إعلان

حرائق العاصمة الليبية

حرائق العاصمة الليبية

محمد جمعة
09:01 م الأربعاء 05 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

موجة جديدة من العنف المسلح تشهدها العاصمة الليبية طرابلس هذه الأيام، تختلف في طبيعتها عن الموجات السابقة منذ اندلاع الاقتتال الداخلي عام 2014، كونها لا تجري هذه المرة بين حكومتين متصارعتين. وتتفق مع موجات عنف أخرى سبقتها، من زاوية أنها تؤكد، ربما للمرة المليون، أن التحدي الأساسي في ليبيا يظل متمثلا في فقر التصورات بشأن كيفية الخروج من الحالة الانتقالية، وصولا إلى حالة الاستقرار.

الاشتباكات المسلحة بدأت في 27 من الشهر الماضي، نتيجة الفشل في إنفاذ الترتيبات الأمنية بموجب الاتفاق السياسي الذي جاء بالمجلس الرئاسي، وفايز السراج. وهنا تكمن المفارقة، لأن العاصمة طرابلس التي كان من المفترض أن تكون نقطة البداية في تنفيذ الترتيبات الأمنية لتمتد بعد ذلك إلى مناطق أخرى، ظلت "منطقة رخوة" أكثر من غيرها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اعتماد "فايز السراج" على تلك الميليشيات لتكون النواة الصلبة في قوة "الحرس الرئاسي" التي أنشأها ليدعم بها سلطاته في مواجهة محاولات إبعاده (وأيضا للتصدي لظهور تحالفات أخرى) كان العامل الرئيسي في بسط نفوذ الميليشيات المسلحة على العاصمة، وليس فقط مجرد دمجهم في مؤسسات الدولة.

الآن أصبح لكل من: كتيبة أبوسليم، وكتيبة النواصي، وقوات الردع الخاصة، وكتيبة ثوار طرابلس، مندوبون ووكلاء داخل كل مؤسسة ليبية في طرابلس، إلى الدرجة التي أصبحت الحكومة نفسها تحت هيمنتهم. والمعروف أن هذه الميليشيات هدفها الأساسي هو إفشال المؤسسات، واستدامة الفوضى التي لا تسمح بالتقدم نحو الأمام لإنهاء المرحلة الانتقالية. لأنها تعلم أن الاستقرار وبناء مؤسسة وطنية مركزية للأمن والدفاع، معناه القضاء على مصالحها ونفوذها.

اللافت هنا أن الموقف المشترك لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وقبلهما إيطاليا وفرنسا يتسم بعدم القطع والعمومية الشديدة، بما يشكل بدرجة أو أخرى، امتدادا لنفس مواقف ذات الأطراف إزاء أحداث مشابهة سابقة، أي ترك الصراعات للفاعلين المحليين، والاكتفاء بالتدخل غير المباشر. وهذا معناه أن الأزمة الأمنية الراهنة ستبلغ ذروتها، خاصة وأن الكيانات العسكرية الأخرى في غرب ليبيا (مثل كتائب مصراتة) تعترضها عقبات كثيرة للحد من نفوذ الميليشيات المسلحة في طرابلس، ربما أهمها هشاشة التحالف بين مصراته والزنتان وترهونة، فضلا عن اعتراض البعثة الأممية والمجلس الرئاسي على تدخل كتائب مصراتة.

أما في شرق ليبيا فقد حملت كتلة نواب إقليم برقة في مجلس النواب، المجلس الرئاسي ورئيسه والمجلس الأعلى الدولة، وكل الداعمين للاتفاق السياسي، مسؤولية الأحداث التي تشهدها طرابلس... وفى سياق متزامن أعلن العشرات من الأعضاء في مجلس النواب (ممن يدعمون الاتفاق السياسي) أن "المجلس الرئاسي بوضعه الحالي، لا يحظى بالمشروعية القانونية، وهم في حكم المعزولين ومستشاريهم...."

وبغض النظر عن الجدل القانوني المتعلق بهذه الخطوة، فإنها تنسجم مع الاتجاه السائد على مستوى ليبيا، والذي يرى أن المجلس الرئاسي يفتقر للفاعلية، وصار جزءا من المشكلة. وأن فايز السرّاج بدوره عاجز عن كبح جماح الميليشيات وتطلعات زعاماتهم، أو توفير الحماية لمؤسسات الدولة.

باختصار، يوما بعد الآخر يتأكد عدم فعالية المجلس الرئاسي وتنامى ضعفه وانقساماته، وعليه فإن إصرار واشنطن وبعض العواصم الأوروبية على دعم "السراج" باعتباره الحل لرئاسة السلطة التنفيذية يسهم عملياً في تعميق التناقضات وتكريسها، ومن ثم تأجيج الصراعات في ليبيا بدلا من حسمها أو تسويتها.

إعلان