إعلان

النسوية.. ما لها وما عليها

النسوية.. ما لها وما عليها

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:01 م السبت 25 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

تصاعدت في الآونة الأخيرة موجات غضب على صفحات التواصل الاجتماعي ضد ما يُعرفن بالنسويات وضد أفكارهن. وكشأن كل أحوالنا تلعب الثقافة السمعية دوراً في تشكيل آرائنا وتزييف وعينا.
فهل ندرك ما نتحدث عنه؟ وهل النسوية شر؟

للنسوية نظرية ودراسات. وتتقاطع الدراسات النسوية مع حقول معرفية عديدة مثل علم الاجتماع وعلم السياسة وعلم الاقتصاد والتاريخ. وهناك علاقة بين الدراسات النسوية والدراسات الثقافية منذ صدور أول مجموعة نسوية من قبل جماعة دراسات المرأة عام 1978 والتي ظهرت ونمت في إطار مركز الدراسات الثقافية المعاصر Center for Contemporary Cultural Studies وذلك في إطار إصرار الكاتبات النسويات على ربط السياسة بالمجال الخاص، ومعالجة توازن القوى داخل المجال الخاص ولفت الانتباه إلى مركزية الجنوسة في إطار مناقشة الهوية.
وترى النسويات أن عدم استيعاب المفاهيم النسوية أدى لوجود تفسيرات ضيقة للثقافة. إذن بدءاً من منتصف الثمانينيات تم التأكيد على العلاقة بين النسوية والدراسات الثقافية ورفض استخدام مصطلحات الدراسات النسوية ودراسات المرأة بشكل تبادلي.
وقد أسهمت دراسات النسويات في انتشار ما يعرف باسم الثقافة النسوية التي نمت نتيجة لأشكال مقاومة المرأة المختلفة للسلطة في المجالين العام والخاص، وهي أعم وأشمل من ثقافة المرأة التي تستند إلى عناصر محلية تقليدية (العادات والتقاليد والدين).
وإذا كانت الثقافة النسوية تعكس عناصر من ثقافة المرأة، مثل التأكيد علي الرعاية والتنشئة، إلا أنها ترفض الحتمية البيولوجية. وتؤكد الثقافة النسوية على التعاون ورفض التراتبية والمنافسة باعتبارها أخلاقيات ذكورية.
...
وقد أثارت هذه الدراسات جدلاً، خاصة الدلالات السياسية لتلك الدراسات عندما كانت النظرية النسوية تشق طريقها نحو الأكاديمية، من خلال محاولة النسويات في إدخال تفسيرات علمية على خبراتهن اليومية، حيث رأت الباحثات النسويات أن الخبرات الحياتية لها الأولوية، ثم يأتي التنظير السياسي لتلك الخبرات، ومثل "النوع" الإطار الرئيسي المؤسس لتلك الدراسات.
وقد بدأت الدراسات الأكاديمية النسوية بتعريف النسوية Feminism بأنها "لغة جديدة لفهم وشرح العلاقة بين المرأة والثقافة". وهي أيضا ممارسة سياسية انعكست في حركة تحرر المرأة في مرحلتها الثانية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال لفت الانتباه إلى وجود نوع جديد من المعرفة حول قضايا المرأة". والنسوية أيضا هي حركة اجتماعية تهدف للكشف عن صور قهر المرأة في السير الذاتية وقصص التاريخ الشفهي والسياسات النوعية الداعية إلي إنهاء الاستعمار والاحتلال والعبودية.
...
ويجب الانتباه إلى أن ما سبق لا يعني بالضرورة وجود حركة نسوية موحدة. فرغم اعتراف النسويات بوجود أهمية للنوع الاجتماعي، فهن يرفضن الافتراضات التي يقوم عليها النوع ويرينها خاطئة للأسباب التالية:
1- البيئة الاجتماعية لا تشرح الفرق بين الجنسين ولا تبحث في المسببات ولا تبحث في التساؤل الرئيسي وهو لماذا تمضي عملية تنشئة الجنسين في اتجاه واحد دائما؟ فقد تؤدي التنشئة الاجتماعية إلي وجود اختلافات بين الجنسين، لكنها لا تعدو إلا أن تكون عاملا وسيطا، حيث تتسبب العوامل النفسية والاقتصادية في ترسيخ تلك الاختلافات.
2- البيئة الاجتماعية من أعراف وتقاليد وعادات ومؤسسات وتنشئة متغيرات غير مستقلة وليس لها نفس وزن البعدين النفسي والاقتصادي اللذين يفسران سلوك الذكر والأنثي.

فالنوع عند النسوية لا يعطي اعتبارا ً للبعدين النفسي والاقتصادي ويعمق الفجوة بين الجنسين، كما أن النوع أصبح مجالا للجدل السياسي وخرج عن نطاق الخاص والشخصي. وأدى هذا الجدل إلى وجود توترات داخل الحركة النسوية واختلافات داخلية تموضعت حول مطلب الحق الفردي مقابل الحق الجماعي. فالنوع عند النسويات ليس اختلافا بيولوجيا بين الرجل والمرأة، ولكنه سوء توزيع في القوة.
...

وإذا كانت النسوية تُعنى بشكل رئيسي بالعلاقة بين المرأة والثقافة، ترى النسويات أن التعددية الثقافية ضارة بحركة تحرير المرأة لأنها تدحض الحقوق الثقافية المستقاة من حقوق الإنسان التي وضعت لتحمي كلا من الرجال والنساء على حد سواء. وترى النسويات أنهن بذلهن مجهودا كبيرا في تحويل حقوق المرأة إلى حقوق إنسان وهو الشعار الذي رفعته النسويات بعد مؤتمر بكين عام 1995.
وعليه، لا تتقبل النسويات بعض الممارسات الثقافية مثل تعدد الزوجات والختان، لأنها تمثل عندهن انتهاكا لحقوق الإنسان.

وجدير بالذكر أن موقف النسويات من رفض التعددية الثقافية لم يسلم من الانتقاد من جهة النساء الملونات، فالتعددية الثقافية وفقا للنساء الملونات تعتبر قيمة مستقرة في الثقافة العالمية، وهي تشمل ثقافة المرأة وثقافة الأقليات، ومن ثم فإن عدم التزام بعض النسويات وعدم اعترافهن بالتعددية الثقافية أمر ينفي التزام النسويات البيض بشكل خاص بالتقاليد الليبرالية. فالنسويات البيض لا يستطعن الالتزام بالاقتراب الإنساني بالنسبة لحقوق المرأة في الوقت الذي يقاومن فيه حق الاختلاف الثقافي.

كما يرفض الخطاب النسوي مقولة أن مشاركة المرأة في العمليات الإنتاجية تقود حتما إلى تحسين مكانتها في الأسرة والمجتمع، لأنها ليست مشاركة في مسؤولية الإنتاج، فهي لا تتقاضى أجراً عن الكثير من الأعمال الإنتاجية التي تقوم بها، سواء في الريف أو الحضر، حيث يبقي عمل المرأة رغم تزايده مسانداً لعمل الرجال أو بضغط من غلاء المعيشة وتأمين السكن. وفي مثل هذه الظروف- ووفقا للنسويات- لا تستطيع المرأة أن تكون ناقلة جيدة أو مستوعبة لقيم الثقافة السياسة بسبب موقعها المتدني في عملية الإنتاج واستبعادها من عملية صنع واتخاذ القرار.
...

ورغم الاختلافات السابقة بين التيارات النسوية حول التعددية الثقافية ودور المرأة في العملية الإنتاجية، فإن معظم الكتابات النسوية تنطلق من أسس واحدة:

1- النساء فئة لا يمكن تجاهلها، وحماية حقوق الإنسان تمثل قاعدة لنسوية تركز على المرأة.
2- التركيز على الدين والعرق يشكل تهديدا لوحدة النساء في العالم.
3- الليبرالية هي اللغة السياسية المثالية.
4- تعرف النظرية النسوية بماديتها والمادية هي اللغة، فاللغة هي أهم وسيلة للمقاومة وترسيخ الهوية وتأكيد مكانة ودور المرأة في المنظومة الثقافية.
5- النظرية النسوية ليست نتاجا لتطورات تاريخية وسياسية.
6- النسوية هي وعي فكري ومعرفي وهي تختلف عن النسائية التي هي وعي بالجنس وبالبيولوجيا Feminist Versus Womanist .
لذلك وجدت النسويات عناصر تشابه بين خطابهن والخطاب الثقافي من حيث أن كليهما متجذر في حقل الدراسات الاجتماعية والسياسية. كما صدر عن الحقلين دراسات نقدية حول الأطر المرجعية التي تحكمها. وكلا الخطاب النسوي والخطاب الثقافي أكد قصور المفاهيم والنظريات الموجودة على فهم خبرات النساء اليومية وأنماط التفاعل مع البيئة الخارجية والتنظير لها. وكل من الخطاب الثقافي والخطاب النسوي ركز على الجماعات المقهورة والمهمشة والتي استبعدها خطاب السلطة مثل المرأة والطبقة العاملة.
...
ورغم الأسس والمرتكزات التي تنطلق منها معظم النسويات على النحو الذي سبقت الإشارة إليه، فلا يمكن القول بعدم تأثر النسويات بالأفكار الليبرالية والاشتراكية وأفكار ما بعد الحداثة وأنهن اصطبغن بها.
فالنسوية الاشتراكية- على سبيل المثال- تنظر إلى ضرورة اعتبار الرجل أيضا طرفا مقهورا، وإلى أهمية التعاون بين الجنسين للوصول إلى مجتمع اكثر مساواة.
فالطرفان عليهما مقاومة النظام الرأسمالي المتسبب في قهرهما. فالنسوية الاشتراكية لا تقاوم مكانة الرجل في المجتمع، لأنه مقهور مثل المرأة.
كما تأثرت النسويات بأفكار ما بعد الحداثة باعتبار ما تمثله أفكار ما بعد الحداثة من منظومة حول اللغة والمعرفة والمنطق والمقاومة لأوضاع المجتمعات ما بعد الصناعية. وقد استفادت النسويات من أفكار ما بعد الحداثة، خاصة ما ينادي به أنصار ما بعد الحداثة من عدم وجود حقيقة مطلقة وعلى وجود معاناة مشتركة للنساء في حياتهن اليومية ووجود تمييز واقع ضدهن بسبب جنسهن. وتركز نسوية ما بعد الحداثة على أن الثقافة واللغة مصادر دراسات أساسية للقوة وللمقاومة الاجتماعية. كما تؤكد نسوية ما بعد الحداثة على الاختلاف، وبالتالي فهي تعكس مطالب الحركة النسوية الملونة، وبصفة خاصة الحركة النسوية السوداء.
وعليه، فلا يمكن القول إن الفكر النسوي منفصل عن حركة المجتمع والتحولات الثقافية والسياسية. وبالمثل لا يمكن القول إنه شر مطلق، إذ تتحدث فئة واسعة من النسويات عن دور "سلطة الثقافة واللغة" في تشكيل الوعي بقضايا القهر والعبودية والتهميش والاستعمار وأخطاء النظام الرأسمالي العالمي.
فهل يمكن التفكير في الاستفادة من الطرح النسوي "العالمي" لمناقشة بعض القضايا التي تؤرق مجتمعاتنا العربية في المجالين الاقتصادي والسياسي بشكل رئيسي، أم نظل أسرى الثقافة السمعية؟!

إعلان