إعلان

من يريدها ديمقراطية؟

د. جمال عبد الجواد

من يريدها ديمقراطية؟

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 05 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

لم يعد من السهل إقناع المواطنين بأن الديمقراطية هي أفضل نظام حكم بعد ما نراه يحدث في بلاد العالم حولنا. في أمريكا أوصلت الديمقراطية للحكم رئيسا شديد النرجسية، يأخذ القرارات أولا، ثم يشرع في التفكير بعد ذلك. في بريطانيا ذهب رئيس الوزراء السابق دافيد كاميرون لاستفتاء الشعب حول عضوية بلاده في الاتحاد الأوربي. كان رئيس الوزراء كاميرون من أنصار الاتحاد الأوربي، وكان واثقا تماما بأن الأغلبية من الناس سيختارون الموقف الصحيح، ويفضلون إبقاء بلدهم عضوا في أكبر تكتل اقتصادي في العالم. لكن مثلما كان نجاح ترامب مفاجأة لم يتوقعها أحد، فإن تصويت الأغلبية من البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوربي كان أيضا مفاجأة غير متوقعة؛ ومن يومها دخلت بريطانيا في مأزق لا فكاك منه، فلا هي قادرة على الخروج من الاتحاد الأوربي كما اختار الشعب، ولا قادرة على البقاء فيه.

على الجانب الأخر من العالم يبدو أن الدول غير الديمقراطية تبلي بلاء حسسنا، فالصين تتقدم لمكانة القوة العظمى رقم واحد بسرعة وثبات؛ فيما استعادت روسيا تحت قيادة الزعيم الرئيس بوتين قدرا كبيرا مما كان لها من مكانة في زمن الشمولية السوفيتية؛ أما بين البلاد النامية، فإن البلاد التي تحكمها نظم سلطوية في آسيا وأفريقيا هي صاحبة الاقتصادات الأسرع نموا والأكثر تلبية لاحتياجات الفقراء.

هل مازال هناك أحد يريد الديمقراطية بعد كل هذا؟ الإجابة نعم. أستطيع أن أرى أنصار الديمقراطية بين الحكام وأعوانهم من كبار المسئولين، فهل في هذا مفاجأة؟ في الحقيقة لا، فالديمقراطية هي النظام السياسي الوحيد الذي يمنح للحكام الفرصة للخروج من الحكم مشيا على الأقدام برؤوس مرفوعة؛ وما عليك سوى أن تتابع ما يحدث هذه الأيام في الجزائر. لقد أدى الرئيس بوتفليقة خدمات جليلة لوطنه، فقد نجح في إنهاء الحرب الأهلية واستعادة الأمن والاستقرار لبلد المليون شهيد، ومع هذا فإنه يبدو اليوم منبوذا، ولولا أنه قدم استقالته في اللحظة الأخيرة مشفوعة بخطاب اعتذار، لربما كانت النهاية أكثر درامية بكثير. قبل سنوات حدث شيء مشابه للرئيس الحبيب بوقيبة أفضل رئيس جمهورية عرفته جمهوريات ما بعد الاستقلال العربية، لكن غياب الديمقراطية أبقاه في الحكم حتى خرج منه محمولا على كرسي بعجلات يدفعه قائد الانقلاب زين العابدين بن علي، فبقي معزولا في قصر بعيد حتى وفاته بعد سنوات.

مصير بورقيبة كان أفضل من مصير بن علي الذي ترك الحكم وتونس كلها، هربا إلى المملكة السعودية، فاتحا بذلك موجة من الاضطرابات العربية أطاحت بحكم مبارك والقذافي وعلي عبدالله صالح، الذين خلعوا، أو هربوا، أو حملوا إلى السجن أو القبر. لو سألت هؤلاء اليوم لأكدوا لك أنهم يتمنون لو أنهم تخلوا عن الحكم ضمن ترتيبات ديمقراطية في فترة مبكرة، الأمر الذي كان ليتيح لهم الذهاب إلى مقر يختارونه بأنفسهم، وهم يمشون على أقدمهم رافعي الرأس بكرامة، بدلا من البهدلة وقلة القيمة التي مروا بها. القادة والنخب السياسية هم الجمهور الحقيقي والأنصار الأكثر إخلاصا للديمقراطية في عالمنا العربي الراهن، فهؤلاء فقط هم من لهم مصلحة حقيقية فيها، أما الشعوب فلا يهمها سوى الوظائف والمرتبات والخدمات، وهي الأشياء التي تجيد الحكومات ذات القبضة القوية تقديمها بكفاءة تزيد عدة مرات عن الديمقراطيات.

إعلان