إعلان

 على هامش الحديث عن صفقة القرن

د. إيمان رجب

على هامش الحديث عن صفقة القرن

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 06 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

رغم أنه لم يتم الإعلان عن تفاصيل صفقة القرن التي يعد لها جيرالد كوشنر والفريق الذي يعاونه، فإنه من المعلوم أن هذه الصفقة بكل ما تحويه من تفاصيل ستقر بمعطيات الواقع الذي خلقته إسرائيل على الأرض، وستهدف إلى إنهاء الصراع مع إسرائيل، والذي استمر لما يزيد على سبعة عقود.

بعبارة أخرى، إذا كان صراع العرب مع إسرائيل منذ 1948 ثم صراع الفلسطينيين معها منذ عملية مدريد 1993 هو الصراع الذي شغل العالم في القرن العشرين، فإن القرن الحادي والعشرين سيشهد وضع نهاية له.

ظلت القضية الفلسطينية لأبناء جيلي والذي يسمي بجيل شباب الوسط، القضية التي تعلمنا في مراحل الدراسة الأساسية وفي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أنها القضية الرئيسية لكل العرب، وأنها السبب في كل مشاكل المنطقة، ورغم ذلك فهذا المعتقد الذي رسخ في وجدان معظم أبناء جيلي لم يصمد كثيرًا أمام غزو العراق للكويت في 1990 ثم الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003، حيث لم تصلح هذه القضية لتفسير أي من الحدثين، ولكن كان تأثير المشاعر التي ارتبطت بالقضية الفلسطينية أقوى من العقل.

ولذا ظلت هذه القضية هي الوقود الذي أشعل مظاهرات الطلبة في جامعة القاهرة، حيث كانت صورة الطفل محمد الدرة سببًا في تحريك مشاعر الطلاب وتنظيمهم موجات من المظاهرات تزامنًا مع الانتفاضة الثانية، وكانت صورته إلى جانب الكوفية الفلسطينية وصورة الراحل ياسر عرفات وأغنية الحلم العربي هي أيقونة العمل السياسي في تلك الفترة في داخل الجامعة.

ولذلك كنا نتابع من كثب تفاصيل كل عمل عسكري تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين، والذي كان يتصدر حينها نشرات الأخبار في القناة الأولى المصرية وفي الفضائيات العربية فضلا عن تصدره عناوين الصحف المحلية، وكنا نحرص على تتبع ردود الفعل العربية على تلك الأعمال وإثارة ذلك مع أساتذتنا الأجلاء في كلية الاقتصاد لنحصل منهم على تحليل أو رأي يرسم أمام أبناء جيلي بصيص أمل بأن معاناة أخوتنا الفلسطينيين قد تنتهي.

وكان حرصنا على إثارة تلك القضية مع أساتذتنا طوال فترة البكالوريوس يرجع إلى أنها كانت تذكر على الهامش في عدة مقررات دراسية، ولم تخصص مادة لها، وذلك باستثناء مادة "الوطن العربي في السياسة الدولية" والتي درسها لنا أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور أحمد يوسف أحمد في السنة الثالثة، حيث كان يحرص خلالها على تخصيص عدة محاضرات لتحليل تاريخ الصراع بين إسرائيل والعرب وكيف أثرت القضية الفلسطينية على فاعلية الجامعة العربية، وهي مادة أسست تفكيرنا في هذه القضية وفهمنا لها.

تتعلق أهمية هذه المقتطفات من الذاكرة القريبة بأن ما يجري من اعتداء إسرائيلي اليوم على الفلسطينيين في قطاع غزة لم يعد يحظى بأي اهتمام مما كانت تحظى به أحداث مماثلة من عشر سنوات مضت، سواء في اهتمامات الرأي العام المصري أو العربي، أو في اهتمامات وسائل الإعلام المصرية أو العربية أو الدولية.

صحيح هناك عوامل كثيرة تفسر ذلك، منها وجود صراعات أخرى في المنطقة تحظى باهتمام أكبر، مثل الصراع في اليمن والصراع في ليبيا والصراع في سوريا، فضلا عن تصدر أولوية تيارات "الجزائر أولا" و"مصر أولا" وغيرها، وهو ما يقلل الاهتمام بأي قضايا خارجية بصفة عامة، إلا أن تراجع الاهتمام بهذه القضية يمكن القول إنه أحد التداعيات الناتجة عن صفقة القرن، خاصة أن الحديث عن هذه الصفقة بهذا الاسم الكودي استغرق من العالم ما يقرب من العام دون أن يتم الإعلان عن تفاصيل محددة.

كما أن تكرار الاسم الكودي "صفقة القرن" رسخ انطباعا بأن القضية الفلسطينية لم تعد موجودة، كما عرفت خلال العقد الماضي، فلا القدس أصبحت في قلب القضية، ولا ملف اللاجئين بات مطروحا للمفاوضات ولا الدولة الفلسطينية الموحدة هي الحل الوحيد المطروح، وبالتالي سينتج عن هذه الصفقة انتهاء القضية الفلسطينية كما عرفها جيلي وأجيال أخرى تكبرنا عمرًا، وستكون هناك قضية أخرى بأبعاد وملامح جديدة.

إعلان