إعلان

المشروعات الصغيرة

المشروعات الصغيرة

خليل العوامي
09:00 م الإثنين 09 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

في كل الدول التي عانت مشكلات اقتصادية كبرى، خاصة التي اقترن فيها ذلك بتعداد سكاني مرتفع، مع نقص الموارد، ومعدلات البطالة الكبيرة من غير المدربين، كان الحل الأول والفعال هو التوجه للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، باعتبارها أكبر محرك للاقتصاديات، والتنمية المستدامة، وقد حققت هذه التجربة نجاحا كبيرا يحتذى به في العديد من الدول، على رأسها اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة، بل وفي أمريكا وإيطاليا ودول متقدمة أخرى.

وفي مصر نسمع عن تطوير وتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة منذ عقود بنفس الطريقة التي نسمع بها عن تطوير التعليم وغزو الفضاء، ففي عام 1991 تم إطلاق برنامج خاص لدعم تلك المشروعات، وجرت في البحر مياه كثيرة، حتى وصلنا إلى جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة التابع لوزارة التجارة والصناعة، فضلا عن الصندوق الاجتماعي للتنمية، وعشرات المؤسسات الأهلية التي تمول مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر.

ثم جاءت مبادرة البنك المركزي المصري بتخصيص 200 مليار جنيه لتمويل 350 ألف مشروع متوسط وصغير خلال 4 سنوات، توفر - وفق رؤيته - أربعة ملايين فرصة عمل.

ورغم كل ذلك، هل تطورت منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالقدر المطلوب؟ هل حققت المرجو منها؟ هل ساعدت بالقدر الكافي في تحريك الاقتصاد، أو خفض أعداد البطالة المهولة؟ الإجابة معروفة للجميع، لم يحدث هذا، ولن يحدث ما دام الوضع كما هو عليه، وما لم تمتلك الدولة خطة واستراتيجية وطنية قائمة على التخطيط العلمي.

أين المشكلة؟ المشكلة أن الدولة تتحدث عن دعم الشباب وتمويل المشروعات الصغيرة، ولكن لا أحد من الشباب يعرف ما هى هذه المشروعات الصغيرة التي يمكن له العمل فيها، ولا أحد وضع أمامه فرصًا معلومة ومحسوبة المكسب والخسارة، قبل أن يبدأ مشروعه كي لا يجد نفسه مهددا بالسجن لعجزه عن سداد قيمة قرض التمويل.

والنتيجة أننا احترفنا سياسة الضجيج بلا طحين، وإطلاق التصريحات الرنانة دون جدوى حقيقية، وكل مسئول يأتي يعيد نفس الكلام، ونفس التصريحات بطريقته الخاصة، ويظل يتحدث عن دراسات وخطط وطموحات حتى يرحل ويأتي من بعده ليعيد الكرة من جديد، وكلهم يعتمدون على أن الشعب سريع النسيان، وأن الحساب ليس له مكان في بلادنا.

ولكي يتغير هذا الحال، وتتحول المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى رقم مهم في الاقتصاد القومي، لا بد من خطة واضحة المعالم، واستراتيجية محددة الأهداف، وأدوات وإجراءات محفزة ومشجعة، على النحو التالي:

أولا: تؤسس الدولة بنك معلومات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بحيث يشمل كل ما يتعلق بتلك المشروعات، ابتداء من الفرص المتاحة، وطرق التقدم لها والمؤسسات المانحة، ودراسات الجدوى الخاصة بكل مشروع.

ثانيا: تعمل الدولة على تحديد عدة صناعات فلتكن عشرة أو عشرين مثلا، نحتاجها أولا لتغطية الاستهلاك المحلي ثم التصدير الخارجي.

ثالثا: تخصص الدولة أماكن بعينها لكل صناعة لخلق مدن أو تجمعات كبرى للصناعات الصغيرة لتسهيل عملية التكامل بين الصناعات، والنقل والتوزيع.

رابعا: تقوم الدولة بدراسة جدوى لهذه المشروعات بناء على تكلفة الإنتاج والأيدي العاملة والنقل، وبناء عليه تحدد قيمة التمويل اللازم، وعوائد صاحب المشروع، ثم تعلن عنها جميعا بأن تقول مثلا إن البنوك والمؤسسات المناحة ستمول 100 ألف مشروع لصناعة الأحذية ومنتجات الجلود، ومثلها لصناعة المنسوجات اليدوية وهكذا.

خامسا: تقوم الدولة بإنشاء مؤسسات للتدريب على الصناعات التي سيتم البدء فيها

سادسا: توفير حاضنات لهذه الصناعات من خلال الشركات الكبرى أو المؤسسات الأهلية، تشارك في عمليات التدريب والتسويق.

سابعا: تشمل الدراسات طرق ومنافذ التوزيع داخليا، أو أسواق التصدير.

ثامنا: تعمل الدولة على تقديم إعفاءات ضريبية لتلك المشروعات، مع تذليل العقبات والإجراءات الإدارية الخاصة بالتراخيص والمرافق بحيث أن صاحب المشروع يتسلمه جاهزا للعمل دون أي تأخير.

تاسعا: تلزم الدولة الهيئات والمؤسسات الحكومية بأن يكون 25% على الأقل من مشترياتها من إنتاج المشروعات الصغيرة.

هذا قد يكون طريق للبدء في العمل، وليس الطريق الوحيد، فالمهم أن نبدأ، وبدون ذلك سنظل نتحدث عن تطوير وتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة كمن يحلم بالجنة وهو يغط في أحلامه، وسيظل قطاع كبير من المصريين يضعون مدخراتهم البسيطة في البنوك خوفا من ضياعها في مشروع غير محسوب العواقب، أو يمنحونها لـ"المستريح" لتطير مع الدخان.

إعلان