إعلان

المتحرشات

د. براءة جاسم

المتحرشات

د. براءة جاسم
09:00 م السبت 02 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

حينَ تحدثتُ، وكتبتُ سابقًا عن "المتحرشات"، كان مُفادُ التعليقاتِ التي وصلتني أن الرجلَ الشرقيَّ لا يستاءُ من التحرُّشِ به، بل يراهُ مدعاةً للفخر، وقد تبدو هذه الآراءُ صحيحةً في ظاهرِها، لكنَّ الواقعَ مختلفٌ يعكسُ مدى تشوهِ المفاهيمِ المجتمعيَّة، ويُعدّ أحد أسبابِ رفضِ الرجلِ لتسميةِ ما يتعرضُ له بالتحرش، وبحثِهِ الدائمِ عن توصيفٍ آخر يخففُ من وطأة وخطورة الكلمة كأن يعدُّه إعجابًا، لأنهُ إذا أقرَّ بلفظةِ التحرش سيُقمعُ، ويُسخرُ منه، وقد يُتهمُ بالغباء، بل يُطعنُ في رجولته إن رفضَ أن يُلمسَ أو إن تذمرَ من تحرشٍ لفظي، وقد يُطالبُ بأن "يسترجل"، كلُّ هذا يدفعُ الرجلَ إلى الكتمان، فهو لا يجرؤُ على البوحِ بتعرُّضِه لتحرشٍ لفظيٍ أو جسدي.
ومما يزيدُ من صعوبةِ الأمرِ بالنسبةِ إليه أنَّه تربى على كونِه أقوى جسديًّا من المرأة، ولأنه ضمنيًا/ في اللاوعي، وحتى الوعي، يعي أن المرأة مهما زادت قوتُها فلن تتخطى مرحلةً معينة، هذا إذا لم نأخذ في الاعتبارِ حالات وقضايا اغتصاب الرجال، تلك التي تعتدي فيها المرأةُ على الرجلِ واستنكار الناس لها ناسين أن مفهومَ الاغتصاب يشمل أي تعدٍ على حرمة الجسد، ولا يعني فقط إقامة علاقةٍ كاملةٍ مع الضحية، كما أن الرجلَ لم يُربَّ على أنه ضحيةٌ تتعرض للتحرش أو العنف بل على أنَّه الجاني.

يُزعجني الكيلُ بمكيالين، والازدواجيةُ التي أكادُ أجزمُ أننا جميعًا نمارسُها من وقتٍ إلى آخر بدرجاتٍ متفاوتة، خصوصًا في مواضيعَ كهذه.
إن ضايقَ ذكرٌ أنثى عبر وسائلِ التواصل الاجتماعي، فستقابلُ شكواها إما بالتعاطفِ معها ووابلٍ من الشتائمِ على من يضايقُها، أو إيجادِ ملايينِ الأسبابِ التي تستحقُ من أجلِها أن تكونَ مستباحةً.
أما العكسُ، فقدْ يُسمى "إعجابًا"، "محاولة للتعارف"، لكنّهُ سيكونُ في نظرِ المجتمعِ بعيدًا كلَّ البعدِ عن التحرشِ، وفي أسوأ الأحوالِ ستُتهمُ المرأةُ بالانحرافِ، ولكن لن يُشارَ إليها بالبنانِ كمتحرشةٍ، مثلما يوصمُ الرجلُ بها إذا تجاوزَ الحد.

ما يقاربُ الـ١٦% من بلاغاتٍ ضد التحرش في الولاياتِ المتحدة الأمريكية مُقدمةٌ من رجال، ووَفْقا لدراسةٍ أقيمت في لندن في عام ٢٠٠٦، فإن اثنين من أصلِ خمسة متعرضين للتحرشِ هم من الرجال، و٨% من شكاوى التحرش مقدمةٌ من الرجال، وهي نسبٌ غيرُ واقعيةٍ، لأن كثيرًا من الرجال الذين يتعرضونَ للتحرشِ يفضلون الصمتَ؛ حفظًا لماء الوجهِ وخوْفًا من السخرية التي ستُقابَلُ بها شكاواهم.

نعم، بعضُهنَّ متحرشات، قد تختلفُ ترجمةُ أفعالِ الأنثى وردودُ فعلِ الرجل نظرًا لنشأةِ كلٍّ منهما، وقد نُسمي الفعلَ بمسمياتٍ أخرى لكنْ علينا أن نقِرَّ بحقيقةِ أنه في الأصلِ تحرشٌ حتى لا نكيلَ بمكيالين.

إعلان