إعلان

السعادة.. وفلسفة الجمال

السعادة.. وفلسفة الجمال

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 11 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

كما أن للسعادة مؤشرات، فالجمال علم وفلسفة وتاريخ. وإذا كانت الفلسفة هي حب الحكمة، فالجمال هو علم التعرف على الأشياء من خلال الحواس. لذلك ارتبط الجمال بالفلسفة إلى أن انفصل عنها. وقديما ارتبطت نظريات الجمال بالدين والآلهة قبل الديانات التوحيدية. فقد ربطه الفيلسوف "أفلاطون" بالحب الإلهي، كما ارتبط الجمال بالتأمل إلى الحد الذي ذهب فيه بعض العلماء إلى وصفه "بالعلم التأملي". كما أن الجمال عند الفلاسفة دالٌ على الخير والحقيقة.

وعادة عندما نتحدث عن الجمال لا ندركه لكونه مرتبطاً بالحقيقة أو الخير، وإنما مرتبط بالفنون التي تقدم للإنسان متعة أو سعادة حسية. لذلك توجد أيضاً علاقة بين الجمال والسعادة.

وفي هذا المقام، أود أن أشير إلى الفيلسوف اليوناني "أرسطو"، وكيف فهم الجمال. فالجمال عنده هو جمال النفس والأخلاق. والأكثر أهمية عند أرسطو أن يحقق الجمال النفع والفائدة الأخلاقية ويخدم الحياة الإنسانية. وهذا التعريف مهم لنا كمصريين.

...

فهل يدرك المصريون معنى الجمال؟ الإجابة هي "نعم" بالتأكيد. فإدراك الجمال عند المصريين تجسد بوضوح في كل جزئية من جزئيات الحضارة المصرية الفرعونية، ثم في الموسيقى، فالرسم، فالسينما، فالنحت. كل ركن في مصر شاهد على إدراك عميق للمصريين لمفهوم الجمال حسيا ومادياً. فما الذي حدث إذن؟ ومتى حدث هذا الانحراف عن الشعور بالجمال وعن تجسيده؟

الإجابة قد تكون عسيرة، إذ يصعب ربط الانصراف عن الجمال بحقبة زمنية معينة. لكن يمكن القول إننا بعدنا كثيراً عن فلسفة الجمال. والمؤشرات هي الأخلاق، وتذوقنا لكل ما هو حسي وانعكاس ذلك على حياتنا وعلى البيئة المحيطة بنا وعلى إنتاجنا الفني- في المقام الأول.

لقد سمعنا ورأينا في الآونة الأخيرة وزراء للسعادة، بالإضافة لمؤشرات لسعادة الشعوب.

والسعادة لا تنفصل عن الجمال؛ إذ هي نتيجة له. فلا يمكن ان تجتمع السعادة مع الشر، وإنما لا بد أن تكون قرينة للخير. وهناك عبارة حفظناها جميعا عن ظهر قلب وردت في إحدى المسرحيات الشهيرة في السبعينيات وهي "الحق، الخير، الجمال". فالحق والخير صنوان للسعادة. والجمال هو تعبير عنهما.

فكيف يمكن أن نحيا في مجتمع يخلو من الجمال على النحو الذي تم توضيحه؟ مع الأسف نحن نمر بتلك المرحلة. فانصب اهتمامنا على "منصب السعادة" بمعزل عن الجمال، فصرنا نتندر بمسؤول السعادة ووزير السعادة بمعزل عن فلسفة الجمال.

...

إننا في حاجة أن نُسير شؤوننا وحياتنا في مصر وفق فلسفة الجمال، وذلك على كافة المستويات وفي كل الموضوعات. فلا يمكن الحديث عن تطوير التعليم بمعزل عن إدراك الطالب لفلسفة الحق والخير والجمال. ولا يمكن أن ننتج فكرا وفنا لا تكون محصلتهما نشر الخير والارتقاء بالإحساس بالجمال. في نفس الاتجاه من الصعب الاهتمام بالعمران وبالبيئة أو تطوير المحليات بمعزل عن فلسفة الجمال.

وسأتوقف بعض الوقت عند هذه المجالات وعلاقتها بالسعادة والجمال. فلو حدثتا المواطن عن رؤيته للجمال في هذه المجالات فستكون الإجابة هي "يهتموا الأول بإزالة القمامة وتحسين الطرق قبل الحديث عن الجمال"، وهو بذلك لا يدرك الارتباط الوثيق بين الطرق والنظافة والجمال. فأي خير يمكن أن نحصده من بيئة غير نظيفة وفوضى عمرانية بصرية؟

وكيف يمكن أن يتناسب الحق مع القبح؟ بل أين المنفعة المتحققة للإنسان المصري مما سبق؟ بالتأكيد ينعكس ذلك على أخلاقه التي هي مكون أصيل من فلسفة الجمال. فنجد إنسانا عنيفاً وغير قادر على الإحساس بأي أمر غير مادي. وبالتالي من الصعب أن يكون إنسانا سعيدا.

...

ولكل ما سبق من الأهمية بمكان إنقاذ الإنسان المصري من اعتياد القبح، وبناء وعيه على ارتباط الجمال بالأخلاق والخير والحق والمنفعة.

وإذا كنا نتحدث عن منهج للأخلاق، فمن الأهمية بمكان أن يكون منهجا للأخلاق وفلسفة الجمال. فليست الخطورة في التطرف الفكري فقط، وإنما تكمن الخطورة أيضاً في الانحدار الأخلاقي وتشوه الذوق العام واعتبار الجمال رفاهية وموضوعا خرافياً محله الأساطير وكتب الخيال العلمي.

إعلان