إعلان

كأس العالم بالسويدي

د. عمرو الشوبكي

كأس العالم بالسويدي

عمرو الشوبكي
09:01 م الخميس 05 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

هي المرة الأولى التي أزور فيها السويد وهي المرة الثالثة التي أشاهد كأس العالم في بلد أوروبي فالمرة السابقة كانت في فرنسا في عام 1998 حين كنت ما زلت طالبًا، وفازت فرنسا بكأس العالم.

وتصادف دعوتي لمؤتمر أو احتفالية سنوية تجري في إحدى جزر السويد في توقيت مباريات كأس العالم، وكان يوم مغادرتي هو يوم مباراة السويد وسويسرا، في دور الـ 16، فشاهدتها في أحد المقاهي في قلب العاصمة ستوكهولم وتابعت كيف يتعامل الناس في بلد شمالي متقدم مع كرة القدم.

مشاهدة مباراة كرة قدم في دور الستة عشر في بلد شديد الهدوء والتحضر تختلف عن كل المرات التي شاهدت فيها مباريات كرة في مصر أو في فرنسا وهي تستدعي تأمل علاقة الشعوب والثقافات المختلفة بكرة القدم وطرق التشجيع وما هو الفرق بين تشجيع جمهورنا وتشجيع دول أخري شمالية متقدمة.

وبدا لافتا أنه منذ ركوبي المركب من جزيرة Visby السويدية في العاشرة إلا الربع صباحا من يوم المباراة متجها للعاصمة، والناس تتعامل بطريقة عادية جدا، فليس هناك أي مظاهر للاحتفال ولا تشعر بأن البلد سيواجه فريقه الوطني فريقًا منافسًا في أكثر بطولات العالم شعبية.

وحين وصلت إلى الميناء الذي رست فيه المركب في حدود الواحدة ظهرًا واستقللنا باصًا إلي قلب المدينة، كانت الأمور أيضًا عادية لا أحد يتكلم في الكرة ولا في المباراة التي ستجري بعد ساعات قليلة، ولم يكن هناك إلا ثلاثة أطفال يرتدون زي السويد الأصفر على مرسى الميناء.

تغير المشهد جزئيا حين وصلت إلى Central station في قلب ستوكهولم في حدود الثانية ظهرا حيث بدأت تظهر أعداد ملحوظة من الناس ترتدي زي منتخبها الوطني دون حديث لافت عن الكرة. وجاءت الساعة الرابعة وجلست في أحد المقاهي أشاهد المباراة مع أعداد كبيرة من الناس أغلبهم كان يشجع بحماس ويقف حين تضيع السويد هجمة، وظل هناك جزء يشجع بهدوء نادر لا يختلف كثيرا عن موقفي المحايد.

يقينا السويد دولة ثرية ومتقدمة وسويسرا التي واجهتها كذلك، بل الأخيرة هي أعلى معدل دخل في أوروبا، في حين أن الأولى هي نموذج لمجتمع الرفاهة ببعده الاجتماعي الواضح.

وعقب تسجيل الهدف فرح الناس وصفقوا بحماس وبعد الفوز لم أسمع صوت آلة تنبيه واحدة في وسط المدنية إلا من بعض سائقي التاكسي في المحطة الرئيسية من ذوي الأصول الأجنبية.

أما في الملعب فقد كانت السويد أفضل تخطيطاً وروحًا، وهي مرشحة لأن تصل إلى النهائي لتخرج على يد البرازيل إذا لم تواجهها قبل ذلك.

ركبت قطار العودة السريع عقب انتهاء المباراة متجها إلى المطار وفي ذهني تأملات كثيرة لما رأيته.

أهمها لماذا يشجع السويديون بهدوء وربما يصفهم البعض ببرود فريقهم الوطني ولماذا لن يصاب بعض جمهورهم بسكته قلبية ولا يتشنجون وتسود الدنيا أمامهم لو خسروا، ولماذا هم هادئون في أفراحهم وربما باردون أيضا؟

الحقيقة السبب هنا أن السويد لديها نجاح اقتصادي وسياسي تستطيع أن تفخر به وكرامتها الوطنية متحققة في الصناعة والزراعة ولديها شركات مصنفة الأولى في العالم رغم أن عدد سكانها عشرة ملايين نسمة وعاصمتها الجميلة يعيش فيها فقط مليون نسمة في مجتمع رفاهه حقيقي، وبالتالي خسارة مباراة في كأس العالم مؤلمة ولكن يخفف عنها نجاحات كبيرة في مجالات أخرى، وهذا على عكس مصر وباقي البلاد العربية، فالهزيمة الكروية في مجتمع مهزوم اقتصاديا وحضاريا وسياسيا، وفي دول تعاني من أوضاع سياسية واقتصادية سيئة، فليس عندها علم يعوض ولا ديمقراطية تشجع الناس على المبادرة والابتكار، ولا نجاح اقتصادي يخفف من الفقر، فيصبح الفوز في كرة القدم هو مظهر النجاح الوحيد، فالناس في العالم العربي يتكلمون في كرة القدم قبل كأس العالم وأثناءه وبعده لأنهم ليسوا شركاء في قضايا أخرى.

ولذا تشعر يوم مباراة المنتخب في مصر أن الحياة توقفت تمامًا والحسرة والألم على الهزيمة يمس كينونة الناس ووجودهم لأنه ليس هناك ما يعوض الخسارة بأي إنجازات وطنية أخري.

طبعا هناك بلاد أخرى متقدمة عن مصر أو تقدمت عليها مؤخرًا مثل البرازيل والأرجنتين، تمثل الكرة فيها جانبًا رئيسيًا من ثقافة شعوبها وليست فقط رياضة وهي جزء من الوجدان الشعبي (وبصورة أعمق من مصر) وأن قاعدة اللاعبين التي تقدر بالملايين تسمح دائما لبلد مثل البرازيل أن تكون مرشحة لبطولة كأس العالم، بصرف النظر عن طبيعة نظامها السياسي وإنجازها الاقتصادي (أخذت كأس العالم في ظل نظم ديكتاتورية عسكرية سابقة.

كأس العالم بالسويدي تجربة مثيرة ولم تتكرر في حياتي من قبل، وهي دعوة للهدوء وتأمل ثقافات شعوب ومجتمعات أخري تعيش معنا في كوكب واحد بصرف النظر عن قضية التقدم والتأخر.

إعلان