إعلان

ضحي من غير ما تضحي!

ضحي من غير ما تضحي!

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 20 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

"ضحي من غير ما تضحي" عبارة إعلانية بالغة العبقرية. المقصود بها أن يحصل الشخص على الـ"كريدت" المرجو دون تعب أو مجهود. ظاهرها تيسير وإطارها تفسير وفحواها تسيير للأمور ليخرج كل الأطراف مرتاحين فائزين مبسوطين، وهو ما يسمونه في الغرب A win-win situation.

وبينما نحن غارقون في سنوات ما بعد الثورات العجاف، حيث تقليب في الأرض التي أسفرت ما نحن فيه من مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتأليب للمواجع، حيث إصرار غريب على الاستمرار في التراشق بالاتهامات وتبادل تحميل المسؤوليات لما آلت إليه أوضاعنا، تأتي هذه اللافتات الإعلانية العبقرية لتضيء مكانًا ما في المخيخ ربما كان معتمًا من قبل.

وقبل عقود قليلة، كان المصريون يذهبون إلى المدرسة من أجل التربية والتعليم. وكانوا يلتحقون بالجامعات من أجل مزيد من التعليم والتأهيل وبناء الشخصية ليتخرجوا جاهزين لشغل وظائف تحتاجها بلادهم. ومن لا يتلحق بالتعليم أو يكتفي بمقدار قليل، فكان يتعلم صنعة أو حرفة لدى أسطى حتى يتمكن مما تعلم فيصبح أسطى بدوره.

وكانوا يذهبون إلى الطبيب من أجل العلاج، حيث إما الباطني بالدواء ومراعاة الغذاء أو الجراحي الواضح والصريح لاقتلاع موضع الألم. وكانوا يتبعون حمية قاسية متعبة أو يمارسون رياضة بعينها، من أجل فقدان الوزن الزائد والحصول على القوام المرجو.

وكانوا إذا أرادوا شوارع نظيفة ومداخل عمارات لائقة وبيوتًا لا تقتحمها الحشرات والجراثيم يلقون قمامتهم في الأماكن المخصصة، ويحرصون على نظافة الأماكن التي يترددون عليها. وكانت الدولة إن أرادت الإبقاء على الحال نظيفًا تقوم بدورها في التخلص من القمامة من أماكنها وتحاسب "القذر" الذي يلقيها في غير أماكنها.

وكان المصريون إن أرادوا قيادة السيارات يقودونها في الأماكن المخصصة لذلك وبحسب القواعد المنصوص عليها. كذلك الحال بالنسبة إلى الدراجات النارية، إذ كان ترخيصها لزامًا والتزامها بقواعد السير حتمًا.

وكان هناك ضباط وأفراد مرور مسؤولون عن التأكد من تطبيق قواعد السير، وفي حال عدم تطبيقها كانوا يحررون مخالفات.

بالطبع لم تكن مصر خالية من العيوب أو كاملة الأوصاف، ولكنها كانت في المجمل لا تعاني موقف "بين البينين" المزري أو Sometimes yes but maybe no

المخجل. كانت هناك علل ومشكلات! نعم، لكن لم تكن مصر أبدًا حائرة بين قانون وعدمه، أو أخلاق وغيابها، أو علاجات وأشباهها. بمعنى آخر، بالطبع كان هناك غياب للقانون في بعض الأصعدة، لكنه لم يصور يومًا، باعتباره الوضع المثالي. وعانى المجتمع في فترات من تدهور أخلاقي وتحلل سلوكي، لكن لم يهب أحدًا للدفاع عن ذلك باعتبار الفقر سببًا والغُلب حجة. وطالما لجأ المصريون لعلاجات الدجالين والنصابين، لكن لم ينخرط طبيب في عمل الدجالين باعتباره طبًا نبويًا أو علاجًا سماويًا. كان الأبيض إلى حد كبير أبيض، والأسود إلى حد بالغ أسود.

سواد المرحلة الحالية يكمن جزء منه في السيولة التبريرية والميوعة الأخلاقية. يعني فلان تحرش بفلانة بشكل صريح، لكن ما يشفع له أنه شوهد يوزع شنط رمضان.

ويعني أن صبية عملوا في التهريب طمعًا في الربح الكبير السريع، لكن طالما قالوا للمذيعة "إنت ما حساش بالناس" فقد تحولوا أيقونات وطنية ورموزًا لغياب العدالة الاجتماعية.

ويعني أنه طالما الشيخ فلان يؤكد أنه يعالج البواسير بدون تدخل جراحي، فهو حتمًا صادق ودون شك صائب.

ويعني أن تحول المدراس إلى مبانٍ خرسانية وضبط دفاتر الحضور والغياب لا يدينها في غياب دورها التربوي.

ويعني أن "السنتر" أصبح مدرسة دون تربية أو تقويم.

وكي تقوم لنا قومة، علينا أن نعي أنه لا يمكن أن نضحي دون أن نضحي، ولا يمكن أن نفقد الوزن الزائد دون حرمان نسبي من الطعام ورياضة نفرز خلالها العرق ونحرق السعرات الزائدة.

ولا يمكن أن نخرج جيلاً سليمًا دون أن يذهب إلى مدرسة بغرض التربية والتعليم مجتمعين.

عيد سعيد، وعلنا نضحي بمزيد من التضحية.

إعلان