إعلان

زعيم مُخلص أم أبٌ مؤسّس؟

د. أحمد عمر

زعيم مُخلص أم أبٌ مؤسّس؟

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 17 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

لم تعرف الدولة المصرية الحديثة نموذج الآباء المؤسسين وتضحياتهم من أجل ترسيخ دعائم حكم المؤسسات في أوطانهم، عبر ما تركوه بعدهم من أفكار ودساتير وأعراف وثوابت سياسية موجه لسياسات رجال الدولة وقادة مؤسساتها، بما يضمن استمرار الشرعية الأخلاقية لنظام الحكم في الدولة، مهما اختلفت وجوه أصحابه.

والثابت الوحيد في الدولة المصرية هو جهازها البيروقراطي العتيد، وإدارته وتوظيفه بشكل يخدم مصالح الفئة المسيطرة في كل مرحلة، ومصالح ومكاسب القائمين على إدارة هذا الجهاز البيروقراطي.

أما الشعب المصري، فقد كان دائمًا هو الحاضر الغائب؛ يتكلم الجميع باسمه ولا يراه أحد أو يضعه حقيقة في الاعتبار. والشعب دائمًا راضٍ وصابر على حاله وحكامه، طالما توفر له الحد الأدنى من الحياة الكريمة التي يتوفر فيها ضرورات الحياة ومقومات الاستقرار والأمن.

وهذا يعني أن الدولة المصرية كانت دائمًا دولة الأقلية المسيطرة التي تملك السلطة وأدواتها، والتي يوجد بينها وبين أغلبية الشعب فجوة قيمية واقتصادية ونفسية، وهذا يعني أن شعار مصر للمصريين هو حديث خرافة؛ حيث كانت مصر وخيراتها لمن يملك السلطة، وأغلب المصريين رعايا، وليسوا مواطنين.

ودولة الأقلية قد تتغير الوجوه فيها بتغير الطبقة والفئة المسيطرة، لكن دون إحداث تغييرات فلسفية ومؤسسية وبنيوية حقيقية، يُمكن أن تُحدث فارقًا وتخدم مصالح الشعب بكل طبقاته ومكوناته، ويساعد الدولة على بناء مشروعها السياسي والاجتماعي والتنموي والثقافي الذي يضمن لها البقاء والاستقرار، ويضمن لشعبها الحياة الكريمة.

وهذا في ظني ما جعل الدولة المصرية، رغم تاريخها الطويل شبه دولةّ، لأن الدولة، بعيدا عن تعريفها الاصطلاحي الذي ترتب على اتفاقية «وستفاليا» Westphalie 1648، أي الدولة الوطنية المحدودة جغرافيًا، التي يسكنها شعب معين، ولها نظام حكم معترف به دوليًا، وتتحدد فيها الممارسة السياسية بمراكز محددة للقرار والتشريع، وفقا لما تمليه نظرية السلطات الثلاث، هي مؤسسات وطنية يديرها رجال منزهون عن الهوى والغرض الشخصي، وهي أيضًا قيم وثوابت وطنية وديناميكية سلمية وسياسية لحل التناقضات السياسية والاجتماعية والطبقية، بما يخدم مصالح جميع المواطنين، ويحقق الأمن والاستقرار، ويضمن للحاكم شرعية أخلاقية وقانونية.

فهل من سبيل لتدارك وإصلاح هذا الخلل البنيوي الخطير في جسد الدولة المصرية، وفلسفتها الحاكمة؛ بما يؤسس لعقد سياسي واجتماعي جديد بين الحكام والمحكومين، وخاصة بعد المخاطر التي هددت وجودها واستقرارها في العقد الأخير؟!

لقد نجح الرئيس السيسي في أن يعيد الأمن والاستقرار للدولة المصرية، وأن يحافظ على بقائها ووحدتها، كما عمل على تجديد شباب مؤسساتها، وبنيتها التحتية، لكن ذلك تم دون تغيير ملموس في الفلسفة والقيم الموجهة التي تجعل الدولة أداة لتمدين المجتمع، وصنع تقدمه عبر التعليم والثقافة، بالضبط مثلما هي أداة لحماية السيادة الوطنية والتراب الوطني والنظام والأمن عبر الجيش والشرطة.

وفصل المقال: الدولة في تصورها المثالي ليست وظيفتها حماية الأرض والسيادة الوطنية وحفظ الاستقرار والأمن ومنع الصراعات فقط، كما أنها ليست غاية في ذاتها، ولكن وسيلة لتمدين المجتمع وتحديثه، ووسيلة لخدمة الأمة والشعب وتحقيق الصالح العام.

وكل دولة دون ذلك هي شبه دولة، تحتاج إلى آباء مؤسسين ورجال دولة وطنيين، لكي يجددوا وعيها وفلسفتها وثوابتها ومؤسساتها، بما يضمن بقاءها ووحدتها واستقرار نظامها السياسي، وتداول السلطة فيها بعيدًا عن الأهواء والمصالح الطبقية والفئوية الخاصة؛ وفي هذا قال الفيلسوف والمصلح الفرنسي الكبير مونتيسكيو: "عند تأسيس دولة ما يكون الرئيس هو الذي يُشكل المؤسسة، وفيما بعد تصبح المؤسسة هي التي تُشكل الرئيس".

فهل يصبح الرئيس السيسي هو ذلك الأب المؤسس، أم أنه سوف يكتفي فقط بدور الزعيم المُخلص؟!

إعلان