إعلان

"ميلاد المسيح"

"ميلاد المسيح"

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 07 يناير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

المسألة ليست في دار عبادة، فلدينا ولله الحمد وفرة وأكثر. والقضية ليست في رئيس مسلم يصر على بناء كاتدرائية لا تقل مساحة أو بهاء عن مسجد جامع في المدينة الجديدة، فنحن نعشق "الأوسع" و"الأكبر" و"الأرحب" عمومًا. كما أن الحكاية ليست في مسجد وكنيسة على أرض واحدة، فهي سمة مصرية أصيلة لم نبتدعها اليوم أو أمس، لكن هناك من حاول أن يطمسها أول أمس.

وأمس أرسلت مصر رسالة واضحة قوية صريحة لا مجال لكذب "الجزيرة" فيها، أو موطئ لسم في عسل التغطيات هنا وهناك. فهناك على الطريق إلى كاتدرائية "ميلاد المسيح" تمر على الكيلو أربعة ونصف الملقب بـ"عزبة الهجانة". هناك وقبل القداس بساعات، كان الشهيد الرائد مصطفي عبيد من إدارة المفرقعات قد ارتقت روحه إلى بارئها وهو يفحص حقيبة وجدت بجوار كنيسة "السيدة العذراء والشهيد أبوسيفين" اتضح أنها عبوة ناسفة.

العبوة الناسفة لم يفككها الشهيد الرائد مصطفى عبيد وحده، بل يفككها من رحل قبله ومن سيرحلون بعده. ومعهم يفككها كذلك ملايين المصريين الذين بدأت بوادر عودة الحياة المدنية الحضارية التي تم دهسها تعود إليهم ويعودون إليها. عقود طويلة من زرع الفرقة وبث الفتنة والسكوت عن نشر الكراهية وإبراز الخلاف والتركيز على الفروق بين المواطنين وبعضهم بناء على العقيدة. تُرِك "بتوع" تهنئة المسيحيين بالعيد حرام، وتبادل التهاني معهم مكروه، والاجتماع معهم حول طبق أكل واحد غير مستحب. أولئك الذين ما زالوا يصارعون من أجل البقاء، ويحتمون في مؤسسة تحتضنهم هنا أو يتخفون خلف أشخاص ما زالوا لم يحسموا أمرهم من التشدد والتطرف ودعاة التكفير بعد.

إلا أن مشهد مصر وهي تحضر قداس الميلاد في "كاتدرائية ميلاد المسيح" كفيل بإعادة إصلاح ما تم تدميره، وزرع ما تم اقتلاعه، وتجميل أو بالأحرى إعادة بهاء ما جرى تشويهه. الطبيعي أن يحضر رئيس مصر ووزراؤها ومواطنوها قداس الميلاد. والطبيعي أن يتبادل مواطنو مصر التهاني في الأعياد الدينية. والطبيعي أن يعيش أهلها في أرض واحدة تجمعهم حقوق متساوية وواجبات متشابهة، وكل ما عدا ذلك من ترهات تتمثل في مفردات عجيبة مريبة مثل "الأقلية" و"الأغلبية" و"مواطنون درجة أولى" و"ثانية" و"أصحاب البلد الأصليين" وغيرها من كلمات ما زالت تتردد هي والعدم سواء.

وسواء تابع البعض ما تبثه أذيال الجماعة وأبناء عمومها وأذنابها من ضحايا فكر الجهالة والفرقة أو لم تتابع يبقى ما في القلب في القلب. وتبقى الحاجة إلى تطهير هذه الأدمغة والقلوب التي أصابها عطب فكر الجماعات وانغلاق التفسيرات التي ضربت مصر في مقتل منذ نهاية السبعينيات. هل يعقل أن يكون بيننا من لا يزال يرى أن زيارة رموز الدولة المصرية لكنيسة مخطط صهيو استعماري مسيحي غربي أمريكي لتقويض الإسلام؟ وهل يعقل أن يكون بيننا من ما زال يبحث عن رأي أحدهم في توجيه التهنئة لجار مسيحي؟ وهل يعقل أن يٌترك بيننا من ما زال يطلق العنان لفتاوى الكراهية والحقد والفتنة؟ الإجابة بكل بساطة هي: نعم، ما زالوا بيننا.

أولئك علاجهم الوحيد التعرض للصدمات المتتالية. فمن صدمة وجود الرئيس والوزراء في الكاتدرائية، لصدمة تبادل التهاني والأماني بين الجميع، لصدمة مضي مصر والمصريين قدمًا نحو قدر أكبر من العقلانية والإنسانية والمدنية والمنطقية. التعرض المستمر لهذه الصدمات من شأنه أن يسهم في علاج القلوب المعطوبة والأدمغة المعيوبة.
والحمد لله أن من عودونا على الدق على أدمغتنا في كل عيد بمناسبة أو بدون مناسبة للحديث عن "الانقلاب" الذي أطاح بـ"أول رئيس مدني إسلامي منتخب محمد مرسي" دقوا اليوم وأمس على أوتار الكاتدرائية الجديدة والرسالة التي انبعثت منها عبر الرئيس المصري وقوامها أن مسيحيي مصر في قلب مصر. عيد ميلاد سعيد على مصر والمصريين.

إعلان