إعلان

ليبيا بعد سيطرة الجيش على الجنوب

محمد جمعة

ليبيا بعد سيطرة الجيش على الجنوب

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 13 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

في الأول من مارس الجاري أعلن الناطق العسكري باسم الجيش الوطني الليبي، تحرير منطقة أم الأرانب، آخر منطقة كانت خارج سيطرته في الجنوب، ليكتمل بذلك ضم إقليم فزان بالكامل لمناطق نفوذ الجيش وإدارته، وتتحقق كذلك ولأول مرة سيطرة الجيش على الحدود المشتركة مع النيجر والجزائر.
استيلاء حفتر على منطقة فزان تمثل بالفعل أول تغيير حقيقي في ميزان القوى منذ تقدم الجيش في يونيو عام 2017 نحو منطقة الجفرة بوسط ليبيا. آنذاك ساد ما يمكن تسميته بـ"توازن الضعف" بين شرق ليبيا وغربها.
فمن ناحية بدا حفتر غير قادر على التقدم لأكثر من ذلك. وبالمثل بدت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس العاصمة وبعض المناطق غرب ليبيا غير قادرة هي الأخرى على بسط نفوذها بسبب الصراع بين الفصائل والميليشيات الموالية لها ومعظمها من غرب ليبيا. وقد أدى "توازن الضعف" هذا (إلى جانب عوامل أخرى) إلى تجسير فجوات الانقسام السياسي بين الحكومتين المتنافستين في شرق ليبيا وغربها.
فمن ناحية سمح حفتر بشحن صادرات النفط من الموانئ الشرقية الواقعة تحت سيطرته على الرغم من أن العائدات ستورد للبنك المركزي في طرابلس. وبالمقابل التزمت حكومة الوفاق الوطني بدفع رواتب العديد من موظفي الحكومة الشرقية، بما في ذلك رواتب جنود قوات الجيش بقيادة حفتر. وفي هذه الأثناء، ظلت الجهود الدولية للتفاوض على صيغة تنفيذية موحدة تضم حفتر عالقة بين مطالب حفتر وبين ثقة حكومة الوفاق الوطني في أنها وحدها هي التي حظيت باعتراف دولي.
الآن أفضى مد نفوذ الجيش إلى الجنوب إلى تحطيم تلك المعادلة، بعدما أصبح لديه الفرصة لاحتكار معظم موارد ليبيا النفطية.
وفى ظل وضع كهذا لا يمكن لأي اتفاق مكتوب أن يحد من قوة حفتر أو ينجح في تجاهلها والنيل من درجة تأثيرها على الأرض. وقد يجنى حفتر المزيد من الدعم من المجتمع الدولي بعد أن رسخ موقعه شريكًا أمنيًا لا غنى عنه. وفوق ذلك، فإن التركيز الآن بعد "عملية فزان" سيكون على التطورات العسكرية بدلاً من المفاوضات، لأن الجميع بات يترقب ما يمكن أن يحدث من تغيير جديد في موازين القوى على الأرض.. بمعنى أن استمرار سيطرة حفتر على الجنوب سيكون لها تداعيات كبيرة في غرب ليبيا. صحيح أنه لم يقم حتى الآن بشن حملات رئيسية على المراكز السكانية الكبيرة في الشمال الغربي، ولم يواجه بعد أيا من القوى العسكرية الليبية الثقيلة، مثل: قوات مصراتة، والزنتان، وكذلك الميليشيات التي تسيطر على العاصمة. فهذه القوى، ومعظم الدوائر المحلية التي تنحدر منها، لا تزال معادية بشكل كبير لاحتمال قيام حفتر بالاستيلاء على السلطة. وقد راقب الكثيرون منهم تقدمه في الجنوب بقلق شديد، وهم الآن يرون بشكل متزايد أن هناك حاجة لإعداد دفاعاتهم ضد إمكانية توسع حفتر نحو طرابلس.
ومع ذلك، فإن الاستيلاء السلمي على مساحات شاسعة من الأراضي، كما هو الحال في العملية الجنوبية، غير وارد في غرب ليبيا. ففي الجنوب، كانت تحالفات الجماعات المسلحة مع معسكرات منافسة تتسم بطابع انتهازي إلى حد كبير منذ عام 2011، وكان استيلاء حفتر يمثل تهديدًا وجوديًا لعدد قليل من الفاعلين المحليين في الجنوب.
أما في الغرب فيبدو الوضع مختلفًا تمامًا. والأرجح بدرجة كبيرة أن نتائج هذا الصراع ستكون غير مضمونة. بل ربما لا يعد مبالغة القول بأن انتصار حفتر العسكري في الغرب يبدو أمرًا مستبعدًا!.
وحتى إذا حدث ذلك الانتصار فسيكون بعد صراع عنيف في غرب ليبيا، وسيكون من حيث الكثافة وطول الأمد أكبر من أي شيء شهدته ليبيا منذ سقوط القذافي. وحتى إذا نجح حفتر في الاستيلاء على السلطة بمثل هذه الكلفة الهائلة، فإن هذه الكلفة ذاتها لن توفر مساراً ذا مصداقية نحو تحقيق الاستقرار في ليبيا.
المقصد أن ما تحقق للجيش الليبي في الجنوب يصعب القياس عليه في غرب البلاد، ولهذا يتعين على القوى الإقليمية المعنية قراءة المعادلة المستجدة هناك قراءة صحيحة، وصولا إلى ترشيد الخيارات في إدارة الأزمة الليبية.

إعلان