إعلان

 طفل المافيا الذي عطّل الإنترنت..!

د. عبد الهادى محمد عبد الهادى

طفل المافيا الذي عطّل الإنترنت..!

د. عبد الهادى محمد عبد الهادى

كاتب وأكاديمي مصري

09:00 م الخميس 28 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

في فبراير عام 2000، شن قرصان مجهول عددا من الهجمات الإلكترونية ضد عدد من مواقع الشركات الكبرى مثل "ياهو" و "أمازون" و "دل" و "سي إن إن" و "إيباي" و"فيفا" و"إي تريد".

كانت الهجمات من نوع الحرمان من الخدمة الموزع (DDoS)، وفيها يستخدم القرصان أجهزة آخرين في تنفيذ الهجوم وإغراق أهدافه بسيل من الأوامر والطلبات تؤدى في النهاية إلى تعطل الخدمة.

كان للهجمات أثر الصدمة على سوق الأسهم في الولايات المتحدة الأمريكية، وقدر خبراء الخسائر الناتجة عنها بـ1.7- 7.5 مليار دولار.

نجح القرصان المجهول في السيطرة على عدد من شبكات أجهزة الكمبيوتر الجامعية، وتمكن من تسخيرها في هجماته التي أدت إلى إغلاق مواقع 16 من كبرى الشركات في العالم، على رأسها "ياهو" المتصفح الأكثر انتشارا في ذلك الوقت، بعدها امتدت الهجمات إلى أمازون ودل وسى إن إن.

وأعلنت شركة "تشارلز شواب" للوساطة المالية أنها تصدت لهجوم خطير تعرض له موقعها، وكان الهجوم قد وقع في اليوم الأول لفترة التخفيضات لشركة "باى دوت كوم".

باختصار، عطل القرصان جزءا كبيرا من شبكة الإنترنت، وأطلق على عمله هذا اسم "ريفولتا"- وتعنى الثورة- باللغة الإيطالية.

بدأت السلطات الأمريكية والكندية التحقيق، وبعد فترة مراقبة لهاتفه واتصالاته عبر غرف الدردشة توصلوا إلى إن حدثا يعيش في غرب مونتريال، ويبلغ من العمر 15 عامًا هو من يقف وراء الهجمات، وفي منتصف إبريل ألقت الشرطة الملكية الكندية القبض على من يُعرف على الشبكة باسم "صبي المافيا" (Mafiaboy)، فمن هو هذا الصبي؟ لم تعلن السلطات الكندية وقتها عن الاسم الحقيقي للمتهم بسبب القوانين التي تحمي الأحداث، لكن المراسلين الأمريكيين أعلنوا عن هويته الحقيقة وأذيع اسمه في نشرات الأخبار.

ولد "مايكل كالس"- صبى المافيا- عام 1984م في "ويست إيلاند" إحدى ضواحي مونتريال في كندا، وتربى بين أبوين منفصلين، حصل- عوضا عن انشغال والديه- على أول جهاز كمبيوتر وهو في عمر 6 سنوات فقط، ولم يحتج لأكثر من ثلاث سنوات من التعلم لينجح في اختراق شركة خدمات الإنترنت الأمريكية الرائدة "إيه. أو. إل" من أجل تمديد فترة استخدامه المجانية لمدة 30 يومًا إضافية.

في الثانية عشرة، انضم إلى فريق من القراصنة المغامرين عرف باسم "تى. إن. تي".

تحدث كالس، فقال إنه لم يقدر خطورة ما قام به، ولم تكن لديه فكرة عن حجم الذعر الذي سببه، ولم يتحسب للمتاعب الذي وجد نفسه مضطرًا لمواجهتها، كل ما في الأمر هو أنه كان يعتبر الأمر لغزا، وعليه أن يجد له حلا. بحث في كل مكان عن كيف يفعل ذلك، ووفر لنفسه الأدوات والطريقة، ونفذ ما كان يعتبره تحديًا، كان أمرًا ممتعًا، لكن عندما تشاهد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والنائب العام الفيدرالي يقولان على شاشات التليفزيون إنهما سيطاردانك، ستدرك فورا مدى خطورة الأمور.

في يناير 2001 مثل أمام محكمة الأحداث، وأقر بالذنب في 56 تهمة، من بين 64 تهمة وجهت إليه، وفي سبتمبر حكم عليه بالسجن لمدة 8 أشهر في مركز لتأهيل الشباب، وأن يوضع تحت المراقبة مع تقييد استخدام الإنترنت لمدة سنة، بالإضافة إلى غرامة مالية صغيرة.

طفل صغير، لا يعرف سوى القليل عن الحوسبة يمكنه استخدام أجهزة وأدوات ذات تكنولوجيا منخفضة ضعيفة التأمين ومتاحة لأي شخص على الإنترنت لشل مواقع شركات ومؤسسات كبرى، بإمكان طفل صغير أن يسبب الكثير من الأذى والخسائر. أثرت تجربة السجن القصيرة في "مايكل كالس" الذي تعلم الدرس جيدا، ونشر كتابين عن قصته، عمل مستشارا للأمان الرقمي وكاتب عمود، ويعمل الآن خبير أمان لمساعدة الشركات على تحديد نقاط ضعف شبكاتها ومواقعها الإلكترونية.

قال عن نفسه إنه لم يكن طفلًا سيئًا، بل كان لطيفا، يوقر والديه، وينظف الطاولة بعد تناول الطعام، حتى في منازل أصدقائه، لكنه أخذ مسارًا آخر، وسلك طريقًا مظلمًا لأنه افتقد إلى مرشد يدله على الطريق، لذلك هو متحمس جدا لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت. يرى أن التكنولوجيا يمكن أن تسبب الإدمان وأن تكون وسيلة متاحة وربما مفضلة للهروب من العالم الحقيقي، لذلك يحث "كالس" الأطفال والكبار على إيجاد توازن بين العيش في العالم الحقيقي والعالم الرقمي.

يرى إن العقل هو أكبر "العضلات" في الجسم، وبحاجة دائمة للتدريب، أما الاعتماد على التكنولوجيا فقط، فلن يساعدنا على التفكير في المستقبل بطريقة أفضل، ويتمنى لو ترك الأطفال أجهزتهم من أيديهم ليجلسوا تحت ظل شجرة في حديقة، ويستغرقون في التفكير.

يعتقد "كالس" أنه كان لدينا رواد ومفكرون عظماء في كل العصور، لكننا نفتقر إليهم في هذا العصر؛ لأن "الأطفال باتوا يفكرون أقل من أي وقت مضى".

لا يمكن مقاطعة حركة التاريخ، ولا يدعو "كالس" إلى هجر التكنولوجيا، بل يدعو إلى اتخاذ قرارات رشيدة بشأن الأمان الرقمي.

ليس مطلوبًا حرمان الأطفال من استخدامها، لكن يجب توعيتهم بشأن التأثيرات المتناقضة للتكنولوجيا، وتدريبهم على كيفية اتخاذ قرارات رشيدة بأنفسهم.

يتذكر جلوسه أمام الكمبيوتر لساعات والأصوات التي صاحبت معالجة الأوامر التي أصدرها له، وكيف أضاءت الشاشة أمام وجهه، وكيف نفذ الجهاز أوامره بكل دقة واستسلام، كان هناك شيء ما مخيف في ذلك، "لقد أعطاني الكمبيوتر، وأنا في السادسة من عمري شعورًا عميقًا بالتحكم والقيادة".

قال "إن القيام بخطوة ما صغيرة يمكن أن يؤدي وبسرعة إلى نتيجة قد تكون سيئة"، ويحكي قصته ليسهم في رفع مستوى الوعي حول الأمن السيبراني، ويريد أن يجعل العالم أكثر أمانًا لجميع الأطفال.

في مقابلة صحفية، قال "كالس" إن أكبر تهديدات للمؤسسات في الوقت الراهن هو هجمات "الهندسة الاجتماعية"، وفرق أمان تقنية المعلومات في الشركات لا يزالون يتغاضون عن تأمين الطابعات وأجهزة التوجيه والملحقات الأخرى، ويستخدمون كلمات مرور افتراضية سهلة وغير آمنة.

وقدم "طفل المافيا"- عمره الآن 35 عاما- عددا من النصائح لتوفير درجة أعلى من الأمان على شبكة الإنترنت:

- أول خطوة للبقاء آمنا هو اختيار كلمات مرور قوية.

- ولا تحتفظ بعدد كبير من التطبيقات في حالة تشغيل دائم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

- وينبه إلى أن وجود البلوتوث يعنى أن أي متسلل يمكنه الوصول بسهولة إلى جهازك، لذلك ينصح بعدم تشغيله.

- كما ينصح بعدم تشغيل برنامج الأوامر الصوتية "سيري" (Siri)؛ لأن الاحتفاظ بالميكروفون قيد التشغيل دائمًا يمكّن المتسللين من اختراق الهاتف والاستماع بسهولة إلى كل ما تقوم به من اتصالات.

- التأكد من أن المواقع التي تدخلها تحتوى على //:https أو على http:// في بداية اسم الموقع؛ ما يعني أنها مواقع حقيقية ومحمية.

- اقرأ قواعد الخصوصية، وافهمها لحماية نفسك.

كن متفردًا وقويًا: لا تتبع الحشد، ولا تنضم إلى جماعة، أو تشارك شيئا ما، لمجرد إخبار أصدقائك بذلك.

- ولا تعتقد أنه يتوجب عليك مشاركة كل شيء على وسائل التواصل الاجتماعي حتى تصبح أكثر شعبية.

إعلان