إعلان

التعليم الأزهري.. ما له وما عليه «10ـ 10»

د. عمار علي حسن

التعليم الأزهري.. ما له وما عليه «10ـ 10»

د. عمار علي حسن
09:00 م الأربعاء 04 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

يقود إمعان النظر في حال المسلمين الآن إلى نتيجة جلية وهي أن الإسلام قد تم اختطافه، وعلى الأزهر، جامعا وجامعة، أن يأخذ على عاتقه المساعدة في تصحيح هذا الوضع المختل. فما لدينا من الإسلام لم يعد على حاله الذي تركه الرسول- عليه الصلاة والسلام- وتحول جوهره القائم على قيمتين مركزيتين هما: التوحيد والرحمة، إلى أشكال أخرى من الأيديولوجيات والأساطير والفلكور والتجارة والعصاب النفسي، واستعملته أو وظفته مؤسسات وأفراد على مدار التاريخ، حتى لم نعد نراه، من الحمولات الثقيلة التي تراكمت عليه، وطمرت الينابيع الكبرى منه، أو أتت على طبيعته وجوهره، مثلما سبق أن جرى لمختلف الأديان، ومن ثم فإنه يحتاج إلى إصلاح.

سيقول "السلفيون" نحن الأولى بهذا، لأننا نطلب العودة إلى الأصول، لكن رأي هؤلاء يفتقد تماما إلى المنهج العلمي الذي يبحث عن الحقيقة لا مجرد "الدليل الشرعي" المستمد من النص وتأويله والتاريخ ووقائعه. فما تم تدوينه في القرن اللاحق على وفاة الرسول الكريم لا يمكن أن يكون هو ما جرى بدقة، بل أضيف إليه الكثير مما أنتجته المخيلات ومقتضيات المصالح وتطور المجتمعات وتنوعها وتعدد الأفهام والرغائب.

كما أن المنهج الذي يتبعه هؤلاء للوصول إلى المنبع هو صناعة بشرية تتلاحق فيه سلسلة متقطعة عبر تاريخ المسلمين (ابن حنبل ـ ابن تيمية ـ ابن عبدالوهاب) وبينهم الكثير من التلاميذ والأتباع. ولو أن السلفيين يعترفون بأنهم مجرد اجتهاد أو تصور في الإسلام لهان الأمر، لكن من أسف يتوهمون أنهم "صحيح الدين"، وتفعل مثلهم فرق وجماعات وتنظيمات كثيرة، اشتغلت بالدين أكثر مما تنشغل به، وحولته إلى مادة استعمالية لتحقيق أهداف وغايات أبعد من تكون عن الدور الذي ينتظره الناس من الدين، بل ما يرجونه من الله- سبحانه وتعالى- وهو الامتلاء الروحي والسمو الأخلاقي وإعلاء قيم الرحمة والحرية والمساواة والكرامة والسعادة والخيرية.

ويقول كثيرون إن كل شيء في القرآن الكريم، فهو "النص المؤسس" للإسلام، وما دام بين أيدينا فبوسعنا أن نعود إلى أصل الدين الذي أُنزل على محمد.

وينسى هؤلاء أربعة أمور:

الأول- هو أن القرآن تم نسيانه مع الأيام، فأصبح كتابا يُقرأ للتبرك به، أكثر مما يتم تدبر ما فيه وفهمه على نحو عادل دقيق، وإعمال مناهج العلم الحديث في الاقتراب منه، وحلت محل القرآن- وإن كان أغلبنا لا يدرون- نصوص أخرى بشرية، أصبحت هي التي تفسره، وتوضح معانيه ومراميه، وبالتتابع تراكمت عليه وغطته، فصرنا لا نراه.

والثاني- هو أن القرآن طالما يُقرأ مجتزأ، بما يُغيِّب حضوره الحقيقي والطبيعي في حياتنا، ويجعله مناطا للتلاعب من قبل المتطرفين والمغرضين، فسيتخدمونه بما يبرر سلوكهم المعوج، ويلبي احتياجاتهم حتى لو عارضت جوهر الدين، ويحقق منافعهم مهما كان بها من شر.

ومع أننا نقول في حياتنا السياسية والقانونية إن "الدستور" لا يقرأ إلا كوحدة عضوية، لأن كل مواده يفسر بعضُها بعضًا، وكذلك النص الأدبي يُفهم جزؤه في إطار الكل، فإن كثيرا ممن يتعاملون مع القرآن لا يدركون هذا، ويأخذون آيات فرادى، ويطبقونها على وقائع بعينها، زاعمين أن هذا هو موقف الله الذي أنزل القرآن.

والثالث- هو أن القرآن تفاعل بمرور الزمن مع حياة المسلمين، وبعضهم استغله بدءًا من واقعة التحكيم بين علي ومعاوية وانتهاء بما تسلكه الجماعات المتطرفة في زماننا.

والرابع- هو أن القرآن لا يُترك حُرًّا ليفهمه الناس على أنه نص مفارق لزمانه ومكانه، بل هناك من يتمسك بأسباب نزوله فيقضي بتاريخيته، ثم بانقضائه. وهناك من يزعم دوما أنه هو من يفهم مقصده، ومثل هؤلاء طالما أساءوا إليه حين تمسكوا بحرفيته، وغنائيته، فانشغلوا بهامشه عن متنه، وبمظهره عن مخبره.

لكل هذا فإن ما نحتاجه الآن هو "إصلاح ديني"، يجعلنا نمتلك "خطابا دينيا جديدا" وليس مجرد الاكتفاء بالحديث عن "تجديد الخطاب الديني"، الذي لا يتعدى طلاء جديدا لجدار قديم متهالك، يريد أن ينقض.

والتذرع بأن الإصلاح الديني يخص المسيحية الغربية فقط، وليس الإسلام- أمر يدعو إلى السخرية، فبعض التصورات والمؤسسات الدينية الإسلامية باتت تلعب الدور المعوق نفسه الذي كان يلعبه الدين في أوروبا، وعلماء الدين في بلاد المسلمين يقولون ليل نهار إنه لا كهنوتَ في الإسلام، لكنهم في تصرفاتهم وتصوراتهم ودفاعهم عن مصالحهم الذاتية، بدعوى أنها الدين- يتحولون إلى كهنوت بشكل صارخ.

وهناك رؤى فقهية وتفسيرات وأحاديث منسوبة للرسول- عليه الصلاة والسلام- وتواريخ وسير من العهد الأول تحتاج إلى مراجعة شاملة.

كذلك نحتاج إلى الإجابة عن السؤال المهم حول ما إذا كان القرآن نصا أم خطابا.

لا مجال لحديث الأزهر، جامعًا وجامعةً، عن إصلاح ديني دون خمسة شروط:

أن نقر بأن الإيمان مسألة فردية، لا دخل لأحد فيها، سواء كان عالم دين أو غيره.

وأن نعتبر العقل مكملا لمسار الوحي وليس خصيما له، ولا نكتفي بمجرد التلفيق بين الأول والثاني، كما يفعل الوعاظ حاليا.

وأن نلتفت إلى الجوانب الأخلاقية، ونراها هي جوهر الدين، وليس الطقوس، ونهتم بالإصلاح الاجتماعي، وأن يكون الدين رافعة له، وليس خصما.

وأن نميز بشكل واضح لا لبس فيه بين الدين والسلطة السياسية التي يجب أن تكون مدنية، والسيادة فيها للناس، والتشريعات للمؤسسات التي يختارونها.

وهنا يثار التساؤل الذي هو معطوف على الخيارات الثلاثة التي تم طرحها في مطلع هذه الورقة، وهو:

هل بوسع الأزهر أن ينهض بهذه المهمة، وهو مثقل بالانشغال بعلوم مدنية ينشغل بها غيره، بما لا يعطيه فرصة أكبر للانشغال بالأساس بتطوير العلوم الدينية وتحديثها أو عصرنتها؟

وهل بوسع هذه العلوم أن تفتح مدارك الأزهريين، كما قصد الذين أخذوا الأزهر في طريقه الحالية، أم هي جعلته يبتعد تدريجيا عن مهمته الرئيسية فتقفز على الساحة جماعاتٌ ووعاظٌ أرادوا أن يكونوا هم، بخطابهم الذي ساهم في اختطاف الإسلام، من يلبون طلب الناس على الدين؟!

إعلان