إعلان

الحوكمة العالمية وفوضى العولمة

الحوكمة العالمية وفوضى العولمة

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

10:20 م الأحد 30 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

العولمة مشروع أو عملية جيدة أو دون ذلك، هو أمر مختلف حوله منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا.

هل يمكن إقامة حوكمة عالمية في ظل تراجع العولمة؟

فما الحوكمة العالمية وتحدياتها؟

تعتبر خطة التنمية المستدامة ٢٠٣٠ نموذجًا للحوكمة العالمية أو مشاريع الحوكمة العالمية، باعتبارها حوكمة للتنمية في كل دول العالم. وتتكون مفردات تلك الحوكمة من ١٧ هدفًا لا بد أن تسعى الدول لتحقيقه مع قدوم عام ٢٠٣٠، ويرتبط بها حوكمة القضاء على الفقر وحوكمة التجارة العالمية والحوكمة الديمقراطية والأهم حوكمة النظام القانوني الدولي الذي يواجه بتحديات جسام بهدف تحقيق العدالة العالمية.

وقد سبقت فكرة الحوكمة العالمية عمليات متسارعة من الاندماج الاقتصادي والاستهلاكي - الثقافي وتقارب الصلات بين دول العالم حتى غدا قرية صغيرة. وقد عرفها المفكر الإنجليزي "مالكولم واترز" بأنها "كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد وبدون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد". وقد ساعد التطور التكنولوجي وتقدم وسائل الاتصال والمواصلات إلى تجسيد تلك الفكرة على أرض الواقع. وقد كشفت عن نفسها في وجود نمط ثقافي واحد في الملبس والمأكل على سبيل المثال وليس الحصر.

وقد يبدو لدي الكثيرين أن العولمة هى توجه نحو المزيد من الحرية إذ أنها تنسحب أيضا على توحيد الممارسات السياسية الديمقراطية. غير أنه بتدقيق النظر فإن العولمة لم تحمل بذور الحرية في طياتها، حيث سعت إلى خلق ارتباط اقتصادي وثقافي وفق محددات العولمة قد لا يسمح بحرية الاختيار وحرية القرار.

فإذا كانت العولمة خيرًا في فترة محددة للدول الأكثر نموا، فإنها لم تأت بالخير الوفير للدول الأقل نموا. وما بين العالمين توجد حتمية الخروج من نفق فرض نموذج تنموي بعينه والحد من حرية الدول في اختيار النموذج الأنسب ....

ومثلما كانت العولمة بهدف ربط أجزاء العالم ببعضه البعض حتى يغدو قرية صغيرة، فإن الحوكمة العالمية يراها البعض بأنها سياسات وإجراءات لحكم العالم. وهو أمر ينافي الهدف من تطبيق الحوكمة الذي يسعى لتلافي الآثار السلبية للعولمة على بعض دول العالم الآخذة في النمو.

صحيح أن الحوكمة مشتقة من الحكم، غير أن الحوكمة العالمية تهدف إلى تحقيق إدارة أفضل في حكم دول ومنظمات ومؤسسات العالم.

ونتيجة لانتشار الصراعات المسلحة والفقر ووجود تفاوت كبير في التنمية بين أجزاء العالم المختلفة الذي لم تتمكن عمليات العولمة من الانتصار عليه، بالإضافة إلى الأزمات التي ولدتها السياسات المالية الدولية غير الرشيدة واختلال الميزان التجاري لصالح أجزاء من العالم دون غيرها، توافق المجتمع الدولي على البحث عن مؤشرات تمكن الدول من التغلب على المعضلات الهيكلية السابقة بإجراء إصلاحات في إدارتها للنظامين السياسي والاقتصادي. وعُرفت تلك الإصلاحات بإصلاحات الحوكمة أو سياسات الحوكمة الجيدة أو الرشيدة.

ويمكن القول أن بداية إرهاصات الحوكمة العالمية جاءت مع اتفاقية بريتون وودز وإنشاء هيئة دولية لتنظيم المعاملات النقدية بين الدول لتلافي الفوضى التي شملت الدول منذ الحرب العالمية الأولى، وذلك بإنشاء البنك الدولي. ومع مطلع الألفية الجديدة وضع البنك الدولي ستة مؤشرات للحوكمة العالمية تتوافق دول العالم بشأنها وتستثمر الارتباط والاتصال الوثيق الذي أنتجته عمليات العولمة خلال أكثر من عشرين عاماً. وتتركز المؤشرات الستة حول تحقيق إتاحة حرية التعبير وتطبيق المساءلة، تحقيق الاستقرار السياسي، والكفاءة الحكومية، والسيطرة على الفساد، وتعزيز حكم القانون، وجودة الإجراءات التنظيمية.

وقد تم تضمين تلك المؤشرات مع الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة والذي يسعى لتحقيق السلام والعدالة وبناء مؤسسات قوية.

وإذا كانت تلك المؤشرات تبدو شاملة وجيدة لتحقيق إدارة أفضل لحكم دول العالم والمؤسسات الدولية على تنوعها، فلا بد أن تعمل لصالح كل دول العالم دون تفرقة وبشكل مستدام، بحيث لا يرتبط استخدامها بمصالح آنية أو لتحقيق منافع خاصة لدولة أو تكتل ما على حساب دول أخرى من العالم. فحكومة التطبيق لمؤشرات الحوكمة العالمية مكون رئيسي أيضا من الحوكمة العالمية.

ومثلما خلقت العولمة مشاكلها وتحدياتها فقد خرجت ببعض الحلول لتطبيق الحوكمة العالمية من خلال الاستفادة من إحدى مخرجات العولمة وهى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التي تطورت إلى إنترنيت الأشياء...

ومنذ ثلاثة أيام، وأثناء انعقاد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعد بمثابة برلمان العالم، أثارت الولايات المتحدة في كلمتها التي ألقاها الرئيس "دونالد ترامب" موضوع الحوكمة العالمية "بمفهوم العولمة الإملائي" فبدلا من الحديث عن وجوب حوكمة المؤسسات العالمية، طرح رؤيته حول عدم اهتمام الولايات المتحدة بالحوكمة العالمية، ومن ثم وضع منظمة الأمم المتحدة بكل مؤسساتها في حرج كبير. وهو أمر متوقع أكده بعدم اكتراثه بمؤشر أساسي للحوكمة العالمية وهو حكم القانون، من خلال عدم اعترافه بدور المحكمة الجنائية الدولية التي لا يجب أن تفرض أحكامها على الدول صاحبة السيادة، كما أنه رهن علاقته بالأمم المتحدة في إطار التمويل النقدي لأنشطتها بعيدًا عن الالتزام بقرارات المنظمات التابعة لها. كما أن انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ مؤشر آخر على خروجه عن إطار وتنظيمات الحوكمة العالمية، فصلا أن انسحابه من مجلس حقوق الإنسان ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

ومن ثم يمكن القول بأننا نشهد نكوصاً عن سياسات الحوكمة العالمية من أقوى وأكبر دولة في العالم. وتراجعاً نحو القومية بمفهومها "المكاني". ويبقى التساؤل مطروحا: هل تنجح دول العالم في تطبيق الحوكمة العالمية بمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي؟

إعلان