بالنظر إلى تهديد الدولة الإسلامية كمبرر، ربما تختار إيران بمساعدة روسية، أن تعمق الحرب بالوكالة في أفغانستان مما يسمح بتقويض وحدة الحكومة التي تعاني بالفعل.

وربما تشجع السلام، كما فعلت في السنوات الأولى بعد 2001 ونجحت مع أفغانستان، من أجل ضمان الاستقرار على الأقل بأحد حدودها.
إلى الآن، وجدت إيران ومعها روسيا هدفا مشتركا شبيهًا بعلاقتهم في سوريا، بحسب تحذيرات من مسؤولين أفغان بارزين.
ومع تشجعهم من تجربتهم في سوريا، حذر المحلل السياسي، تيمور شاران، من أن البلدين تريدان البناء على شراكتهما من أجل إلحاق الضرر بالولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان.

ومع وجود القوات الأمريكية في أفغانستان، فالسباق نحو فرض النفوذ على طالبان هو المتزايد حاليًا.
وقال السيد عارف شاه جيهان، ضابط المخابرات الأفغاني السابق وحاكم فرح حاليًا: "باكستان تساعد طالبان صراحة"، وأضاف: "روسيا وإيران تساعدان طالبان بشكل غير مباشر. ربما نصل إلى المرحلة التي يتدخلون فيها بشكل علني".

واستمر في حديثه: "أعتقد أنه لا يجب علينا منحهم الفرصة. أو ستكون أفغانستان مكان تنافس علني لهذه الدول."
وحذر وزير الخارجية الأفغاني السابق، رانجين دادفار سبانتا، من أن البلاد تواجه خطر التوجه نحو صراع أكبر بين القوى السنية من الخليج العربي وبين إيران الشيعية.

وقال: "يجب على أفغانستان الابتعاد عن تنافس القوى الإقليمية. نحن ضعفاء."
يتفاءل بعض المسؤولين من أن إيران ليست عدوًا لأفغانستان، لكن المشهد بشكل عام مشوش.

كما يقول المدير التنفيذي للحكومة الأفغانية، عبدالله عبدالله، حول العلاقة مع إيران إن هناك "مستوى جيد من التفاهم". وأضاف: "ما نسمعه هو أن التواصل مع طالبان هو لتشجيعهم على السلام بدلًا من الأنشطة العسكرية".

وحذر محمد رحيمي، محافظ هرات، من أنه لو سقطت مدينة فرح في أيدي طالبان، سيكون الجانب الغربي من البلاد بالكامل مفتوحًا أمام المتمردين.
ازداد التدخل الإيراني حاليًا لدرجة أنها تضع الدولة بأكملها في خطر عودة طالبان، وليس المحافظة فقط.

لكن ربما تكون قد مُنعت، من وجهة نظر شاران الذي قال: "الحقيقة أن أمريكا خلقت هذه الفجوة". وأضاف: "هذا الفراغ شجع الدول على التدخل. القضية السورية أعطت إيران وروسيا الثقة، وهذه الثقة تظهر الآن في أفغانستان".

لقراءة الموضوع الأصلي.. اضغط هنا

NYT10

اقرأ أيضا:

كيف سيطرت إيران على العراق بعد أن "سلمته أمريكا"؟

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان