إعلان

المجلة الثقافية ضرورة قومية

محمود الورداني

المجلة الثقافية ضرورة قومية

محمود الورداني
09:01 م الخميس 04 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

من المثير للدهشة، وربما الغضب أن تخلو بلادنا من مجلة ثقافية جادة منتظمة الصدور. والأدق أنه من المثير للخجل والخزي معًا أن يحدث مثل هذا الأمر الذي يرقى إلى مرتبة الفضيحة.

غني عن البيان أن المجلات الثقافية في مصر تحديدا لعبت دورا بالغ الأهمية في نهضة مصر على وجه العموم، فمجلة الهلال على سبيل المثال تأسست قبل أكثر من قرن من الزمان، والقائمة تطول مثل الزهور وأبولو والفصول والكاتب المصري.. وغيرها وغيرها كثير في النصف الأول من القرن الماضي، وكلها بلا استثناء كانت مجلات ثقافية مستقلة يملكها أفراد ويديرها مثقفون، وحققت الدور المنشود لها، وتجاوز دورها الدور السياسي المباشر للجماعات والأحزاب السياسية، إلى دور أوسع وأشمل.

تلك المجلات لم تكتفِ بأن تكون منبرا لنشر الإبداع القصصي والشعري فقط، بل أتاحت الفرصة أيضا لتفاعل التيارات الأدبية المختلفة، وكانت ساحات مفتوحة تدور على صفحاتها المعارك الأدبية والفكرية. هذا إلى جانب الإطلال المنتظم على ما يدور خارج مصر على المستوى الثقافي، والفرصة للإلمام بأحدث ما يدور فكريا وأدبيا في العالم. كانت منجما يتجدد كل شهر، كما أنها كانت مجالا لاكتشاف المواهب الجديدة ورعايتها. ناهيك بالطبع من دورها الوطني في مقاومة الاحتلال الإنجليزي الجاثم.

باختصار، كانت مجلات نصف القرن الماضي جزءًا مهمًا وفاعلًا وأساسيًا في النهضة القومية، ولا يمكن تصور الساحة الفكرية والأدبية بدونها، وهي لم تكن منابر للنشر فقط، على أهمية النشر بالطبع، بل كانت أيضا فرصة لإرساء التقاليد الديمقراطية في الحوار والتفاعل.

وإذا أضيف إلى كل ذلك أن القائمين عليها كانوا كتابا ومفكرين مستقلين، أي أن الدولة لا علاقة لها بالأمر برمته، لأدركنا إلى أي مدى كانت مجلات النصف الأول من القرن الماضي مهمة ومؤثرة وبدونها لا يمكن تصور حال الأدب والفكر في مصر مطلقا.

يمكن للقارئ أن يبحث على الشبكة العنكبوتية في أرِشيف المجلات الثقافية ليرى إلى أي مدى كنا متقدمين، وإلى أي مدى أيضا كنا قادرين على إثارة المعارك الثقافية وقادرين على الاختلاف، إلى جانب نشر الدراسات المعمقة والنصوص الأدبية المحكمة إلى آخر ما ذكرته سابقا.
وإذ قفزنا إلى أوائل ستينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من كارثة تأميم الصحافة، وتولي الدولة كامل حقيبة الصحافة والنشر عموما، إلا أن المجلات الثقافية والفكرية أفلتت إلى هذا الحد أو ذاك من خطيئة الصحافة التي تأممت.

شهدنا مجلات مثل الفكر المعاصر والمجلة والكاتب والمسرح والسينما والفنون الشعبية وغيرها التي كانت منارات كبرى، تصدر منتظمة شهريا وتحيط قارئها بما تمور به التيارات الأدبية والفكرية (صحيح هي ابتعدت عن الشأن السياسي المباشر، لكنها أفلتت من الخفة والتدليس والصوت العالي والدعاية) وسمحت فعلا بأن تتفتح مائة زهرة، ولا ننسى أن كتاب جيل الستينيات بدأوا نشر أعمالهم الأولى في تلك المجلات، وكانوا من بين الزهور التي وجدت لها تربة صالحة في النشر في المجلات المذكورة.

لكل هذا، فإن عودة المجلات الثقافية الجادة المحترمة منتظمة الصدور ليست ترفا، بل ضرورة.
سأعود لاحقا للكتابة حول المجلات ودورها، لأبيّن أنها، أي المجلات، ضرورة قومية، ولأدعو إلى إعادة النظر في موقف المثقفين السلبي من حال المجلات الحالية بالغ البؤس.

إعلان