إعلان

الجغرافيا التي جنت على غزة

سليمان جودة

الجغرافيا التي جنت على غزة

سليمان جودة
07:01 م الأحد 22 أكتوبر 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول


في أعقاب عودته من زيارته إلى إسرائيل ، ذكر الرئيس الأمريكي جو بايدن ، أنه يدرس تمويلين أحدهما بستين مليار دولار لأوكرانيا ، والثاني لإسرائيل بعشرة مليارات ، وأنه سيرسل طلباً بالتمويلين إلى الكونجرس .

كان بايدن ذهب إلى تل أبيب في السابع عشر من هذا الشهر ، وأراد بزيارته أن تكون " رسالة طمأنة " للإسرائيليين ، الذين فاجأهم هجوم كتائب عز الدين القسام في السابع من أكتوبر ، كما لم يفاجئهم شيء منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣ .

وفي طريق العودة إلى واشنطون ، تحدث الرئيس الأمريكي مع الصحفيين على طائرته ، وأشار إلى موضوع التمويلين .

ولا بد أن الذين سمعوا أو قرأوا اسم أوكرانيا في حديثه قد أدهشهم أن يكونوا قد نسوا الاسم إلى هذا الحد .. فلا حديث يعلو هذه الأيام على حديث غزة ، ولا صوت تجده في كل مكان إلا صوتها ، ولا قضية تزاحمها أو تنافسها في خريطة اهتمامات الرأي العام ، سواء كان رأياً عاماً هنا في المنطقة ، أو في الإقليم ، أو في العالم على اتساعه وامتداده .

وبالطبع .. فإن حديث بايدن عن تمويل بهذا الرقم لأوكرانيا ، يعني أن انشغال واشنطون بالحاصل في غزة لا ينسيها أن هناك قضية كانت إلى قبل السابع من أكتوبر تسيطر على اهتمامات الرأي العام في كل مكان ، وكانت هي القضية رقم واحد في كل صحيفة وعلى كل شاشة ، فإذا بالسابع من أكتوبر يأتي ليزيحها في الهامش ويستولي هو على كل اهتمام !

مسكين الرئيس الأوكراني زيلينسكي وهو يحاول منذ هجوم القسام تذكير العالم بأن أوكرانيا لا تزال تقاوم الروس ، وأنها ترسل المُسيرات على الأراضي الروسية ، وفي منطقة القرم ، ولكن كل ذلك من جانبه بدا ويبدو غير ذي جدوى، لأن نظر العالم كله متجه إلى غزة !

مسكين لأن قضية بلاده تبدو وكأنها هي التي دفعت الجزء الأكبر من ثمن الحرب على غزة ، ولهذا السبب فإنها كانت ولا تزال تحاول العودة إلى بؤرة الإهتمام كما عشنا نعرفها ، منذ أن أطلق الرئيس الروسي عمليته العسكرية على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير من السنة الماضية .

ولو طالت الحرب على غزة أكثر من هذا ، فسوف تكون إطالتها على حساب أوكرانيا ، التي ستدفع ثمن ذلك من انصراف الإهتمام عنها ، ومن تراجع حفاوة المتابعين بها وبأخبارها ، ومن عدم وجودها حية في وجدان الناس في كل مكان كما كانت .

ولم تكن أوكرانيا وحدها ضحية للحرب على غزة ، وإنما كان معها السودان الذي تراجعت أخباره في وسائل الإعلام ، ولم تعد تجد مكان الصدارة كما كانت عند بداية الحرب في ١٥ أبريل ، رغم أن الحرب لا تزال كما هي ، ورغم أن الجيش لا يزال يقاتل قوات الدعم السريع ، ورغم أن الضحايا لا يزالون بتساقطون على الجانبين !

وعندما أعلن الإتحاد الأفريقي ومنظمة إيجاد أنهما تقدما بمبادرة لوقف الحرب ، فإن أحداً لم يهتم وكأن الأمر في السودان متروك لأهله يحسمونه بالطريقة التي يرونها مناسبة ! .. وحين أعلنت الأمم المتحدة أن العائلات المتضورة جوعاً في السودان زادت مرتين لم تهتز شعرة في رأس العالم ! .. وكان هذا هو الحال نفسه عندما أعلنت أوكرانيا استخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى " أتاكمس " ضد روسيا للمرة الأولى !

طبعاً العالم منشغل بإسرائيل على وجه التحديد في موضوع غزة ، أكثر منه انشغالاً بقضية الغزاويين الذين شاء سوء حظهم أن يكونوا على جوار مع اسرائيل ، وإلا ، فهل كان من المتخيل أن يحتشد العالم كله هكذا إزاء ما يجري ضد قطاع غزة كما هو حاصل ، لو كان القطاع على موقع آخر فوق الخريطة لا يتجاور فيه مع اسرائيل ؟

ضحايا غزة ليسوا فقط الذين سقطوا شهداء على أرضها ، فأوكرانيا من بين ضحاياها وكذلك السودان ، ولكن عذر غزة أنها لا يد لها في ذلك ، فالجغرافيا هي التي جنت وتجني عليها ، وسوء الحظ هو الذي ساق اسرائيل لتكون جارةً لها .

إعلان