إعلان

الحجامة بين أوهام الطب النبوي وأوهام الطب البديل

خليل العوامي

الحجامة بين أوهام الطب النبوي وأوهام الطب البديل

خليل العوامي
07:00 م الإثنين 07 فبراير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

المتعلقون، دون وعي، في مجتمعنا بكل ما هو موروث شعبي، أو كل ما يختم بأنه ديني، ويعود للرسول عليه الصلاة والسلام، يقعون فرائس سهلة للعديد من الممارسات والأفعال الخاطئة التي لا علاقة لها بالعلم، ولا علاقة لها بالدين أو الرسول، ويأتي من ضمن هذه الممارسات "الحجامة".

الحجامة في مصر تطفو إلى السطح وتخفو من حين لآخر، كغيرها من الأمور الخرافية، ولكنها في الفترة الأخيرة عادت بقوة للصورة، وأعادت تمركزها بين مختلف شرائح الناس، الذين يحتجمون ويسلمون عقولهم وأجسادهم لغير متخصصين، وبعضهم نصابين، رغم عدم وجود دليل علمي حقيقي حتى الآن يثبت فوائد الحجامة، بل العكس هو الصحيح فما جرى من تجارب يثبت مخاطرها التي تؤدي للعديد من المشكلات الصحية التي قد تصل إلى الوفاة.

وبينما كانت مزاولة الحجامة، من قبل، قاصرة على بعض أخصائيي العلاج الطبيعي في مراكزهم للتأهيل، باعتبارها نوعا من العلاجات البديلة، وكثير من المدعين العلاج زورا بـ "الطب النبوي" انتشرت مؤخرا على مستويات أكثر وأوسع في أوكار "بئر السلم" بل وفي صالات الألعاب الرياضية، بالإضافة طبعا لمن يقدمون الخدمة "ديليفري" في المنازل.

وكل هؤلاء يخدعون مرضاهم ويوقعون بهم عن طريق المصطلحات الرنانة عن العلاج البديل، وهو علم لم يكتمل، إن كان علما بالأساس، أو عن طريق التمسح بالدين وأن الحجامة من وصايا النبي، وأنها بذلك جزء من الطب النبوي بدليل أن الرسول نفسه احتجم.

أما القول بأنها من الطب النبوي، فمردود عليه بأن الإسلام ليس فيه طب نبوي، والرسول لم يكن طبيبا ليضع طبا خاصا به أو بالمسلمين، وليس كل ما فعله الرسول في حياته أمرا وجوبيا على المسلمين اتباعه، وفي القلب من هذا فكرة الحجامة، فالرسول احتجم قبل أكثر من ١٤ قرنا، حيث لم يكن هناك علوم طبية حديثة، ولم يكن العالم عرف معظم الأمراض التي نعرفها الآن، ولم يكن العالم توصل للتشخيص الدقيق للأمراض من خلال الأشعات والتحاليل وغيرها من طرق التشخيص، وبالتالي علاجها بعلاجات مجربة وفق قواعد وتجارب علمية دقيقة.

بل إن الرسول احتجم بعلاج هو ابن بيئته كنوع من المورث الشعبي للتداوي في عصره، لا بديل له، فقد كانت الحجامة معروفة في الجزيرة العربية قبل الرسالة واستمرت بعدها، بل كانت أيضا معروفة في مصر والصين قبل هذا بقرون عديدة.

أما مسألة أنها جزء من الطب البديل فمردود عليها بأن هذا المجال ليس علما، ولم تخضع معظم أدواته وطرق علاجه للتجربة الطبية السليمة الموثقة، بما في ذلك "الحجامة" التي لا يوجد دليل علمي واحد عن فوائدها أو قدرتها على شفاء الأمراض، كغيرها من الأوهام الأخرى مثل العلاج بالأعشاب والعلاج بالقرآن.

وقانونيا لا تعترف مصر بكل هذه الطرق والممارسات والمسميات المتنوعة للعلاجات، ومزاولتها تكون في الخفاء كمن يسرق ما ليس له، لأنها غير قانونية، ومجرمة وفقا للتشريعات المصرية، ولا تعترف بها وزارة الصحة باعتبارها الجهة الإدارية المنظمة لشئون الطب والعلاج.

وفي ٢٠١٧ أوصت هيئة مفوضي الدولة في محكمة القضاء الإداري برفض دعوى أقامها أحد الأطباء يطالب فيها بإلزام وزارة الصحة بالاعتراف بالطب البديل، ووصفت الهيئة الأمر بأنه "تخاريف" ليس لها أسانيد علمية ولم يثبت لها نجاحا، وليس هناك حتى توقع بأن لها فوائد.

ورغم كل هذا فقد يكون مقبولا أن يسترزق بعض الدجالين من وراء الحجامة، ويمارسون تضليل الناس بقدرتها على شفائهم تارة بأنها طب بديل، وتارة بأنها طب نبوي، ولكن الغريب في الأمر أن يمارسها بعض الأطباء، ويزاولها اخصائيو علاج طبيعي يفترض فيهم أنهم درسوا أصول العلم.

والأكثر غرابة من هؤلاء هم المواطنون الذين يواصلون تسليم عقولهم وصحتهم لمدعي علم وتدين، وينساقون وراء الأوهام والخرافات.

إعلان