إعلان

"قالك" على "فيسبوك"

أمينة خيري

"قالك" على "فيسبوك"

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 24 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

أمينة خيري

حين تتحول منظومة "قالك" و"بيقولك" و"قالوا لك" من قعدة المقاهي وحديث سائق التاكسي والزبون للتسلية على الطريق و"طق حنك" بين من سمع ومن يريد أن يصدق أن ما سمعه الآخر "معلومة"- إلى نظام معلوماتي افتراضي تتداوله الملايين، ويقسم بما جاء فيه خبراء وينهل منه طالبو علم وشهادات ماجستير ودكتوراه؛ فاعلم أنك هنا في المحروسة.

المحروسة- وهي اسم على مسمى؛ إذ يستحيل أن تمضي دولة بثقل مصر وشعب بحجمها في شئون الحياة اليومية، وكأن الفضاء الافتراضي الهادر غير موجود- تقف متعجبة مما يجري في أرجائها من حراك، قوامه الفوضى العارمة وإطاره الدجل والشعوذة.

والدجل والشعوذة ليسا بالضرورة عبر الحنجل والمنجل، ولا يتطلبان في العام الـ19 من الألفية الثالثة الشيخة خديجة المغربية التي تجلب الحبيب أو الشيخ الكتاتني الذي يرد المطلقة بالضرورة، لكنهما واردا الحدوث على أثير مواقع التواصل الاجتماعي على مدار ساعات اليوم الـ24.

24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، 30 وربما 31 يومًا في الشهر، يضرب الحنجل ويطيح المنجل تارة بنظرية اقتصادية عن الأسواق العقارية، وأخرى حول وفاة رئيس مصر السابق الإخواني محمد مرسي، وثالثة عبر دراسة طبية تؤكد أن علماء ألمانيا صنعوا ثمثالًا للبردقوش بعدما اكتشقوا قدرته على علاج البواسير والحمونيل.

والنتيجة عيشة ما أنزل الله بها من سلطان لكل من يمر ولو مرور الكرام على مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها وأشكالها، ولا سيما "فيسبوك"؛ حيث كم الهري أكبر ومساحة السفسطة أوسع.

سَعة "فيسبوك" الاستيعابية لا أول لها أو آخر. وهي تفوق السعة الاستيعابية للمخ البشري والأعصاب البشرية بمراحل، لأن الـ"فيسبوك" ليس له مرارة أو ضغط عصبي يرتفع أو مستوى سكر يهبط أو يرتفع كثيرًا.

وأحيانًا يرد عليك البعض ساخرين مستهترين بالشكوى من بزرميط "فيسبوك" المصري فيقولون لك: "اقفله". نصيحة الإقفال هنا تذكرني بالمغفور له حلال العقد العاطفية والمشكلات الزوجية الراحل ضياء الدين بيبرس. فكان كلما شكت إليه سيدة أو فتاة من أن الخطيب أو الحبيب أو الزوج يعكنن عليها يباغتها بقوله: "اتركيه". لكن الأمور تغيرت منذ كان "بابا ضياء" قادرًا على حل المشكلات بنصيحة الهجر والإغلاق والإقفال.

ففي العام الـ19 من الألفية الثالثة، الجميع يطاله ما يدور على أثير العنكبوت، حتى أولئك غير المتصلين بشبكة الإنترنت أصلًا. فلأسباب كثيرة تتراوح بين ميراث افتقاد المصداقية في الوسائل الإعلامية، مضافًا إليه المشهد الإعلامي الكارثي الحالي، وقلة الوعي لدى الغالبية بكيفية التحقق من الخبر والمعلومة، بالإضافة إلى الميل الشعبي المصري إلى تصديق الخرافة والغوص في أغوار الإثارة الكلامية والدراما التحليلية وجد الكثيرون أنفسهم، وأعادوا اكتشاف مواهبهم في "فيسبوك" وسد نقائصهم والتنفيس عن حوائجهم في "فيسبوك".

إلى هنا، ويبدو دور "فيسبوك" في تمكين المصريين وإعطاء صوت لمن لا صوت له محمودًا وعظيمًا.

لكن آفة حارتنا الأفورة وفيروس ثقافتنا "الزروطة"، وهما ما ضربتا جنبات "فيسبوك".

تدوينات خيالية يعاد تدويرها، باعتبارها معلومات سرية، وتحليلات لا ترقى إلى تلميذ في الصف الثاني الابتدائي يجري تداولها، وكأنها صادرة عن خبير في الأمم المتحدة، ومقالات مترجمة بحسب الهوى تخضع للـ"شير" ملايين المرات وتنسب إلى المصدر والمصدر منها بريء، وهلمّ جرًا.

وفي كل مرة يتفجر فيها "فيسبوك" بكم من الأخبار الكاذبة والمعلومات المفبركة والمقالات المؤدلجة ثم يثبت كذبها، أتخيل أن نتعظ ونعتبر، لكن ما هي إلا ساعات، حتى يتفجر "فيسبوك" مجددًا بسيرك معلوماتي هزلي وتحليلات طفولية رهيبة.

الكارثة هي أن مؤسسات إعلامية عالمية تنقل ما يجري عندنا على "فيسبوك" باعتباره "نبض الشارع" و"ممثل المواطن المصري".

وبذلك تتضاعف مأساة "قالك" لتتخذ طابعًا أمميًا.

إعلان