إعلان

خطبة الجمعة الموحدة تحتاج إعادة نظر

خطبة الجمعة الموحدة تحتاج إعادة نظر

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 28 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

بعد كفاح ومقاومة تمكنت وزارة الأوقاف من توحيد خطبة الجمعة بدرجة كبيرة من النجاح. بعد سنتين من العمل بنظام الخطبة الموحدة أصبح لدينا خبرة كافية تتيح تقييم الممارسة ومراجعتها وتطويرها. خطبة الجمعة هي جزء رئيس من الخطاب الديني الذي نتحدث كثيرا عن إصلاحه، وإن كانت النتائج غير مرضية لأغلبنا حتى اليوم. تطوير نظام خطبة الجمعة الموحدة يمثل خطوة كبيرة على طريق الإصلاح الديني.

لعب الدين دورا كبيرا في ثورة يناير ما تلاها من تطورات. استغلت جماعات منظمة الدين لتحقيق أهداف سياسية، بما في ذلك السيطرة على السلطة، فانقسم المجتمع، وكادت البلاد تقع في فتنة أهلية دامية نجونا منها بفضل الله وبفضل جماهير الثلاثين من يونيو. كانت مساجد مصر قبل يونيو مستباحة من جانب كل من أراد بناء مسجد، واعتلاء منبره، وإسماع الناس ما يعن له من شواذ الآراء والأفكار. كان هناك مساجد للإخوان والسلفيين والصوفيين والإرهابيين، أما الخطباء في مساجد الأوقاف فكان لهم أن يفعلوا بمساجدهم ومن على منابرها ما يشاءون.
المسجد في بلادنا هو أهم وسائل الإعلام وأكثرها فاعلية، ومن يسيطر عليه يسيطر على عقول الناس. يذهب المصلون لأداء فرض الله يوم الجمعة، فيسمعون من خطيبها أفكارا مسمومة تقسم الناس وتثير الفتنة، فكان لابد من إنهاء هذه الفوضى، وحرمان المخربين من فرصة التلاعب بالعقول. كانت استعادة الدين وتحريره من سيطرة الجماعات السياسية ضروريا لاستكمال انتصار الثلاثين من يونيو، وكانت وزارة الأوقاف هي أداة المجتمع والدولة لتحقيق هذا الهدف. وضعت وزارة الأوقاف يدها على المساجد؛ واشترطت حصول خطيب الجمعة على رخصة بالخطابة؛ وأخيرا قررت العمل بنظام خطبة الجمعة الموحدة.
لم يكن تنفيذ كل خطوة من هذه الخطوات سهلا، فقد كانت هناك مقاومة من أصحاب المصلحة، وممن لهم آراء مغايرة. أثار موضوع الخطبة الموحدة جدالا فاق الجدل حول غيره من الإجراءات. اقتراح توحيد الخطبة جاء من وزارة الأوقاف المسئولة عن مساجد مصر، فيما عارضه علماء الأزهر. شارك في الجدل آخرون من خارج المؤسسات الدينية، فالدين أكبر من أن يكون ملكا للفقهاء، وأكثر أهمية من أن يترك لهم منفردين.
لم يعد لخطيب الجمعة أن يختار لنفسه الخطبة التي يريدها، وإنما عليه الالتزام بالخطبة الموحدة التي تصدرها وزارة الأوقاف، نصا أو روحا وفكرة. يسري هذا بشكل كامل على المساجد التابعة لوزارة الأوقاف، وإن كان بعض الخطباء يتمتعون بحرية أكبر في اختيار خطبهم. حققت الأوقاف نجاحا كبيرا في السيطرة على فوضى خطبة الجمعة، وعليها الانتقال إلى مرحلة الارتقاء بمحتوى الخطبة.
خطبة الجمعة في شكلها الحالي تشبه كثيرا موضوعات التعبير التي يكتبها النابهين من طلاب المدارس الثانوية الأزهرية، وأظن أن المصلين في يوم الجمعة يحتاجون شيئا أعمق من هذا. إلى جانب خطب المناسبات، مثل العيدين وهجرة الرسول والإسراء والمعراج، تركز خطبة الجمعة الموحدة على قضايا سلوكية وأخلاقية، فتتحول الخطبة إلى نوع من الدعاية المبسطة للسلوك السليم، على طريقة الدعوة لترشيد استهلاك المياه أو النظافة العامة، عبر توظيف آيات القرآن وأحاديث الرسول الكريم. تحويل الدين إلى مجموعة من التعليمات السلوكية المبسطة ليس هو المقصود بإصلاح الخطاب الديني، فالأمر أعقد من ذلك بكثير.
الجرعة الروحية الأسبوعية التي يحتاجها المصلون في يوم الجمعة تبدو مفتقدة فيما تقدمه الخطبة في شكلها الحالي. ألاحظ الروح البيروقراطية وقد تسربت إلى عملية كتابة الخطبة وإلقائها. خطبة الجمعة يتم نشرها على موقع وزارة الأوقاف مسبقا، ويمكن للمصلي الأريب الاطلاع على الخطبة على موقع الوزارة قبل الذهاب للصلاة، فيفوت على الخطيب أي فرصة للمفاجأة المحببة.
لو زرت موقع وزارة الأوقاف فستجد قسما لخطب الجمعة، فيه عنوان كل خطبة وتحته العبارة التالية مكررة في كل مرة بلا أي داعي:
"وتؤكد وزارة الأوقاف على جميع السادة الأئمة الالتزام بنص الخطبة أو بجوهرها على أقل تقدير مع الالتزام بضابط الوقت ما بين 15 – 20 دقيقة كحد أقصى، واثقة في سعة أفقهم العلمي والفكري، وفهمهم المستنير للدين، وتفهمهم لما تقتضيه طبيعة المرحلة من ضبط للخطاب الدعوي، مع استبعاد أي خطيب لا يلتزم بموضوع الخطبة".
العبارة ركيكة، وفيها تسييس فات وقته، وتنطوي على تهديد للخطباء لا يجوز نشره على العلن. والأهم من كل هذا هو ما أشرت إليه سابقا من الطبيعة المدرسية الغالبة على الخطب المنشورة على الموقع.
لماذا لا تجرب وزارة الأوقاف الاستعانة بدعاة وعلماء إضافيين لكتابة خطبة الجمعة؟ لماذا لا تختبر معان أخرى وإضافية لإصلاح الخطاب الديني؟ لماذا لا تجرب الأوقاف طريقة جديدة لكتابة خطبة الجمعة، وتطبقها في بعض المحافظات أو المراكز للتأكد من نجاحها قبل تعميمها؟ لماذا لا تنظم الأوقاف منافسات بين العلماء في كتابة الخطبة بدلا من الاستعانة باللجنة نفسها طول الوقت تجنبا لتحول الأمر إلى ممارسة روتينية بلا روح؟ لقد نجحت الأوقاف في تحرير المنابر من سيطرة المتطرفين والمخربين، ويبقى عليها أن تبث من فوق هذه المنابر خطابا دينيا يغني الناس عن البحث عن حاجاتهم الروحية في مصادر أخرى.

إعلان