إعلان

إصلاح التعليم العالي ومواكبة عصر التعليم الرقمي- الجزء الخامس

د. غادة موسى

إصلاح التعليم العالي ومواكبة عصر التعليم الرقمي- الجزء الخامس

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 19 يناير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

لا تنفك عملية إصلاح التعليم- سواء كان التعليم الأساسي أو التعليم العالي- عن مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة التي أصبحت من أهم موجّهات التنمية المستدامة.

فإذا كنا في مصر في الآونة الأخيرة نتحدث عن خطة للتحول الرقمي، فهذا التحول لا يطال فقط قطاع الأعمال والشركات، وإنما كل مناحي الحياة؛ حيث يخطئ من يعتقد أن التحول الرقمي هو ملكية تكنولوجيا أكثر وأحدث. فليست التكنولوجيا وحدها هي التي تساعد على التحول الرقمي، بل يتعلق الأمر بفهم التحول في سلوك الفرد تجاه مواكبة واستخدام كل ما هو رقمي digital، ومن ثم تبني استراتيجية أو خطة تجعل الفرد متصلا بالمعارف والمعلومات والبيانات والأفراد في أي وقت، وأينما وجدوا.

وجدير بالذكر أننا تأخرنا في فهم أهمية ومتطلبات هذا التحول، خاصة أن ثورة وانفجار التحول الرقمي بدأ في التسعينيات من القرن العشرين في الوقت الذي كان فيه العالم يربط بين قيمة المؤسسات، بما تشتمل عليه من رأس مال بشري وقواعد بيانات ونظم معلومات وإجراءات ذات جودة مرتفعة وابتكار وعلاقات كُفُؤَةٍ بين عناصر المؤسسة من جانب وبين إنتاجيتها من جانب آخر.

وعليه، فإن أول خطوة لتتمكن مؤسسات التعليم العالي ومسؤولوه من مواكبة عصر التعليم الرقمي- تغيير وجهة نظرهم ورؤيتهم لهذا الشكل من التعلم، والانفتاح على التغيير. وألا يتم النظر له كبديل للتعليم الحالي، وإنما كخيار وتطور وشكل مختلف لتلقي ذات المعارف والعلوم، ولكن بأسلوب وأدوات مختلفة. فليس من المستحيل تحويل أهداف العملية التعليمية إلى أهداف رقمية. مثل توسيع رقعة المعرفة باستخدام المكتبات الرقمية، والوصول إلى أكبر عدد من الطلاب والراغبين في استكمال تعليمهم العالي بدون مشقة الانتقال. فضلا عن مواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي أسفرت عن خروج عدد كبير من الشباب لسوق العمل أثناء مرحلة تعليمهم إما لاعتبارات الرزق أو لاكتساب خبرات تؤهلهم لدخول سوق العمل.

يستطيع التعليم الرقمي أن يحقق كفاءة تحديد أولويات التعلم والتعاون والاتصال الفعال، وخفض النفقات وتوصيل العملية التعلمية للجميع باستهداف أكبر عدد من الأفراد في أماكن مختلفة، سواء داخل حدود الدولة أو خارجها، والاستفادة من الفرص التي يتيحها التحول الرقمي وتحجيم مخاطره.

ويضاف لما سبق عنصر يحقق نقلة نوعية في التعلم والتثقيف، وهو التحول في منهجية التعلم من خلال تصميم مناهج تعليمية تتجاوز التقسيم البليد لعقول تدرس علوم إنسانية وأخرى تتخصص في العلوم الطبيعية. حيث يسهم التعليم الرقمي في تصميم مناهج تجمع بين العلوم الانسانية والطبيعية وتسهم في توسيع مدارك الطالب أو الدارس ومن ثم توسيع خياراته في الحصول على المعارف والحصول أيضاً على فرصة عمل تتجاوز تخصصات دقيقة منبتة الصلة عن السياق المعرفي والعلمي الذي نبتت فيه، على النحو الذي تم توضيحه في الأجزاء السابقة حول سياسات ومناهج واقترابات إصلاح التعليم العالي.

وجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي قدم إطارا للتميز في مجالات استخدامات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. وقد أصبح هذا الإطار بمثابة مواصفة جودة لعمل كل المؤسسات الخاصة والعامة في دول الاتحاد الأوروبي وموجهاً للتحول الرقمي في قطاعات المجتمع المختلفة عبر الدمج بين النظم التقليدية والنظم الرقمية. كما أصبح هذا الإطار أيضا حاكما في العملية التعليمية؛ حيث نص على أن مهارات الاستخدام والاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تعظم من قيمة المؤسسة وتعتبر مقياسا لمهارات الأفراد ومن ثم تنافسيتهم. ومن ثم رأت دول الاتحاد الأوروبي ضرورة إعادة تخطيط المهارات الفردية في اتجاه رفع مهارات استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، حتى يمكن تعظيم الاستفادة من قوة وتجسير الفجوة الرقمية وتفعيل التحول الرقمي.

أن يكون التحرك متأخراً خيرُ من ألا يأتي. وإذا كانت هناك دول عربية قد سبقتنا مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فقد بدأت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العام الماضي في وضع خطة للتحول الرقمي للجامعات المصرية، من خلال العمل على تدريب الطلاب لربطهم بسوق العمل. غير أن هذه الخطة من المهم والمفيد أن تحتوي على العناصر التالية حتى نضمن لها الفعالية والاستدامة.
ومن هذه العناصر وضع مواصفة علمية للتحول الرقمي تستفيد من المواصفات الدولية من جهة، وتلائم الظروف المحلية من جانب آخر، بحيث تكون ملكيتها للدولة أو المؤسسة أي الجامعات المصرية في إطار موضوعنا، وليس لشركة محددة. أيضاً من الأهمية بمكان أن تتبنى الجامعات المصرية فكرة وجود مرصد إحصائي رقمي تحليلي لرصد التقدم في عمليات التحول الرقمي الجامعي وتطبيق المواصفات والتطوير المستمر ومدى استفادة الطلاب منه. ويتبع هذا المرصد منصة لتصنيف الجامعات المصرية، وفقا لتطبيقها لاستراتيجيات التحول الرقمي.

غير أنه لا يمكن إنجاز ما سبق بدون العنصر المتعلق بوجود خطة تواصل وتوعية للأساتذة والموظفين والطلاب والدارسين بأهمية وفوائد التحول الرقمي على العملية التعليمية وعلى المجتمع العلمي والمجتمع الأوسع وعلى سوق العمل؛ لأنه كما سبقت الإشارة من الأهمية بمكان النظر للتعليم نظرة تتعدى كونه جسراً لسوق العمل فقط، وإنما باعتباره عملية لتطوير معارف ومدركات الدارسين وتوسيع خياراتهم الحياتية، سواء كانت في اتجاه سوق العمل بمفهومه المادي أو في اتجاه آخر. وجميع العناصر السابقة لا بد أن تأتي في إطار خطة تتسم بالواقعية، وإشراك كل الأطراف المعنية ومتضمنة تكلفة واضحة ومصادر لتمويل التكلفة وتوقيت زمني محدد بأولويات وبدراسة الوضع الراهن للجامعات المصرية وجاهزيتها للتحول الرقمي.

وعليه، فإن بدء خطة التحول الرقمي للجامعات المصرية بتدريب الطلاب لدخول سوق العمل- قد لا يصب في الهدف المنشود من تحقيق تحول رقمي لرفع قيمة المؤسسة التعليمية البحثية ذاتها قبل التفكير في دورها في سوق العمل.

إعلان