إعلان

بطل هذا الزمان

د. أحمد عمر

بطل هذا الزمان

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 08 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

البطل الملحمي هو الذي يأتي في زمانه ومكانه الصحيحين، ويُواجه بشجاعة تامة وجسارة كبيرة كل التحديات والصعوبات التي تواجهه في حياته، كي يحقق ما يريد، ويصل لهدفه، وينجح في حياته، ويصنع أسطورته الخاصة، التي سوف تروى من بعده.

وهو إنسان مقاتل، لا يعرف الهروب أو الاستسلام لظلم وقبح الأمر الواقع؛ ولهذا يُثير فينا مشاعر الاحترام والتقدير، ويجعلنا نُعظّم قيم الفروسية والإصرار، والمُثابرة والشجاعة، ويُعلّمنا أن كل من سار على الدرب وصل، مهما تكن صعوبات وعثرات الطريق.

أما البطل التراجيدي، فهو مَن يأتي في غير زمانه ومكانه، ولذا فهو يُعاني في داخله بسبب غربته عن سياقه وعصره، دون أن يُظهر ذلك للآخرين، ويستمر في الإيمان بذاته ومبادئه، وفي مغالبة واقعه وقدره. وسيان عنده إن وصل لهدفه أم لم يصل، فيكفي أنه عرف ذاته وهدفه وطريقه، وظل من البداية للنهاية هو لا غيره.

والبطل التراجيدي يثير فينا بعض الإعجاب لتصميمه وقوه إرادته، وكثير من التعاطف معه لسوء حظه وتعثر مسيرته، رغم نبل أخلاقه وسمو وسائله وهدفه.

ونموذجا البطل الملحمي والتراجيدي، كما صورتهما الملاحم والتراجيديات الإنسانية الكبرى، قد صارا في عصرنا الحالي نموذجين في منتهى الندرة، لفقر وبؤس الواقع المعاصر، وهشاشة تصور الإنسان لذاته وقيمته وهدف حياته.

ولهذا عرفت الآداب المعاصرة أنموذجًا جديدًا للبطولة، هو نموذج "البطل الضد"، الذي فقد جسارة وفتوة الروح والعقل، وقوّة الإرادة والرغبة في مواصلة الرحلة، ولم يعد مشغولًا بصنع ملحمته وأسطورته الشخصية بعد مغالبة قدرة وواقعه، ولم يعد يملك شجاعة مواجهة واقعه، ومظاهر خيبة أمله، بل صار مسكونًا بهزائمه الشخصية والعامة، ومستسلمًا لقدره.

والبطل الضد هو "بطل هذا الزمان"، وهو أفضل تعبير عن حالة الإنهاك الوجودي الذي يعيش فيه الإنسان المعاصر الذي لم تعد تُغرية لعبة الحياة بالاستمرار فيها، وتحول إلى إنسان مهزوم لا مبالٍ، يتفرج على الحياة دون أن يشارك فيها.

ورغم تعاطفي الشخصي مع نموذج "البطل الضد" أو "البطل اللامبالي الكامل" وتفهمي لدوافعه ومبرراته، فإنني أرفض غواية الاستسلام لجاذبية هذا النموذج الإنساني، وأرى أن البطولة الأخلاقية والروحية والعقلية للإنسان، تُحتم عليه الاعتراف بالهزيمة، دون الاستسلام بعدها. كما تُحتم عليه أن يبحث عن أسبابها، لكي يتجاوزها ويصنع لنفسه قدرًا جديدًا، ليقينه أن الأقدار في ملكوت الله لا متناهية كذاته وقدرته.

إعلان

إعلان

إعلان