إعلان

بيوت وجيوب تحت التشطيب !

محمد حسن الألفي

بيوت وجيوب تحت التشطيب !

محمد حسن الألفي
09:01 م الثلاثاء 22 يناير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

المعركة الناشبة الآن خارج أسوار المواقع الاجتماعية للتواصل هي:

من سيدفع ثمن طلاء واجهات البيوت القبيحة ذات الجلد الأحمر؟

بالطبع توجد معركة أخرى أكثر اشتعالًا على صفحات المواقع، من فيسبوك لتويتر لإنستجرام وموضوعها السنوي المعاد والمكرر: هل ٢٥ يناير ثورة أم مؤامرة؟

الفرق بين الاهتمامين أن المعركة خارج أسوار مواقع التواصل الاجتماعي، وقودها عموم الناس من الفقراء والمزارعين والعائدين من النفط، بينما المعركة داخل أسوار اللت الاجتماعي تخص النخبة التي فقدت مصداقيتها إلى حد كبير، وبات هذا العراك السنوي بمثابة سرادق عويل على ميت يعتبره البعض من أولياء الوطن الصالحين والبعض من عملاء الشيطان الممقوتين!

من المفارقات أن سكان البيوت الحمراء في الغالب كانوا وقود النخبة في معركة الخامس والعشرين من يناير٢٠١١، وبينما اغتنى كثيرون من هذه الحرب الخاطفة، فقد افتقر كثيرون بسببها، وهم لا يجدون الآن المال اللازم لتمويل أعمال المحارة ودهان واجهات البيوت، تنفيذا لقرار رئيس الجمهورية .

بطبيعة الحال، فإن قرار الرئيس طرد القبح على الدائري وغيره ومن المحافظات كافة- هو رد اعتبار لخاصية تذوق الجمال، المعطلة تحت وطأة تكاليف المعيشة من أمن وطعام وصحة وتعليم بعد الارتباك الكبير في سبل الحياة .

من سيدفع ثمن الدهانات؟

الدولة تقول أصحاب الشقق.

وأصحاب الشقق يقولون يدفعها أصحاب العمارات.

والأخيرون يهزون أكتافهم ألا شأن لهم بذلك؛ فالأحياء هي المسؤولة.

والأحياء تقول إنها سوف تلزم سكان الشقق بالدفع، وإن الحكومة ليست مسؤولة عن طلاء واجهات بيوت خاصة وليست حكومية!

أليس لدينا قانون يلزم الملاك بمحارة ودهان واجهات العمارات التى يقيمونها؟!

الكسبان في هذا كله فئات: المقاولون، وتجار الأسمنت والرمل وعمال المحارة وتجار الدهانات.

بالطبع لن يكون الدهان بالبلاستيك المط ولا اللميع ولا نصف اللميع، بل سيكون الجير القبيح والجردل والفرشاة مفردات المشهد. عادة ينتج عن ذلك مضاعفة القبح.

لخبراء التنسيق الحضاري مصطلح يبرر حتمية الدهانات، اسمه التحليل البصري، للمدن المصرية، نتيجة التحليل البصرى للمدن المصرية أنها قبيحة الوجه في الغالب، ومنعدمة الشخصية المعمارية .

ظهر هذا التحليل فجأة بعد قرار الرئيس بمطاردة القبح واستعادة الجمال. بالطبع كان المصطلح موجودا، وكانت الأحياء موجودة، وكان جهاز التنسيق الحضاري موجودا، لكنهم جميعا كانوا في السبات والشخير، حتى أيقظهم القرار الجمهورى.

المشكلة أن الناس المطلوب منهم الامتثال لتنفيذ القرار هم فقراء، وبيوتهم في الوقت ذاته مصدر القبح وعلى نحو عشوائي.

البعض أعلن أنه غير قادر أساسا على تكاليف البيت من الداخل، ولن ينفذ، فكيف سيوفر مالًا لتكلفة واجهة شقته؟

المشكلة الثانية هي توحيد اللون. القاهرة أصلا مدينة ترابية صفراوية التراب، في حضن الجبل، تعصف بها رياح الخماسين في إبريل ومايو محملة بالزعابيب، والحرارة، ومن عجب وقبل أسبوع، عرفت القاهرة لأول مرة خماسين رملية ذات صقيع !

اللون الطوبي الأحمر، للمفارقة، هو ما دهنت به واجهات وطوابق سامقة لفنادق خمس نجوم، لأنه يتوافق مع الغيمات الترابية.

بالطبع الدهانات كانت محترفة وبلا قبح، لكنها ليست رائعة تريح العين.

التركيز أيضا سيكون على أهم منطقتين بالقاهرة: الطريق المؤدي إلى المتحف العظيم غربي القاهرة، والطريق الدائري مركز القبح المكثف، سيارات مجنونة فحوادث بالجملة وبيوت قبيحة الطلة.

ترافق مع العناية بمحارة ودهان واجهات البيوت على الطريق إلى المتحف معركة أخرى لنزع الإهمال والبلطجة والعشوائية من نزلة السمان، وكر لصوص التنقيب وسرقة الآثار .

يجري كل هذا متزامنا، لكن تبقى أزمة من يدفع ثمن التمحير والبويا .

الأحياء نشيطة لحد الإكراه، وأصحاب الشقق يطالبون الحكومة بالدفع لأنها المتضررة، والملاك سعداء بتنظيف وتشطيب عماراتهم التي لم يكملوا واجبهم أساسا نحوها عند الإنشاء.

مدن الصعيد سيناسبها اللون الترابي الشاحب. بتوع التنسيق الحضاري يرونها صفراوية شاحبة، لتزداد قتامة !

كلا بل خذوا باللون الأبيض، وانظروا روعة وبساطة ألوان بيوت النوبة الأبيض مع الأزرق الشاهق.

ألوان الإسكندرية وبورسعيد والسويس هي الأبيض وأضيف إليها المنصورة مدينتى الجميلة .

لكل هذه تكاليف دونها قدرات الناس الناضبة أصلًا. أن تدمر مكانا جميلا لن يكلف شيئا كثيرا، أن تسترد جماله ستدفع كثيرا.

أظن أن على الحكومة البحث عن بدائل تمويل لأعمال المحارة والدهانات، وأن تلزم كل من يبنى بإتمام التشطيب للواجهات كلها.

وأظن أن التقسيط طويل المدى ولمرة واحدة هو البداية لمساعدة سكان الشقق.

أما دهانات السنوات التالية، فالمواطن سيتهيأ لها ويعمل حسابه.

بدون هذا التسهيل لن تكون البيوت فقط المشطبة، بل أيضا جيوب الناس الناضبة .

المهم في نهاية المطاف توحيد الرؤية الجمالية، فلا تتنافر الألوان والتشطيبات ويعود العك متباهيًا بانتصاره!

إعلان