إعلان

 ألحق الأذى بالغير طالما أنت بخير

أمينة خيري

ألحق الأذى بالغير طالما أنت بخير

أمينة خيري
07:12 م الإثنين 27 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

هناك في كوكب آخر يوجد ما يسمى بـ"الإعلانات السيئة" أو Bad Ads

ويتم التنويه إليها والتحذير منها وتفنيد أسباب سُوئها وفتح باب الحوار المتعقل البعيد عن الهبد والرزع للمناقشة حتى تكون الإعلانات المقبلة أقل سوءًا.

نظريًا، قواعد السوق تعتمد على بيع سلع وخدمات لعملاء لديهم قدر وحد أدنى من الدراية، وهو ما يؤهلهم لعمل اختيارات معقولة ومنطقية. لكن عمليًا، يهدف، ويأمل الكثير من الإعلانات إلى إقناع عملاء محتملين. وقد يكون ذلك عبر بذل ضغوط عاطفية قد تؤدي إلى تصرفات غير عقلانية والسعي إلى اقتناء السلعة أو الخدمة المعلن عنها.

وإذا كانت صناعة الإقناع في حد ذاتها جيدة، والنجاح في تحقيقها موهبة، فإن استخدامها للدق على أوتار القلة المعرفة أو مواطن الضعف أو الطموح غير العقلاني لدى البعض يجعل من الإعلان إعلانًا سيئًا.

ونظرًا لما جرى في المجتمع المصري على مدار نحو نصف قرن، من قلب للموازين، وخلط للمفاهيم، وهسهس تديين، فإن قومة المجتمع لا تقوم إلا فيما يتعلق بما يشتبه في أنه يمس الدين أو الهالات التي يقدسها البعض، وتدور حول الدين، فإن المفاهيم والقيم والسلوكيات التي ترد في بعض الإعلانات والمسلسلات والتي من شأنها أن تهدم أممًا وممالك تمر مرور الكرام، بل أحيانًا تستدعي الاستحسان، وتستوجب التكريم.

وبعيدًا عن دراما رمضان، لأن فيها الكثير والكثير من الملاحظات، وليس فقط القوائم المدرسية التي يتم إعدادها وتحوي حصرًا بالإيحاءات الجنسية ورصدًا للفساتين المثيرة، ونقدًا لشكل الأسرة المفككة ونموذج الابن المعاقر للمخدرات... إلخ، أشير إلى القيم والسلوكيات الواردة بطرق غير مباشرة في عدد من إعلانات رمضان هذا العام.

وللعلم والإحاطة، فإن تضمين قيم متدنية أو حشو سلوكيات منحطة في قوالب كوميدية أو إطارات مبهرة من شأنها أن تدعم الانحطاط وتبارك التدني.

وبالطبع ليس هناك أوضح من إعلانات تشجع العميل على استئجار سيارة والمضي قدمًا في عدم الاهتمام بالحفاظ عليها، وعدم الشعور بالقلق أو الغضب في حال تهشمها أو تعرضها لحادث؛ لأنها "الحمد لله مش عربيتي".

ولندع حمد الله (سبحانه وتعالى) على أن الأذى أٌلحِق بآخرين نتيجة أفعالنا الهوجاء، وليس بنا جانبًا؛ نظرًا لأن هذا المقال لا ينظر دينيًا.

فكرة تشجيع وترويج إلحاق الأذى بالغير طالما أنا بخير باتت عميقة في مجتمعنا، وهي- ودون أدنى مبالغة- تلحق ضررًا سرطانيًا بنا على مدار ساعات الليل والنهار.

اشرب مياهًا غازية وألقِ بالعلبة من نافذة السيارة. اركب الباص وخربش بمفتاح أو بظفر أصبعك الصغير الذي تربيه لأسباب لا يعلمها إلا خالقك على المقعد حتى تقطعه.

تناول إفطارك في حديقة عامة واترك مخلفاتك لتندمج مع النجيلة، وتتعلق بالورود.

اجلس أنت وأصدقاؤك على مقدمة سيارة في الشارع، ولا تفكر كثيرًا في اعوجاجها.

ما إن ينتهي العمل في الكوبري سارع بكتابة عبارة "صلِّ على النبي" على أعمدته لنشر الإسلام، وهلمّ جرا.

وحين تهل علينا إعلانات ترسخ هذه الأفكار في قالب كوميدي، فإن النتيجة تكون نجاح الإعلانات نجاحًا منقطع النظير وفشل المجتمع فشلاً أيضًا منقطع النظير.

وللعلم، فإن مغبة الإعلانات السيئة لا تتوقف عند حدود الترويج للأنانية ووأد مفاهيم الصالح العام واحترام أملاك الغير، لكنها تطال كذلك ترسيخ أفكار عقيمة، نطالب بتعديلها منذ عقد.

فمثلاً التهديد بعدم إتمام الزيجة إلا لو اشترى العريس كل الأجهزة الكهربائية، أو ربط زواج "هايدي" و"أيمونة" بضلوع هايدي الاستثماري في منتجع سكني راق، وهذان نموذجان يرسخان ربط الزواج بالمال والثروة.

وهناك ربط فكرة أقوى منتج بالقوة العضلية، ناهيك من تصدير صور التسول والمسكنة والنحنحة لتحرك مشاعر أهل الخير للإغداق على الفقراء، وفي ذلك تشجيع وترويج للمهانة وتقزم الكرامة.

إنها الإعلانات السيئة التي تزرع السوء وتحصد زيادة في حركة المبيعات والتبرعات.

إعلان