إعلان

مصر التي في خاطري

د. جمال عبد الجواد

مصر التي في خاطري

د. جمال عبد الجواد
09:01 م الجمعة 08 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

نشرت اليوم السابع مؤخرا حديثا مطولا مع الفنان الكبير حسن يوسف. مع الحديث نشرت الصحيفة صورة للفنان الكبير مع عائلته. ضمت الصورة حوالي ثلاثين شخصا من الجنسين، يمثلون أفراد عائلة الفنان حسن يوسف وأقاربه المقربون، بمن فيهم أبناء حسن يوسف وشمس البارودي الأربعة. ضمت الصورة نساء محجبات، وواحدة منتقبة وأخريات لم يغطين رؤوسهن، ولن أقول سافرات لأني لا أحب هذا اللفظ الذي ينطوي على إيحاءات غير محببة، خاصة بسبب الطريقة التي يستخدمه بها المتشددون.

صورة أسرة الفنان حسن يوسف هي صورة مصر التي في خاطري بتنوعها وتسامحها. أسرة الفنان حسن يوسف أسرة مصرية طبيعية، وأحب أن أرى مصر بهذا المزيج الرائع المتنوع والمتعايش بلا إحساس بالنقص والدونية أو بالتفوق والعظمة. سأشعر بالقلق والاستغراب إذا لم يكن هناك في مصر منتقبات، فثقافتنا الوطنية لها رافد شديد المحافظة، وزي المنتقبات من الأشياء التي تدل على هذا وتذكرنا به. كشف الشعر يعكس تأثرنا بالعالم والعصر، ورغبتنا في أن نكون جزءا منه، يسري علينا ما يسري عليه، وهو يعكس الجزء المقدام فينا، والأكثر قدرة على تحدي التقاليد. الحجاب بأشكاله شديدة التنوع يعكس محاولة اللحاق بالعصر والحفاظ على الموروث في الوقت نفسه، وهو الاختيار المفضل لأغلب المصريات في وقتنا هذا.
تغير التوازن بين فئات الزي الثلاثة عدة مرات خلال القرن الأخير، ولا يوجد سبب للاعتقاد في أن التوازن الحالي بين كشف الشعر وتغطيته والانتقاب سيبقى كما هو إلى الأبد. في بحث أجريناه قبل فترة سألنا عينة من المواطنين عن الزي الذي يرونه مناسبا للمرأة، فاختارت الأكثرية "زيا محتشما"، وجاء "الحجاب" تاليا له بفارق قليل. الاحتشام، سواء كان له مغزى ديني أو لم يكن، هو المظهر المفضل من وجهة نظر الأغلبية الساحقة من المصريين، وهذه هي القيمة الأصيلة في ثقافتنا الوطنية.
لا أحب أن يحكم الناس علي بمظهري، ولا يجب علينا أن نصدر أحكاما على الناس بناء على مظهرهم. الناس لا يختارون لون بشرتهم أو طول قامتهم أو ملامح وجوههم، وهم حتى لا يختارون ملابسهم إلا بشكل جزئي؛ فالآباء يتدخلون في اختيار ملابس أبنائهم، وللمجتمع ضغوطه وقواعده التي تمنع الناس من اختيار ملابسهم بحرية. الناس يختارون ملابسهم، ولكنهم لا يفعلون ذلك بحرية كاملة، وبالتالي فإنه لا يمكن اعتبار الملابس دليلا على دواخل النفوس وتفضيلاتها إلا بشكل جزئي فقط.
أتمنى لو أن التعايش الذي ظهر عليه أفراد عائلة الفنان حسن يوسف يمتد ليشمل المجتمع كله، بدلا من ذلك الصراع الزاعق حول غطاء الرأس، من خلعته ومن لبسته. مشهد السيدات والآنسات المحتفلات بخلع الحجاب، واحتجاج آخرين على الاحتفال، ثم الاحتجاج ضد الاحتجاج على الاحتفال، كل هذا يشير إلى مجتمع منقسم ومضروب بأزمة هوية حتى النخاع. الانشغال بصورة فنانة معتزلة كشفت رأسها بين صديقات يكشف خواء فكري وثقافي وإعلامي، وارتباك شديد في الأولويات، ولا بديل سوى بقبول التنوع والتعدد، قبول كل آخر.

إعلان