إعلان

عما جرى في نيامي

الكاتب الصحفي سليمان جودة

عما جرى في نيامي

سليمان جودة
07:01 م الأحد 01 أكتوبر 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

الكلام عن النيجر وما جرى فيها ، هو كلام عن دولة شبه جارة لنا ، لا لشيء ، إلا لأنها على علاقة جوار مباشر مع ليبيا .

ولا بد أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يتابع الحالة التي وصلت إليها علاقة بلاده مع النيجر ، ولسان حاله يردد ما كان الإمام محمد عبده يردده ويقول : لعن الله السياسة ، وساس ، ويسوس ، وسائس ، وكل مرادفات وتفريعات الكلمة .

ذلك أن علاقة البلدين كانت على ما يرام حتى السادس والعشرين من يوليو ، وكان الرئيس النيجري محمد بازوم يوصف بأنه رجل فرنسا في النيجر ، وكان ماكرون يستقبله في قصر الإليزيه كما يستقبل الضيوف الكبار .

ولكن ما كادت شمس ذلك اليوم من يوليو تطلع على أفريقيا ، حتى كان الجنرال عبد الرحمن تياني ، قائد الحرس الرئاسي في العاصمة النيجرية نيامي ، قد استولى على السلطة وحدد إقامة بازوم ، وجعل من نفسه حاكماً للبلاد ومعه بعض رفاقه .

ومن بعدها إلى اليوم صارت علاقة باريس مع نيامي تنتقل من سيء لأسوأ ، ووصلت في سوئها الى حد أن السلطة الجديدة التي جاءت بعد بازوم جردت السفير الفرنسي من حصانته الدبلوماسية ، وطلبت من الشرطة إخراجه من البلاد بالقوة إذا لزم الأمر .

وكان موقف ماكرون فريداً من نوعه ، لأنه رفض أولاً مغادرة السفير الذي بقي في السفارة وفي محل إقامته لا يغادرهما ، ولأن الرئيس الفرنسي كان ولا يزال يقول إنه لا يعترف إلا ببازوم ، وأن بازوم هو مَنْ يقول إن على السفير الفرنسي أن يغادر أم لا ؟

وفي يوم روى ماكرون أن السفير محاصر في بيته ، وأنه لا يحصل من الطعام إلا على الحصص الغذائية العسكرية .. وكان ذلك غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين ، وفي تاريخ العلاقات بين الدول بوجه عام ، فلم يحدث من قبل أن طلبت دولة من سفير دولة أخرى لديها أن يغادر ، فرفض المغادرة وبقي رغم أنف الدولة المضيفة !

ولكن ماكرون لم يجد مفراً في النهاية من سحب السفير ، ولا وجد مفراً من سحب القوات الفرنسية الموجودة في نيامي ، والتي يصل عدد أفرادها إلى ١٥٠٠ فرد عسكري .. ولم يشأ الرئيس الفرنسي أن يترك الباب مفتوحاً أو حتى موارباً ، فقال وهو يسحب السفير والقوات إن الرئيس هو بازوم ، وإنه لا شرعية لسواه في نيامي !

لقد خسرت فرنسا النيجر في غمضة عين ، وعندما هددت بإعادة بازوم بالقوة لم يكن تهديدها من الحكمة السياسية في شيء ، لأنه ليس من الممكن أن يحكم رئيس بلداً بهذه الطريقة التي يريدها ماكرون ، ولأن هذا التهديد جعل مالي وبوركينا فاسو ، وهما دولتان مجاورتان للنيجر ، تعقدان معها اتفاقية دفاع مشترك ، فكأن عداء النيجر للحكومة الفرنسية قد صار عداءً من ثلاث دول !

كان الموقف الفرنسي قائماً على عدد من المبادئ من وجهة نظر الرئيس الفرنسي ، ولكن السؤال الذي لم يسأله ماكرون لنفسه هو كالتالي : منذ متى كانت المبادئ من أي نوع حاكمة في العلاقات بين الدول ؟ .. لو كانت حاكمة ما لعن الأستاذ الإمام كلمة السياسة بكل مرادفاتها .

إعلان