إعلان

صُنع الله إبراهيم .. كاتب من زماننا

محمود الورداني

صُنع الله إبراهيم .. كاتب من زماننا

محمود الورداني
09:21 م الخميس 21 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

أعلنت مؤسسة محمود درويش للإبداع الأسبوع الماضي عن فوز الروائي الكبير صُنع الله إبراهيم بجائزتها لهذا العام. الجائزة تحمل اسم الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهي إحدى أرفع الجوائز الأدبية المستقلة، على الرغم من أن قيمتها المادية (25 ألف دولار) تقل كثيرا عن مثيلاتها من الجوائز العربية، لكنها اكتسبت قيمتها الرفيعة من ارتباطها باسم الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، وكذلك بسبب أن الأسماء التي حصلت عليها هي لكتاب حققوا وأنجزوا الكثير.
أما صنع الله إبراهيم (مواليد القاهرة 1937) فهو صاحب إنجازات ضخمة في الرواية من ناحية، كما أنه واحد من قلة نادرة لم تنفصل مواقفهم السياسية والفكرية عن أعمالهم الروائية. ارتبط منذ وقت مبكر بالحركة اليسارية، وكان من أصغر المعتقلين السياسيين ممن أمضوا خمس سنوات كاملة في معتقل المحاريق بالصحراء الغربية. وإذا كان أغلب كتب جيل الستينيات قد بدأوا بكتابة القصة القصيرة مثل إبراهيم أصلان ومحمد البساطي وبهاء طاهر ويحي الطاهر عبدالله، فإن صنع الله إبراهيم كاد ينفرد بروايته الأولى"تلك الرائحة" التي تعرّضت للمنع والمصادر، قبل أن تصدر مشوهة بسبب الحذف لصفحات كاملة عام 1968. ومضت عقود وليس سنوات قبل أن يُسمح بطباعتها كاملة.
أكاد أقول إن الرواية العربية قبل تلك الرائحة، تختلف عنها بعد صدورها، بلغتها التلغرافية وحيادها الظاهري، وانغماسها في حياة وواقع شاب خرج لتوّه من السجن بسبب آرائه السياسية، وكان متعينًا عليه طوال صفحات الرواية أن يتواجد –يوميًا- في مسكنه قبل المساء ليوقع الشرطي على دفتر يحتفظ به، فقد كان الإفراج عنه مشروطاً بسنوات مراقبة. كشف الكاتب في روايته الأولى عن إيقاع الحياة في القاهرة بعد هزيمة 1967، من خلال ذلك الشاب الذي يبحث عن عمل، في بلد يئن من الهزيمة والقمع والمصادرة وتقييد أبسط الحريات، على نحو مختلفٍ تمامًا عن أساليب وطرق الكتابة المعروفة في الرواية العربية.
وتوالت أعماله الروائية مثل "نجمة أغسطس" التي تناولت تجربة بناء السد العالي ، و" اللجنة" إحدى مساخر زماننا وتتناول أحوال لجنة ما غامضة تتحكم في مصائر الناس وتحاكمهم وتصدر أحكاما بشأنهم على نحو كابوسي، و" بيروت بيروت" عن الحرب الأهلية اللبنانية في آخر سبعينيات القرن الماضي، و"ذات" التي تعتمد على قصاصات الصحف الصادرة خلال أوائل الثمانينيات، وقد تحولت منذ سنوات قليلة جدًا إلى مسلسل تليفزيوني تمتع بنجاح جماهيري ملحوظ، و"شرف" التي تناولت حياة شاب يقضي سنوات عقوبته بسبب جريمة جنائية في أحد السجون، و" وردة " التي تكاد تنفرد بتناول لتجربة ثورة ظفار اليسارية في جنوب عُمان في ستينيات القرن الماضي، "التلصص" التي يمكن اعتبارها سيرة ذاتية للكاتب" و"أمريكانلي" عن زيارة يقوم بها كاتب للولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب روايات" العمامة والقبعة" و" القانون الفرنسي" و"الجليد"، وكتابه "يوميات الواحات" عن فترة سجنه بمعتقل المحاريق بين عامي 1959 و1964 .
صنع الله كاتب غزير الإنتاج حقا، فقد أصدر في الوقت نفسه سلسلة من الروايات العلمية للفتيان، وترجم –أيضًا- ثلاثة أعمال أدبية، وشكلتّ أعماله تجربة كبرى في الرواية العربية المعاصرة. وفي الوقت نفسه كانت مواقفه السياسية حاسمة فلم يحصل على أية جوائز رسمية، بل رفض إحدى أهم الجوائز في أوائل العقد الماضي، وهي جائزة مؤتمر القاهرة للإبداع الروائي، وفي الاحتفال بتسليمه الجائزة رفضها عَلَنا بعد أن ألقى خطابًا سريعًا يهاجم حكم مبارك بك فساده وقمعه وإهانته للكرامة الإنسانية.
وفي النهاية نال صنع الله جائزة أضاف إليها باسمه ومكانته، وأضافت هي إليه بانتسابها للشاعر الكبير الراحل محمود درويش.

إعلان