إعلان

لميس الحديدي تكتب: دولة فاشلة..!

لميس الحديدي

لميس الحديدي تكتب: دولة فاشلة..!

لميس الحديدي
10:21 م السبت 08 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

"الاقتصاد المصري ينهار".. هكذا قال وزير الاستثمار السابق في عهد الإخوان، يحيى حامد، في مقال طويل نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، منذ أيام.

المقال تداوله البعض منزعجًا وربما قلقًا من مضمونه وأرقامه- رغم أنه من الطبيعي جدًا لشخص كان وزيرًا في عهد حكم الإخوان، فشل هو وجماعته في إنقاذ البلاد لسنة كاملة حتى انتفض عليهم المصريون، يعيش خارج البلاد هاربًا حاليًا، ويتمنى صباح كل يوم أن يراها تشتعل- من الطبيعي جدًا أن يتوقع انهيار الاقتصاد بل انهيار البلاد ككل. فهل ننتظر منه مثلا أن يتمنى لنا الخير والسعادة والتوفيق؟ بالطبع لا.

الحقيقة أن أهداف الوزير السابق لا تهمنا كثيرًا، ما يهمنا هنا هو الإجابة عن السؤال الذي أقلق البعض:

هل الاقتصاد المصري ينهار؟

الإجابة التي أملكها بثقة من المعلومات المتوافرة لدينا: بالطبع لا.

وقبل القراءة الاقتصادية للمقال، لا بدَّ من قراءة سياسية؛ فالمقال بالطبع ليس موجهًا للداخل المصري قدر توجيهه للخارج وبالذات دول أوروبا. المقال يقوم على فكرة واحدة: محاولة تخويف أوروبا من دولة فاشلة جديدة على حدودها الجنوبية مثل ليبيا. فدولة بحجم مصر "سكانها 15 ضعف ليبيا" كما يقول الوزير السابق يجب أن يكون "فشلها" جرس إنذار يقلق الأوروبيين.

وهكذا يظن حامد أن تخويف الأوروبيين- وبالذات من هم جنوبي المتوسط- قد يكون آخر بطاقة يمكن أن تتلاعب بها الجماعة؛ فالدعم الدولي لمصر- غير مسبوق- حتى مع الاختلافات والخلافات في المواقف الداخلية والدولية.

هذا الدعم بالذات للإصلاح الاقتصادي أصبح شديد الإزعاج لجماعة الإخوان أو المتبقي منها، فلم يكن أحد منهم يتوقعه أو ينتظره. كما أن التضييق على جماعة الإخوان حول العالم- بعد موجات الإرهاب المتكررة- هو أيضا غير مسبوق. كوابيس لم تتوقعها الجماعة أبدًا.

واستنادا إلى تلك الفكرة، بدأ حامد يغزل أوهامه لهدم فكرة نجاح الإصلاح الاقتصادي: تارة برسم صورة سفن المهاجرين المصريين الهاربين من الدولة الفاشلة- كما يتمنى- وتارة بالحديث عن سقوط مصر تحت سيطرة صندوق النقد الدولي الذي "يتحكم" ويتلاعب بهيكل الاقتصاد مبالغًا في معدلات النمو، وتارة بالكلام عن "الخداع" و"الحقيقة المظلمة للاقتصاد" و"الانهيار" و"الإفلاس".. مفردات جميعها تستهدف رسم ملامح دولة فاشلة لجذب انتباه الأوروبيين، وتكشف عن تمنيات الكاتب بتحقق تلك الصورة، بينما هو ورفاقه يعرفون جيدًا أنها بعيدة كل البعد عن الواقع أو الحقيقة.

نأتي للقراءة الاقتصادية للمقال، والتي استخدم فيها الكاتب أرقامًا بعضها صحيح بالفعل، لكنه وظفها لتفسير منطقه والتدليل عليه، وذاك أيضا حقه. لكن من حقنا نحن أيضا، بل من واجبنا أن نقرأ الأرقام بالشكل الذي نراه صحيحا، حتى لو كنا نختلف مع بعض التوجهات الاقتصادية الحالية.

الاقتصاد المصري ينهار! مشرف علي الافلاس! لا أعرف فعلا أين هي المقدمات التي دفعت السيد حامد لتلك النتائج!

الاقتصاد أرقام ونتائج: فهل هي معدلات النمو التي ارتفعت من 2.1٪‏ في 2013 إلى 5.6٪‏ في 2018؟ (النمو يعني دخل وإنتاج وتشغيل) أم أنها معدلات البطالة التي انخفضت من قرابه 13٪‏ في 2013 وأصبحت الآن 8.1٪‏ هذا العام 2019 وهي أدنى مستوياتها منذ سنوات؟

هل الاقتصاد الذي يحقق أول فائض منذ 15 سنة (باستبعاد فوائد الديون) هو اقتصاد مقبل على الانهيار، أم أن الاقتصاد الذي يعتبره المستثمرون الأجانب أفضل الأسواق الناشئة؟ (الاستثمار في أدوات الدين رغم أنه يعد من الأموال الساخنة إلا أنه يعكس مقدار الثقة في الاقتصاد بالإضافة للمكسب من الفوائد).

فأي مقدمات أوصلت السيد حامد لتلك النتائج؟ لا بد أنها في مخيلته فقط!

ثم يتحدث السيد حامد عن سقوط مصر في براثن صندوق النقد الدولي، وقد كان هو ورفاقه يتهافتون عليه لضمان برنامج ينقذ مصر من أزمتها الاقتصاديه حينها.

وعموما ليس دفاعًا عن الصندوق بل دفاع عن برنامج الإصلاح الذي ما كانت مصر يمكنها أن تخطو خطوة واحدة أو تستعيد ثقة المجتمع الاقتصادي الدولي دون ذلك البرنامج الذي شارك فيه المصريون جميعهم، وتحملوا كل الصعاب من أجل تحقيقه، لقناعتهم أنه الطريق الوحيد.

يقول حامد: "اختارت الدولة التخلص من الدعم بدلا من خفض النفقات"، وذاك نصفه حقيقة.

نحن بالفعل نريد التخلص من الدعم المشوه لهيكل الاقتصاد، وهو ما يزيح حملًا كئودًا من فوق عاتق الموازنة المصرية ويحررها للتحرك. لكن هل كل الدعم؟ بالطبع لا، يتبقي الدعم السلعي (التموين) ٨٧ مليار جنيه بموازنة 19/18 وذلك بأكثر من الضعف عن موازنة 14/13، لكن يبدو أن تلك الأرقام قد سقطت من مقال حامد أو أنه لم يرها أصلا.

وأستغرب جدًا من وزير استثمار سابق لا يرى شبكة الضمان الاجتماعي، وإن كان لا يراها فعلى الأقل يقرأ أرقامها:

- المعاشات 9 مليارات جنيه.

- برنامج تكافل وكرامه 17.5 مليار أخرى، إضافة إلى الإنفاق الذي بدأنا نلحظه في مجال الصحة في مواجهة فيروس سي.

- وحملة 100 مليون صحة.

- ورفع الحد الأدنى للأجور من 1200 إلى 2000 جنيه.

هل كل ذلك مبهم غير مرئي، أم أن الوزير السابق يختار ما يدلل فقط على منطقه.. مرة أخرى ذاك حقه.

ونأتي للدين- الجزء الأهم الذي ركز حامد عليه- والذي بالفعل وصل إلى أرقام مرتفعة 91٪‏ من الناتج الإجمالي (وزارة التخطيط)- وكان يمكن أن ينجح منطق حامد في تلك النقطة - التي نختلف جميعنا حولها- لولا أن الدولة بالفعل أدركت ذلك، واعترفت بأن ارتفاع معدل الدين لا يمكن أن يستمر لأنه مع الفوائد ينهش الموازنة، ولا يبقى بها إلا الفتات ولذا كانت الخطة المعلن بإعادة هيكلة الدين والعمل على تخفيضه ليصل معدله إلى ٨٠٪‏ في ٢٠٢٢. وعلى مجلس النواب أن يتابع تنفيذ الدولة تعهداتها.

يمكن أن ترى الخطر، وتغفله، لكن أن تراه، وتعمل على مواجهته، فذاك هو الطريق السليم.

ولا يعني كل ما سبق أننا لا نملك ملاحظات على مسيرة الاقتصاد، فالمواطن ما زال ينتظر أن يرى ثمار تعبه وتحمله، وما زال يتطلع إلى زيادة دخله، وذاك لن يتأتى إلا بمزيد من التشغيل يقوده القطاع الخاص الذي يشكو بدوره من مزاحمة الدولة.

كما أن استثمارات الأجانب في أدوات الدين لا يمكن أن تبقى هي المصدر الأساسي للعملة الأجنبية، أو السند الرئيسي لاحتياطي النقد الأجنبي.

العودة للاقتصاد الحقيقي ذي القيمة المضافة كثيفِ التشغيل ركيزة أي اقتصاد يريد النمو.

وإعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق علي الإنسان أهم كثيرًا- في رأيي وآراء كثيرين- من التركيز فقط على التنمية العمرانية التي تحتاج إلى بشر متعلمين أصحاء قادرين على العمل لاستكمالها.

هل كان الإصلاح الاقتصادي ضروريا؟

بالتأكيد نعم، ولولاه لكنا فعلا تحولنا إلى دولة فاشلة كما يتمناها السيد الوزير الأسبق.

اخترنا الطريق الصعب أو الدواء المر كما وصفه لي د. إبراهيم شحاتة عام ١٩٩٠، حين كان نائبا للبنك الدولي، وكانت مصر مقبلة على برنامجها الاقتصادي حينها، لكننا عبرنا الأزمة وبنجاحٍ شهد به العالم في تقاريره الدولية وتصنيفاته الائتمانية.

نجاحنا في المرحلة القادمة يعتمد في المقام الأول على اختياراتنا وخياراتنا التي يجب أن تضع المواطن في المقام الأول، وأظنها ستفعل.

أما أن نكون دولة فاشلة، وأن نكون في طريق الإفلاس أو الانهيار... فتلك أضغاث أحلام تراودك وتراود جماعتك.

كابوسك الأعظم أننا في الطريق للنجاح، كم يزعجك ذلك ويؤرق مضجعك!

ملحوظة: كل الأرقام السابقة هي أرقام وزارتي المالية والتخطيط.

إعلان