إعلان

قصة فرشتين

د. جمال عبد الجواد

قصة فرشتين

د. جمال عبد الجواد
09:01 م الجمعة 26 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

أشعر بالبهجة عندما أسير في شوارع وسط القاهرة الرئيسية. لقد أصبح لوسط المدينة أرصفة عريضة يسير عليها الناس دون الاصطدام ببعضهم. أرصفة وسط المدينة مبلطة ببلاطات تم اختيارها بعناية، لها شكل وملمس جميل، لكنها ليست ناعمة لدرجة "زحلقة" المشاة وكسر أضلعهم. لكل الأرصفة في وسط القاهرة نفس المواصفات، على عكس أغلب شوارعنا التي يقوم فيها كل محل بتوضيب الرصيف المواجه له بالطريقة التي تعجبه. لكل الأرصفة في وسط القاهرة نفس الارتفاع المناسب، فلا أجد نفسي مضطرا لتسلق الرصيف أو القفز من فوقه. أرصفة وسط المدينة محترمة، فلا قهوة تفرش مقاعدها وكراسيها على الرصيف، ولا سيارات تحتل الرصيف لتحوله إلى جراج عشوائي، ولا باعة جائلين – عدا قلة قليلة – يفرشون بضاعتهم على الرصيف.

العديد من المباني التاريخية في شوارع عماد الدين ومحمد فريد وقصر النيل وطلعت حرب تم ترميم واجهاتها الخارجية وأعيد طلائها، فعاد الجمال الذي كانت عليه يوم بنيت قبل أكثر من مائة عام للظهور. وسط القاهرة الخديوية بمبانيه وأرصفته يبدو جديدا رغم عمره الذي زاد على القرن. المباني والشوارع القديمة تبدو جديدة كما لو كان تم بنائها بالأمس، وهذا هو سر البهجة التي أشعر بها عندما أسير في وسط القاهرة. عندما أمر أمام مبنى قديم يحتفظ ببهائه أشعر وكأنني سافرت في الزمن للوراء عشرات السنين، فما أحلى نعمة العيش في زمانين في الوقت نفسه، الزمان القديم بكل ما فيه من رومانسية وأحلام لم تنتهكها الهزائم والخبرات المريرة، والزمن الحاضر بما فيه من تكنولوجيا وتقدم علمي وانقشاع غمامات الأوهام والأساطير.

لو صادفني أحد القائمين على إعداد المقياس العالمي للسعادة وأنا أسير في وسط القاهرة - خاصة في الليل – لقدمت له إجابات فيها الكثير من التفاؤل والإيجابية. لو أن الباحث نفسه وجه إلي نفس الأسئلة ظهيرة يوم عادي، وأنا أقف في شارع فيصل أبحث عن ميكروباص ينقلني لبولاق الدكرور، فإن إجاباتي على نفس الأسئلة ستختلف تماما. يحدث هذا مع أنني نفس الشخص، بنفس مستوى الدخل، ونفس ضغوط الحياة ومشاكلها. إحساسنا بالحياة، والحكم الذي نصدره على ظروف حياتنا، وما إذا كنا راضين عنها أو كارهين لها، هذه المشاعر والأحكام لا تعكس فقط مستوى المعيشة ولكن أيضا جودة المعيشة. كل شارع نظيف مرصوف ومبنى جميل حافظ على شبابه رغم تقدم العمر هو إضافة لجودة الحياة والمعيشة؛ على العكس فالمباني القبيحة والأرصفة القذرة المهشمة تمثل خصما من جودة الحياة التي نعيشها، فيقل إحساسنا بالسعادة، وتزيد أسباب الشعور بالكآبة؛ مع أن الفارق بين الحالتين لا يزيد عن فرشتين، واحدة للدهان، والثانية للكنس.

إعلان